11‏/07‏/2013

مصر ما بعد الإخوان

مصر ما بعد الإخوان

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة الزمان اللندنية 9/7/2013

إن نهاية تجربة " الإخوان " في حُكم مصر جاءت درامية ومتسارعة الأحداث وقصيرة للغاية . ولكنْ ينبغي تحليل هذه الظاهرة بعيداً عن فكرة حب الإخوان أو كرههم  . بدايةً ، ينبغي أن نَعرف أن وصول " الإخوان " [ القوة الأكثر تنظيماً في ساحة العمل السياسي الإسلامي ] إلى سُدَّة الحُكم هو خط أحمر . وإذا حصل في بعض الحالات فيجب إفشالهم من اليوم الأول بغض النظر عن كَوْنهم ملائكة أو شياطين ، ودون اعتبار للإنجازات أو الإخفاقات . فوجودُهم تهديد حقيقي لمصالح الغرب وأمريكا خصوصاً . فالمشروعُ الإسلامي يستند إلى عقيدة مبنية على العِزَّة ، والكرامة ، والاكتفاء الذاتي ، والجهاد ضد المحتلين ، وتحرير الأراضي المغتصَبة. وهذه القيم تتعارض جُملةً وتفصيلاً مع قيم الغرب الذي يحتل الوطن العربي احتلالاً غير مباشر ، وتشكل خطراً على وجوده ومصالحه . فيجب شَيْطنة المشروع الإسلامي ، واعتباره عدواً يجب التصدي له بكل حُزم . فالغربُ لا يَسمح لأحد أن يتحداه ويرفع رأسَه ، وإلا فإن الحصار ينتظره . وهذا مبدأ غربي عام وثابت يشمل جميع الأمم والأشخاص _ مهما كانت العقيدة أو العِرق أو الثقافة _ . وقد يعتقد البعض أن هذا الكلام يخضع لنظرية المؤامرة ، فنقول إنه فِعلاً كذلك . والأمثلة التاريخية صادقة لا شك فيها . فالزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر ( 1918م _ 1970م ) تحدى أمريكا فحاصره الغربُ بالكامل، وتمت مهاجمة مصر في عام 1956م ، وتخلت أمريكا عن تمويل السد العالي . وملك السعودية الراحل فيصل بن عبد العزيز (1906م - 1975م) كان قد هدد الغربَ بإغلاق جميع آبار النفط إذا لم تعد القدس للمسلمين ، وفي عام 1973م قاد حملة قوية ترمي إلى قطع النفط عن أمريكا والدول التي تدعم " إسرائيل"، وقامت مجلة " التايم " الأمريكية بتسميته "رَجل العام" ، فتم قتلُه والتخلص منه . والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ( 1929م _ 2004م ) رفض الإملاءات الأمريكية فحُوصِر في مقره ، وتخلى عنه الأشقاء قبل الأعداء ، وتم قتلُه بالسُّم . كما أن الدول التي تتحدى الغربَ وترفض أوامرَه مصيرها الحصار الخانق والتجويع، مثل : إيران ، كوريا الشمالية ، كوبا ...إلخ .
     وما حَدث في الحالة المصرية إبَّان حُكم " الإخوان " _ رغم أخطائهم الكارثية _ ، هو حصار مصر من الداخل والخارج . فالكثيرُ من القنوات التلفزيونية المصرية شَنَّت ولا تزال حرباً على مدار الساعة على         " الإخوان " ، حتى إن الرئيس الشرعي المنتخَب محمد مرسي كان يُشتَم في قنوات بلاده ، وهذا لم يَحصل في أية دولة في العالَم . كما أن رجال الأعمال النافذين نَجحوا في تهريب المليارات إلى الخارج ، عدا عن آلاف الاعتصامات والإضرابات ، وفي هذا الجو من الطبيعي أن ينهار الاقتصاد ، ويَهرب المستثمرون ، ويزداد السخط الشعبي ، وينهار القطاع السياحي الذي يُعتبَر أحد دعامات الاقتصاد . أمَّا الحصارُ الخارجي ، فكان أشده على الإطلاق حصار دول الخليج ، ونخص بالذِّكر ( السعودية ، الإمارات ، الكويت ) التي تركت مصر تواجه مصيرها لوحدها دون مد يد العون لها ، كما أن صندوق النقد الدولي المسيطر عليه من قبل أمريكا ، ماطل كثيراً في منح القروض لمصر على عكس ما كان يَحدث قبل مجيء " الإخوان " إلى السُّلطة . وهذا كله مؤشر باهر على وضع العربة أمام الحصان ، ووجود نيَّة مبيَّتة لإفشال " المشروع الإسلامي " مع الاعتراف بأخطاء أتباع هذا المشروع ، وعدم تبرير هذه الأخطاء .
     وهذا الحصار الخانق يعيدنا إلى حصار حركة حماس بعد فوزها في الانتخابات عام 2006م بشكل نزيه وشفاف باعتراف العالَم . فكانت النتيجة أن حُوصِر قطاع غزة ، وتم تجويعه ، ولا يزال . فلا يوجد موقف يمر دون ثمن ، والصمودُ له ضريبة يجب دفعُها .
     إن الأمم التي لا تَقدر على إطعام نفسها ، لا تَقدر على حُكم نفسها . ومصر هي أكبر مستورد للقمح في العالَم ، وتعاني من أزمات متكاثرة لا حصر لها على كافة الصُّعد. وهذه المشكلات لا يمكن حلها بقراءة القرآن أو الإنجيل ، أو دعاء الله تعالى بقلوب صادقة . ونحن لا نقلِّل من الجانب التعبدي ، ولكن السماء لا تُمطِر ذهباً ولا فضة ، ولو كانت الأدعيةُ لوحدها قادرة على التغيير لتحرَّرت فلسطين منذ عقود ! . فلا بد من العمل على أرض الواقع لإيجاد حلول حقيقية للمشكلات .
     وإنني أدعو " الإخوان " والحركات الإسلامية عموماً إلى استيعاب هذا الدرس القاسي ، ومعرفة موازين القوى العالمية والإقليمية ، والانخراط في العمل السياسي مع الاستفادة من أخطاء الماضي ، وتغليبُ مصلحة البلاد على المصلحة الشخصية ، وتقدير قوة الخصوم وعدم العيش في عالَم الأمنيات، فالعالَمُ تسوده شريعة الغابُ، والقويُّ يأكل الضعيفَ ، والغايةُ تبرِّر الوسيلةَ، والغرب يَكيل بمكيالَيْن ، ويميل مع الرياح حيث مالت ، وهو يلهث وراء مصلحته بغض النظر عن الاعتبارات الأخلاقية . وللأسف ، لا توجد في السياسة أخلاق .

     وبعد إنهاء حُكم " الإخوان " في مصر ، سوف يُكسَر الحصارُ على مصر ، وتَهبط المليارات عليها ، فها هي دول الخليج التي تكاد تطير فرحاً بسبب التخلص من " كابوس الإخوان " تعد حُزمة مساعدات عاجلة لتقديمها إلى مصر. وسوف ترمي بكامل ثقلها في مصر لانتشال الاقتصاد، وقيادة الاستثمارات ، وتوفير الدعم السياسي لها . ولا أستبعد أن تقوم بتسديد ديون مصر أو جزء كبير منها . إذن ، فالكرمُ العربي القادم من الخليج سوف يحل في أرض الكنانة . كما أن الغرب سوف يندفع إلى مساعدة مصر ، فتزدهر الحياة ، وتعود السياحة إلى سابق عهدها أو أفضل ، ويرجع رجالُ الأعمال مع مشاريعهم الجديدة . والأقباط الذين يُسيطرون على ثلث الاقتصاد المصري سوف يضخون الدماءَ في شرايين الاقتصاد ، وتدور العجلةُ من جديد . والآن .. كل طلبات مصر مُجابة بعد التخلص من " الإخوان " الذين تتم شَيْطنتهم ونعتهم بالجهل والغباء وعدم القدرة على إدارة مفاصل الدولة . هذا هو قانون اللعبة .