02‏/10‏/2013

ماهية التحولات في العوالم الشعرية

ماهية التحولات في العوالم الشعرية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .

     اللغةُ الشعرية هي قوةٌ موجودة وقائمة بذاتها سواءٌ تم التعبير عنها أم لا . والشاعرُ هو شاعرٌ قبل أن يَكتب الشِّعرَ ، لأن الوجود سابق على التواجد . أي إن وجود البذرة الخفية سابقٌ على وجود الشجرة الظاهرة. والبذرةُ الشعرية تمتلك شرعيةَ وجودها حتى لو لم تَظهر في حيز الوجود ، تماماً كالجنين الموجود في بطن أمه ، فهو يمتلك شرعيةَ وجوده حتى لو لم يظهر للعلن ويأخذ مكانه تحت الشمس . وهذه الأفكار المركزية شديدة الأهمية في عالَم الفكر الشعري، لأنها بمثابة أعمدة البِناء .
     وكما أن البِناء لا يمكن أن يَقوم بدون أعمدة، فإن القصيدة لا يمكن أن تقوم بدون قواعد فلسفية راسخة . فالأساسُ المتين هو الذي يَمنح الثقةَ لباقي العناصر ذات الطبيعة الفَوْقية . وعليه ، يصير الحلمُ الشعري بحد ذاته انقلاباً وجودياً حاسماً في البنى التاريخية للشعور الإنساني ، ولغوياتِ النَّص .
     ومن الأهمية بمكان أن ندرك أن القصيدة _ أولاً وأخيراً _ هي جَسَدٌ حي لا يموت ، ويَملك القدرةَ على التَّجسُّد والتجسيد . وهذان القطبان ( التجسد " الفعل " / التجسيد " التفعيل " ) يضمنان تحولَ الأنساق اللغوية إلى أنساق اجتماعية واقعية ذات فاعلية محورية ، كما يَضمنان تحويلَ الشكل الشعري المتنوع إلى أشكال إنسانية لا نهائية تملكَ مزايا الخلاص والتخليص ، خلاصُ الفرد والجماعة عن طريق تخليص الفرد من ضغط الجماعة ، وتخليص الجماعة من انتقادات الفرد .
     وكلُّ هذه الفعاليات الفكرية تُفرِز نتائج أساسية تصبح _ فيما بعد_ مُسلَّمات بفعل شرعية المضمون الذاتي للفكرة، وشرعيةِ الأمر الواقع. فيصبح الحلمُ هو الحالِمَ ، والفعلُ هو الفاعل ، والقصيدةُ هي الشاعر ، والشاعرُ كُلَّ الناس سواه. وهذه الأبنية الاجتماعية للرمزية الحالمة تتداخل مع المنظور الذي يَصهر امتداداتِ الحلم في طبقات القصيدة التفاعلية . وبالطبع ، فهذه عملية لا تنتهي ، لأن القصيدة هي عملية حَفْر متواصلة ، وتنقيب لا ينتهي .

     إننا نحفر موتنا في عظام القصيدة لنحصل على الحياة المقطَّرة مخيالياً وواقعياً ، والتي تمنحنا الخلودَ ، ونحفر خنادقَ أحزاننا في رياح اللغة لننتزع الضوءَ من أشد اللحظات ظلاماً .