12‏/08‏/2018

الطريق إلى الحرية والتحرر


الطريق إلى الحرية والتحرر

للمفكر والشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.................

 [1] عِندَما يَسْتَقِرُّ قَلْب الفرد في رُوحِ الجماهيرِ ، سيتحوَّل إلى فكرةٍ لا تَموتُ مَعَ الأيامِ .
     الجماهيرُ هي الحاضنةُ للمشروعِ الإنسانِيِّ . إنَّها الثَّورة ووقودُها . وعِندَما تَحتضِنُ الجماهيرُ أحلامَ الفردِ ، فإِنَّ هذا الفَرد سَيُصبحُ أيقونةً خالدةً ونظريةً معرفيةً، ويَنتقل من الإطار الفرديِّ إلى الكَينونة الجماعية ، فَيُصبح عقلُ الفردِ عقلاً جَمْعِيًّا ، ويُصْبِحُ كَيانُ الفردِ فِكرةً عابرةً للتَّجنيسِ والزمان والمكان، لأنَّ الإنسانَ حِينَ يَتحوَّل إلى فِكْرةٍ ، يُصبِح حُلْمًا للجماهير في كُل زمان ومكان. والفِكرةُ لا تَمُوتُ ، ولا يُمْكِنُ مُوَاجَهَةُ الفِكرة إلا بالفِكرة . الفِكْرةُ أقوى مِنَ الرَّصاصة .
[2] اعتادَ الناسُ عَلى السُّجون ، فَصَارَت الحرِّيةُ خَطَرًا على حَياتهم .
     الاعتياديةُ قَاتلةٌ ، تَجعل الموجودَ غَيْرَ مَوجودٍ . فالعَينُ التي تَتَعَوَّدُ على رُؤية شَيء ، لا تَعُودُ تَرَاه . الاعتياديةُ هِيَ العَمَى الشاملُ . والناسُ غَرِقُوا في فِكرة السُّجون ، وعاشوا في سُجون الرُّوحِ والجسدِ ، فصارت العُبوديةُ هِيَ الحرِّيةَ بالنسبة إلَيهم ، وصارَ السِّجْنُ هُوَ أرضَ الأحلام ، وصارَ الوَطَنُ هُوَ المنفَى . والغريقُ في قاع البحر لا يُمْكِنُ أن يَرى بَرَّ الأمان . وَلَوْ لَم يَكُنْ هُناك سُجون ، لقامَ الناسُ باختراعها ، لِيَعيشوا فِيها . وسَوْفَ يُلَمِّعُون قُيودَهم لأنَّ جُلودَهم اعتادتْ على مَلْمَسِ القُيود، ولَن يُفكِّروا في فَكِّ القُيود، لأنَّ الحريةَ خَطَرٌ على العبيد ، كما أنَّ نُورَ الشمس خَطَرٌ على الخفافيش .
[3] شَيْءٌ مُؤسِفٌ أنَّني لَن أتَمَكَّنَ مِن شَرْحِ أفكاري لِحِيطانِ غُرفتي .
     حِيطانُ غُرفتي عَاشَتْ مَعِي ، وعِشْتُ مَعَها . رَأَتْ دُموعي في ليالي الشتاء الطويلة ، ورَأيتُ أحلامَها المقتولة تحت الأرض . كَم كُنتُ أتمنَّى أن تستمع إلى كلماتي . أُريدُ أن أشرحَ لها فَلْسفتي. قَد لا تَكُون فَلسفةً عظيمةً ، ولكنها نابعةٌ مِن قَلبي وأحزاني وذِكرياتي .
[4] البَشَرُ صِنْفَان : صِنْفٌ يَنامُ ، وصِنْفٌ يَسْهَرُ عَلى أُولئك النَّائمين .
     لا عَدالةَ في هذا العالَم. السَّادةُ يَنامون في الأحلام والعسلِ ، والعبيدُ يُضَحُّون بِرَاحتهم مِن أجل رَاحة السادة . يَسْهَرُ العَبيدُ وهُم في أمَسِّ الحاجة إلى النَّوْم . ولكنَّه قانون السُّوق . مَن يَمْلِكْ يَفْرِضْ شُرُوطَهُ عَلى مَن لا يَمْلِك . والعَبيدُ لا يَمْلِكُون حَقَّ الاختيارِ .
[5] الشَّخصان الوَحيدان القادران على كَسْر رُوتين العالَم هُما العَبقريُّ والمجنون .
     العَبقريُّ يُغيِّر العالَمَ بذكائه الخارق. يُعيدُ تَرتيبَ الفَوضى في هذا الوجود الذي دَمَّرَه الإنسانُ. يَنقل حياةَ الإنسانِ مِنَ الصُّعوبات المادية إلى السُّهولة المعرفية . والمجنونُ يُغيِّر العالَم بِهَلْوَساته وعُقَدِه النَّفسية وأمراضه العقلية، فَيَبدأ رِحلةَ الهدم ، وتَعُمُّ الفَوضى ، فَتُصبِح حياةُ الناسِ جَحيمًا لا يُطاق . وأيُّ فَرْقٍ يَشْعُرُ بِه الناسُ ، سواءٌ كان إيجابيًّا أَم سلبيًّا ، فإنَّهُ صِناعةُ عبقريٍّ أو مَجنون .
[6] التناقضُ جُزْءٌ أساسِيٌّ مِنَ القَلَق ، والقلقُ جُزْءٌ أساسِيٌّ مِنَ الإبداع .
     لا مَفَرَّ مِنَ التناقض ، لأنَّ عَقْلَ الإنسانِ مَحدودٌ ، وصِفَاتِه نِسْبية لا مُطْلَقة . والْمُبْدِعُ عَلَيهِ أن يَتطهَّر مِنَ التناقض إلى أقصى حَدٍّ مُمْكِن ، ويُعيد تَدوير تناقضاته لِيَحصل على أفكارٍ جَديدةٍ منطقية ومتسلسلة . والتناقضُ جُزء مِن مَنظومة القَلَق. فالقلقُ هو العنصر الضاغط على ذِهن الْمُبْدِع، ولا يَسْمَح له بالتحرك بحرية. والقلقُ هو الْحَجَرُ الذي يُرْمَى في الماء الراكد لِكَسْرِ الملَل الفكريِّ ، وتَحطيمِ الروتين الوظيفيِّ، وإعادةِ إنتاج الاعتيادية الحياتية . وهذه العناصر الأساسية تَجعل القلقَ جُزءًا أساسيًّا مِنَ الإبداع . ولا نُبَالِغ إذا قُلنا إنَّ القَلَقَ _ بما فِيه مِن حركة مستمرة _ هُوَ الإبداعُ نَفْسُه.