03‏/07‏/2015

غزوة بدر ( 17 رمضان / 2 هجرية )

غزوة بدر ( 17 رمضان / 2 هجرية )

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

......................................

     قال الله تعالى : } وإذ يَعِدُكم اللهُ إحدى الطائفتَيْن أنها لَكُم وتودُّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد اللهُ أن يُحِق الحقَّ بكلماته ويقطعَ دابرَ الكافرين {[ الأنفال : 7] .
     وهذه الآية نزلت في قصة بَدْر. والطائفتان هما العِير ( مع أبي سفيان ) والنفير ( مع أبي جهل). فاللهُ تعالى وعد المؤمنين إحدى الطائفتين أنها ستكون لهم . والمؤمنون أحبُّوا أن تكون لهم العِير تجنباً للقتال وإهدار الدماء ، فأرادوا نصراً سهلاً دون خوض حرب ، لكن الله تعالى يريد إعلاءَ كلمته ، وتثبيت دعائم دِينه المقدَّس ، واستئصال الكافرين، فأمرَ المؤمنين بقتال قُرَيْش . والخِيرةُ فيما اختاره اللهُ تعالى لأنه أعلم بالنفوس من أصحابها .
     والإرهاصاتُ التي سبقت غزوةَ بدر تتمثل في وجود عِير لقُريش قادمة من الشام ، على رأسها أبو سفيان ، فخرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم في جماعة من أصحابه يريد الاستيلاء على العِير لتعويض ما تركه المهاجرون للكفار بمكة. فعلم أبو سفيان بالأمر ، فأرسل من يُخبِر قُريشاً بذلك ، فخرج المشركون بأسلحتهم للدفاع عن تجارتهم ، وعلموا بنجاة القافلة ، لكنهم أصرُّوا على قتال المسلمين . فالتقى الطرفان في بَدْر . وكان عدد أصحاب بَدْر ثلاثمائة وثلاثة عشر رَجلاً، أما المشركون فقُرابة الألف.
     وقد روى الترمذي في سُننه ( 4/ 152) وصححه: عن البراء_ رضي الله عنه _ قال :     (( كنا نتحدث أن أصحاب بدر يوم بدر كَعِدَّة أصحاب طالوت ، ثلاثمائة وثلاثة عشر رَجلاً )) .
     وقبل خروج المسلمين للقتال شاوَرَهم النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر ، فهم لم يكونوا مستعدين للحرب.
     فعن أبي أيوب الأنصاري _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة : (( إني أُخبرت عن عير أبي سفيان أنها مُقبلة، فهل لكم أن نخرج قبل هذا العير ؟، لعل الله يغنمناها )) ، فقلنا : نعم ، فخرج وخرجنا ، فلما سِرْنا يوماً أو يومين قال لنا : (( ما ترون في القوم فإنهم قد أُخبروا بمخرجكم ؟ ))، فقلنا : لا والله ، ما لنا طاقة بقتال العدو ، ولكن أردنا العير . ثم قال :  (( ما ترون في قتال القوم ؟ )) ، فقلنا مثل ذلك . فقال المقداد بن عمرو : إذن لا نقول لك يا رسول الله كما قال قوم موسى لموسى } فاذهبْ أنتَ وربُّكَ فقاتلا إنَّا هَهُنا قاعدون { [المائدة : 24] . قال: فتمنَّيْنا معشر الأنصار لو أنا قلنا كما قال المقداد أحب إلينا من أن يكون لنا مال عظيم {(1)}.
     ونرى الإصرارَ الكبير من الصحابة على ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم والقتالِ معه وعدم التخلي عنه ، على الرغم من رغبتهم في العِير وتجنب النفير ( القتال ) في بداية الأمر . لكنَّ الحق أحقُّ أن يُتَّبع .
     وفي صحيح مسلم ( 3/ 1403) : (( عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شَاوَر حين بلغه إقبال أبي سفيان. قال : فتكلم أبو بكر ، فأعرض عنه. ثم تكلم عمر، فأعرض عنه. فقام سعد بن عبادة، فقال : إيانا تريد ؟، يا رسول الله ، والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها _ يعني الخيل_، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد_اسم مكان _ لفعلنا )). 
     وهذا هو الصدقُ التطبيقي في أحلك الظروف لا الصدق الشعاراتي والأناشيد الوطنية المفرغة من المعنى الواقعي . لذلك جاءت أهلَ بدر البشارةُ بسبب إيمانهم وصبرهم ورباطة جأشهم وثباتهم عند تطاير الرؤوس في أرض المعركة . فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لعل الله_ عز وجل _ اطَّلعَ على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم )){(2)}.
     ومعناه أن لهم الغُفرانَ في الآخرة والكرامة والنعيم المقيم جزاء صبرهم وثباتهم في الموقف الصعب ( يوم بَدْر)، أمَّا إذا ترتب على أحدهم حَد أو غيره أُقيم عليه في الدنيا .
     وفي شرح النووي على صحيح مسلم ( 16/ 56 ) : (( ونقل القاضي عياض الإجماع على إقامة الحد )) .
     ولو عُدنا إلى مقدمات المعركة لوَجدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى جرعةً معنوية عالية للمؤمنين بأن بشَّرهم بمصارع المشركين .
     ففي سيرة ابن هشام ( 3/ 162) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم )) .
     ويتجلى الأخذ بمشورة الصحابة يوم بدر . فمضى النبي صلى الله عليه وسلم [ يُبادر قريشاً إلى الماء حتى إذا جاء أدنى من ماء بدر نزل به ، فقال حباب بن المنذر بن الجموح أحد بني سلمة : يا رسول الله ! ، أرأيتَ هذا المنزل ؟ أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ ، قال : (( بل هو الحرب والرأي والمكيدة ))، قال : فإن هذا ليس لك بمنزل، فانهض حتى نأتيَ أدنى قليب القوم فننزله ، ثم نُغوِّر ما سواه من القلب ، ثم نبني حوضاً فنملأه ، ثم نُقاتِل القومَ فنشرب ولا يشربون ]{(3)}.
     فهذا الصحابي الجليل قدَّم خبرته في سبيل الدعوة الإسلامية ، ولم يكتم المشورةَ الصادقة ، بل أعطى رأيَه مدعوماً بالحجَّة والبرهان من أجل صناعة انتصار المسلمين على المشركين . وقد كان ذكياً حينما سأل عن اختيار الموقع قبل إبداء النصيحة ، هل هو أمرٌ إلهي معصوم أم اجتهاد بشري وفق ظروف الحرب ؟ . فهذا السؤال له أبعاد دقيقة . فالأمرُ الإلهي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه ، ولا يمكن رفضه أو الاعتراض عليه ، أما الاجتهاد البشري فيمكن تغييره إذا ظهر رأي راجح . 
     وقد كانت معركةً قوية ، وأمدَّ اللهُ المؤمنين بالملائكة ، وانتهت المعركة بانتصار المسلمين الباهر على الرغم من تفوق المشركين عددياً . وقُتل من المشركين سبعون ، وأُسر سبعون . وارتفعت معنويات المسلمين وعلا صوتُهم بعد هذا النصر الإلهي .
     وعن ابن مسعود قال : أدركتُ أبا جهل يوم بدر صريعاً ، فقلتُ : أي عدو الله ، قد أخزاك الله ، قال : وبما أخزاني الله من رَجل قتلتموه . ومعي سيف لي فجعلتُ أضربه ولا يحيك فيه ، ومعه سيف له جيد فضربتُ يدَه فوقع السيف من يده فأخذتُه ثم كشفتُ المغفر عن رأسه فضربتُ عنقه ثم أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه فقال : (( الله الذي لا إله إلا هو ؟ )) ، قلتُ : الله الذي لا إله إلا هو ، قال : (( انطلق فاستثبت )) ، فانطلقتُ فأنا أسعى مثل الطائر ، ثم رجعتُ وأنا أسعى مثل الطائر أضحك فأخبرتُه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( فانطلقْ فأرني )) ، فانطلقتُ معه فأريته ، فلمَّا وقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( هذا فِرْعَوْن هذه الأمة )){(4)} .
     فأبو جهل ( رأس الشِّرك ) قضى حياته كافراً مُحارِباً لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مُعانِداً للحق ، حتى وهو على حافة الموت ما زال العنادُ مسيطراً عليه.وهذا يدل على التكبر والصفاتِ الجاهلية المغروسة فيه . وما قتلُه إلا إنجازٌ كبير في سبيل نشر الدعوة ، فهذا الفرعونُ الهالك رفض البرهانَ الساطع ، ولم يكتفِ بكفره ، بل حارب الإسلامَ بكل ما يملك ، فكانت هذه عاقبته المخزية .
.........................................
{(1)} رواه الطبراني ( 4/ 174 ). وحسَّنه الهيثمي في المجمع ( 6/ 94 ) برقم ( 9950 ) .
{(2)} متفق عليه. البخاري ( 4/1855) برقم ( 4608) ، ومسلم ( 4/ 1941) برقم ( 2494) .
{(3)} السيرة لابن حبان ( 1/ 157 ).وانظر تاريخ الطبري( 2/ 29 )،وسيرة ابن هشام( 3/ 167 ).

{(4)} رواه الطبراني ( 9/ 84 ) برقم ( 8474 ) . وقال الهيثمي في المجمع ( 6/ 103 ) : (( ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن وهب بن أبي كريمة وهو ثقة )) .