10‏/10‏/2013

النظام الشعري وثورية اللغة

النظام الشعري وثورية اللغة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .

كلُّ لغةٍ اجتماعيةٍ هي نظام شِعري غامض يتضح أثناء عملية التنقيب في منجم الرموز الإنسانية . ولا تقف عمليةُ التنقيب عند الظواهر المعرفية ، وإنما تمتد إلى اكتشاف كَيْنونة الشعور ، وأطوارِ الفكر الثقافي . الأمرُ الذي يُمهِّد الطريقَ أمام لغويات الأداء الاجتماعي كي تنتشر في الجسد الشعري ، وتَكسر الحصارَ المفروض على التفسير الزمكاني للأبجدية الوجدانية . مما يَمنحنا فرصةً حقيقية لبناء تصور جديد لثورية اللغة ، وتكوين مفاهيم ذاتية للكُمون الشعوري في وجدانية النص .
     إن النص الشعري هو التشابك المعرفي للنصوص. وكلُّ صوتٍ هو _بالضرورة_ صدى قديم ، وكلُّ حركة هي تلبية لنداء قديم يَنبعث فينا على شكل إشراقاتٍ لغوية عابرة للزمكان. والكتابةُ الإبداعية هي تجسيد لغوي مُقْتَبَس من كَيْنونة الرائي ، واندلاعِ الرؤية الجوانية المتمردة على انهيارات العقل السُّلْطوي الذي تمثله المجتمعات المقموعة القامعة .
     وعلى الرغم من كَوْن النص عملاً جماعياً يشترك كل الناس في كتابته، وما على الشَّاعر الرائي إلا تدوينه، إلا أن الشَّخْصنة _ باعتبارها أحاديةَ المدلول وسياسةً للتكوُّن العقلاني للأبجدية _ لها وزنها الذي لا يمكن تهميشه ، وذلك راجع إلى عدم إمكانية تجاوز الفردية الشِّعرية في مشروع بناء الكل. فالجزءُ _ مهما كان صغيراً _ لا نستطيع تجاوزه ، لأن صرح المعقولات الزمكانية الوجدانية الكلية لا يقوم إلا على الجزء باعتباره النواة المركزية ، والمنبع الحقيقي للأمواج الفكرية .

     وإذا تضافر الجزءُ والكل ضمن منظومة تكاملية متآلفة ، فإن عقلَ القصيدة الرائي سينجح في تشييد التلاحم الوظيفي للأبجدية المتكوِّنة من شظايا روحِ النص ، والمبنيةِ على تطبيقات المنحى الرمزي التصاعدي ، مما يؤدي إلى إحداث انقلاب جذري في المضامين اللغوية . وبالطبع ، فهذا الانقلاب يَحمل في جَوْفه تجديداً لجغرافية النص الحتمي ، وبوصلةً وجودية تشير إلى اتجاهات الأنسنة التثويرية .