21‏/03‏/2013

القصيدة مشروع استثماري

القصيدة مشروع استثماري

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .


     إن القصيدة استثمار حقيقي في بنية التاريخ ، تاريخِ الروح والمادة . وهذا الاستثمار الحيوي له علاقة وثيقة بالنظام اللغوي الشعري المنتشر في أوصال المجتمع ، والذي يحدِّد تضاريسَ النص ورموزه الحاملة لتاريخ الجماعة البشرية ، وعلاقاتها الحياتية المتشابكة . ووفق هذا المنظور لم تعد القصيدةُ نسقاً لغوياً جمالياً فحسب ، بل أيضاً أضحت طَوْقَ نجاة حقيقياً ، وركيزةً في الفعل الاجتماعي ، سواءٌ كان فردياً أو جماعياً .
     وكلما تعمَّق الفكرُ القصائدي في أبجدية الجماعة البشرية ، ازدادت قدرةُ النص الشعري على تفسير التراكيب الفكرية الحاملة للفعل الثقافي والفعل الاجتماعي. فالشِّعرُ _ أولاً وأخيراً_ سلوكٌ ذهني يُحال إلى قيم واقعية تتجمع على شكل أنوية فلسفية تعيد اكتشاف روحَ المجتمع وجسدَه . وهذا الأمرُ يجعل الطاقةَ الشعرية الرمزية قادرةً على اكتشاف ماوراء المجتمع الشعري ، وماوراء المجتمع الإنساني . ومن هنا تنبع شرعية النص الشعري الذي يلقي حجراً في الماء الراكد .
     وهذه الحركة الشعرية الدؤوبة تساهم في فهم التاريخ القصائدي غير المحدود بالزمان والمكان. الأمر الذي يزيد من توهج جماليات اللغة ، ويدفع باتجاه صناعة نهضة مجتمعية حقيقية لا صورية . وعندئذ تتطور العلاقاتُ الاجتماعية مع اللغة الشعرية العابرة للحدود ، وترتفع حرارة التجربة الإبداعية المعادِلة للعلاقات اللغوية الاجتماعية .
     وعلى الرغم من صعوبة تحقيق هذا الحلم ، إلا أنه في دائرة الممكن ، وفي متناول اليد . لكنه بحاجة إلى حفريات متواصلة في منجم اللغة لإنتاج أشكال ثقافية متميزة ، وصُوَر اجتماعية ديناميكية متأججة في القصيدة الحية .
https://www.facebook.com/abuawwad1982

15‏/03‏/2013

أهمية اللغة الشعرية

أهمية اللغة الشعرية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .


     إن اللغةَ الشعرية اكتشافٌ متواصل لعوالم الإنسان الداخلية ، وتنقيبٌ دائم عن المعنى . وهذه اللغةُ المتفردة لها طبيعة خاصة تتنفس من خلال الحلم الإنساني ، كما يتنفس الإنسانُ من خلالها . وبما أن القصيدة نظام لغوي كَوْني ينظر إلى الثقافة على أنها حضارة لا بديل عنها، ومتنفَّس لعناصر الطبيعة ، كان لزاماً على النَّص أن يُفعِّل القيمَ الإيجابية في المجتمع ، ويَحرس الواقعَ المعاش من التآكل، ويؤسس في تفاصيل الحياة المادية رموزاً لغويةً قادرة على حمل إيقاع الرُّوح، وتوهجَ الحلم. فاللغةُ هي كَيْنونة الفرد ، وهويةُ المجتمع ، والتكوينُ المنطقي القادر على صياغة الأحلام ، وبناءِ الدلالة المعرفية الفاعلة في المنظومة الحياتية بكل تفاصيلها .
     ولا يمكن اعتبار اللغة الشعرية جزءاً هامشياً في تاريخ الوجود الإنساني ، لأنها تاريخٌ متجدد قائم بذاته ، ويتمتع بشرعية ذاتية ، واستقلالٍ معرفي لا ينتظر اعترافاً خارجياً . وهذا يشير إلى أن اللغة الشعرية تتميز باكتفاء ذاتي قادر على تكوين البنى الاجتماعية والثقافية داخلياً وخارجياً ، أي داخل المستوى الرمزي للكيان القصائدي ، وخارج الأطر الواقعية المحصورة بالزمان والمكان . فاللغةُ لا تكتفي بالتواجد في الواقع المحسوس الذي يعيشه الناسُ ، بل أيضاً تُحوِّل الحلمَ إلى واقع جديد يسير جنباً إلى جنب مع حياة الفرد والجماعة . وفي هذا إشارةٌ واضحة إلى أن تكوين العالَم الشعري ضرورة مُلحة لإنقاذ العالَم الذي نعيش فيه ، وليس ترفاً أو جرعةً تخديرية . فالقصيدةُ هي المحرِّك الرمزي الوجداني لأنساق المجتمع، وهي الضمانة الأكيدة لتشييد التجانس الإنساني كوَحدة سلوكية مقاومة لاغتراب الفرد في متاهة الواقع الضاغط ، واغترابِ الجماعةِ في تحديات الهوية الذاتية .
https://www.facebook.com/abuawwad1982 

04‏/03‏/2013

القصيدة ثنائية القطب

القصيدة ثنائية القطب

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة العرب اللندنية 4/3/2013


     إن القصيدة هي المختبَر الحقيقي لتوظيف الشعور عاطفياً ورمزياً وواقعياً . والشعورُ يظل قناعاً للوهم حتى يلازمه تركيب فلسفي حقيقي بعيد عن الشكلية . وهذا التركيب الفلسفي لا يمكن توليده إلا من خلال تفاصيل الأبجدية الشعرية . ومن خلال هذا الترابط المصيري يتكون نسيج معرفي يُخرج الفكرَ الاجتماعي من تكتلات المعاني الذهنية الجاهزة إلى فضاءات الكُل الجمعي ( المجتمع الإنساني ). وبعبارة أخرى، تتحول الأنا الذاتية الجزئية ( شخصية الفرد ) إلى كيان عام كُلِّي ( شخصية المجتمع ) ، وهكذا تتحول القصيدة إلى عالَم ثنائي القطب ، وتصبح النظمُ الرمزية الهادفة إلى فهم طبيعة الحراك اللغوي طريقاً للالتقاء مع التوهج الشِّعري ، الأمر الذي يجعل ماضي القصيدة وحاضرها مستقبلاً للأبعاد اللغوية عالية التجانس . وهذا التحول الزماني باتجاه المستقبل هو الذي يُبقي على حيوية النَّص واستمراريته خارج أنطقة اللحظة الراهنة. وهنا يظهر الاختلاف الجوهري بين القصيدة الحية العابرة للتجنيس والأطرِ الزمنية ، وبين الحياةِ الاستهلاكية الآنية التي تصير جزءاً من الذكريات بعد انقضاء الحدث .
     وكلما توغلنا في التفاعلات الحيوية لمضامين الشِّعر، توصَّلْنا إلى فهم البناء الشبكي للقصيدة ، مما يقودنا إلى وضع الخصائص العامة لمفهوم الثنائية القطبية في الأفق الشعري. واللافت أن القصيدة تتكون من ثنائيات متعددة، مثل: الفرد / المجتمع، اللفظ / المعنى، الواقع / المجاز... إلخ .
     وهذا الزخمُ الفكري ينتشل الحلمَ الشِّعري من عنق الزجاجة ، ويؤسس علاقاتٍ اجتماعية متوافقة مع نظام القصيدة باعتبارها مجتمعاً متكاملاً موازياً للحالة البشرية العامة . وبالتالي تبرز معايير منطقية للإحساس القصائدي، تعتمد على شفافية اللغة، وقدرتها على حمل الأحلام البشرية، وتوجيهها نحو ترسيخ السلوك العاطفي الإيجابي لا السلبي . وهذا السلوكُ الفاعل من شأنه أن يقود الأبجديةَ الشعرية نحو عوالم أكثر انفتاحاً على الحياة الاجتماعية ، وشرعيةِ مكانها ومكانتها .
https://www.facebook.com/abuawwad1982