20‏/05‏/2016

الإنسان وثقافة الشعر

الإنسان وثقافة الشعر

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

....................

  إن قوة القصيدة تتجلى في قدرتها على رسم خارطة التحولات الإنسانية بشكل بالغ التكثيف والرمزية ، وصناعةِ منظومة خيالية تَؤول إلى حياة جديدة لا تخضع لقوانين الأمر الواقع . الأمر الذي ينقل العلاقات الاجتماعية من التشظي إلى التجمع ، ويُحوِّل الجماعة البشرية من التشتت إلى التلاحم . وهذا الأداء التوحيدي الذي تضطلع به القصيدة يؤدي إلى إنتاج مضامين تفسيرية جديدة لتاريخ النص الشعري ، وتكوينِ نسيج اجتماعي متماسك لمنظومة الخلاص الشعرية .
     وكلما ازداد الوعي الإنساني بالأبعاد السُّلطوية للفعل الشعري ، تكرَّس الجنين الإبداعي كأداة خلاص . وهذا يبعث الحياةَ في النظم الاجتماعية والثقافية على السواء . ولا يمكن للمجتمع أن يتحرك بدون القيمة الإنسانية والقيمة الثقافية ، تماماً كالطائر الذي لا يقدر على الطيران بدون جناحين . ومن أجل توليد أنساق ثقافية بوسعها التعبير عن المضمون الجوهري للحياة الاجتماعية ، لا بد من تنمية العنصر الحياتي المتمرد على ثقافة التَّشيؤ ( تحوُّل الكَينونةِ البشرية إلى شيء ، وتحول العلاقات الإنسانية إلى تيارات ميكانيكية خالية من المشاعر والقيم المطْلقة ) .
     وإذا حافظنا على سُمُوِّ الحس الوجداني للإنسان في ظل البيئة الاستهلاكية الخانقة ، فإننا سنحصل على مجتمعات حية تكون فيها النظمُ الثقافية مغامَرةً مستمرة واكتشافاتٍ متعددة مناوئة للسياقات الحياتية الغارقة في الملل والروتين الوظيفي . والحياة العادية القاتلة معلومة البداية والنهاية سلفاً لأنها محصورة في نطاق ضيق ، أمَّا الحياة الثقافية الإبداعية فهي تجدُّد دائم في أُفق مفتوح على كل الاحتمالات والمغامرات . وهذا الأفق خالدٌ لا يَشيخ بسبب امتلاكه لسر الشباب الدائم الذي تمنحه القصيدةُ للنسغ الاجتماعي والطبيعةِ البشرية . 
     ومن الجدير بالذِّكر أن خلود النص الشعري ينبع من إشراقات الرُّوح التي تمضي في طريقها كمبادئ اجتماعية ذاتية تحفر في الرؤية العاطفية طوفانَ الكلمات . وهكذا يمكن تجاوز كافة المآزق الناتجة عن زواج القمع السياسي والانهيارِ الفكري . والشِّعرُ سُلطة قادرة على تفكيك العُقد النفسية للأفراد والجماعات، وكسرِ الحواجز التي تَحول دون التقاء الإنسان بإنسانيته .

     وهذه العمليةُ التثويرية هي إعادة إنتاج للمجتمع . والولادةُ الشعرية هي ولادة للمجتمع الإنساني ، والجنينُ الشعري هو المعنى الاجتماعي المعاش. وهذا الترابط الاجتماعي الثقافي يعكس وَحدةَ المسار والمصير المتمركزةَ بين الإنسان وثقافةِ الشِّعر .