20‏/07‏/2013

المجتمع الشعري والمجتمع الإنساني

المجتمع الشعري والمجتمع الإنساني

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

صحيفة قاب قوسين الإلكترونية 19/7/2013

     لا يمكن للتجربة الشعرية أن تتحرر من القوالب الجاهزة إلا عن طريق دمج المضامين الشعورية بالفلسفة الاجتماعية . فالمجتمعُ الإنساني هو المخزون الإستراتيجي الذي يَدعم حركةَ القصيدة ، ويعزِّز انطلاقتها نحو تعرية الوهم من أقنعته . وبالتالي تتحول القصيدةُ إلى بُنية ثقافية تَحمل في رموزها حركةً نقدية شديدة الخصوصية والتمازج مع الإنسان باعتباره مَرْكزاً لهذا الوجود .    
     وهذا التحول المصيري يَضمن استمرار الحياة اللغوية، وتدفقَ أبجدية المشاعر في نخاع القصيدة. مما يؤدي إلى تفعيل وظيفة الكلمة ، وإخراجها من البرواز الجمالي المجرَّد إلى الفاعلية الاجتماعية التطبيقية. وعندئذ يصبح جسدُ القصيدة تجسيداً لأحلام الناس، ومشروعاً شعبياً بعيداً عن الابتذال أو المساوَمات .
     وإذا انتقلت الثقافةُ من الحاضنة الفكرية إلى الحاضنة الشعبية ، فإن سيادةَ القصيدة على الأنساق الاجتماعية ، وسيادةَ المجتمع على الرموز اللغوية ، سوف تصبحان منظومةً واحدة ومنسجمة. الأمر الذي يَمنع نشوءَ كيانات مجتمعية متنافرة في القصيدة . وهذا التجانسُ الطوعي لا القسري ، هو الضمانة الأكيدة لتكثيف الصيغ اللغوية وجَمْعها على هدف واحد رغم التنوع الطبيعي والحيوي في الأساليب . وهنا تبرز أهمية وحدة المصير وتنوُّع المسارات . وبعبارة أخرى ، كل الطرقات الشعرية تؤدي إلى بُنية اجتماعية متماسكة غير قابلة للانقسام .

     وهكذا يتزاوج البعدُ الثقافي والأفقُ الاجتماعي وفق صيغة " لا غالب ولا مغلوب ". فالقصيدةُ تصنع مجتمعاً من الأنداد لا مجتمعاً من السادة والعبيد، كما أنها تُحيل الهامشَ إلى مركز، والحلمَ المكبوت إلى طاقة خلاقة ، والسجنَ الحياتي إلى فضاء إبداعي . فيشعر الجميعُ بجدوى وجوده ، وأهميته المركزية في الحياة ، ويتولَّد زخمٌ إبداعي حاضن لمشاعر الفردِ ومصلحة الجماعة على حَدٍّ سَواء .