26‏/05‏/2016

السلوك الاجتماعي للثقافة الشعرية

السلوك الاجتماعي للثقافة الشعرية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

..........................

    تُجسِّد الأبجديةُ الخيالية قوةَ الواقع في أقصى تمرده وتدفقه وانفعاله، لذا فمن الطبيعي أن تكون اللغة كائناً حياً يواصل النمو، وفكرةً محسوسة في تفاصيل الهوية الثقافية للفرد الجمعي . وما يدفعنا إلى رؤية أبعاد الهوية الإنسانية داخل هوية اللغة الشعرية ، هو الاستعداد البشري الفِطري لتوليد شعور قائم على النظر من زوايا متعددة للتجربة اللغوية العاطفية . فالشِّعرُ لم يأتِ للتسلية أو ملء وقت الفراغ . إنه توهجُ الفكر الجمعي للمجتمعات ، ومرجعيةُ الإحساس المعرفي الثائر المتمرد الصادم ، ليس من أجل الصدمة ، وإنما من أجل إيقاظ الناس من العدم ، وزرعهم في نخاع المجتمع القادر على النفي والإثبات ، والنقد ، والنقض . ولا يمكن للمجتمع أن يمتلك حريته إلا إذا انتقل الأفراد من عالم الوهم إلى عالم الحقيقة ، ومن منهجية رد الفعل إلى منهجية الفعل .

     وإذا تكرست منهجية الفعل الإبداعي في أوصال المجتمع ، فإن نظاماً ثقافياً سينشأ بعيداً عن التنميط، ونسخِ تجارب الآخرين، وهذا الأمر بالغ الأهمية. إذ إن ترديد المقولات الجاهزة ، وتثبيت الأوهام المتوارَثة كمسلَّمات ، والرضا بالأفكار المعلَّبة التي اعتاد عليها الناس ، كلُّ هذه العناصر من شأنها صناعةُ مجتمع يرتدي قناعَ الثقافة ، ويقتل الأدبَ باسم الأدب ، ويلغي وجودَ القصيدة باسم القصيدة . والمجتمعُ الحقيقي هو الذي يجرؤ على طرح الأسئلة والبحث عن إجابات حاسمة لا تلفيقية . وهذا المجتمع الحي والحر ليس عنده ما يخفيه أو يخجل منه . ومن خلال هذا المنظور يتحول المجتمع الإنساني الثقافي إلى أبجدية جديدة لها حروفها الخاصة ودلالاتها المتحركة في مدارات مفتوحة على الإبداع حيثما وُجد . وهذا الأمر يُحتِّم علينا ترسيخ ثقافة الحفريات في لغتنا الخصوصية لنحصل على أبجدية خاصة بكل فرد مِنَّا ، من أجل تكوين لغة ثقافية للمجتمع نابعة من حرية التفكير الذي يقود إلى حراك اجتماعي حقيقي تكون فيه الثقافةُ العمودَ الفقري ، والقصيدةُ هي مركز الشرارة الأبجدية التي تطمح إلى إنقاذ المجتمع لا ابتزازه ، لأن الشِّعر ليس صفقة تجارية أو ورقة ضغط ، بل هو طَوْق نجاةٍ للفرد والجماعة . وهكذا ، فإن الحياة الثقافية المتشكِّلة وفق أبعاد متمردة على القوالب الجامدة للقصيدة ، سوف تزدهر كلما شَيَّدْنا العملياتِ السيكولوجية التي تقود فِعْلَ الكتابة نحو ابتكار نُظم اجتماعية عَصِيَّة على التدجين ، وتأسيسِ حقائق وجدانية تتعامل مع جغرافيا القصيدة ، تلك الجغرافيا المؤرَّخة بتواريخ الرفض الذي ينقل الجماعة البشرية من طَوْر الكبت إلى طَوْر الانطلاق الواعي .