29‏/05‏/2016

الرؤية عبر مجهر القصيدة

الرؤية عبر مجهر القصيدة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

.............................

  تتجلى أهمية القصيدة في كَوْنها استثماراً في جسد اللغة الحي والحركةِ الطبيعية للتاريخ. وبالتالي فإن الكتابة الشعرية تخترع تاريخاً جديداً للعناصر . مما يدفع باتجاه تعميق الدلالة الواعية للبناء الاجتماعي الذي يسبر أغوارَ المجتمع الذي يعيش فِينا على شكل أفكار وقصائد وتجارب فلسفية وجدانية تأخذ بأيدينا نحو الضفة الأخرى للحُلم ، حيث تقيم ثقافةُ الأسئلةِ مَمْلَكَتَهَا الكبرى .
     ومن خلال ترسيخ الفكر الشِّعري كحالة معرفية عمومية ، فإن مبدأ التجاوز سوف يتجذر في الجسد القصائدي ، أي إن تدفق القصيدة السلس والعارم سيجعل تقنياتِ النص الشعري تتجاوز ذاتها نحو شكل ثقافي أكثر تأججاً . وهذه الشكل القصائدي الذي يلد نفْسَه باستمرار ضمانةٌ حقيقية للخلود والديمومة، لأنه عملية تكاثر مستمرة لا تتوقف. والكتابةُ الشعرية هي خلايا فكرية مشتعلة تواصل لمعانها بفعل تراكمها وانقسامها . وهذا الانقسام لا يعني تشتت الفكر الشِّعري وضياعه، وإنما يعني كثرة الولادات وتزايد الفروع التي تنتهي إلى أصل واحد ( القصيدة ) .
     إن البنيةَ الفكرية المرتبطة بتأثير القصيدة في الزمان والمكان نابعةٌ من ثنائية (الحراك/ التحريك)، أي صناعة حراك اجتماعي فعَّال وقادر على احتضان الجميع بلا إقصاء ، وتحريك الماء الراكد في المجتمع عبر كسر الجمود والمللِ الوظيفي. والمجتمعُ المشلول بحاجة إلى الصدمة الكهربائية( القصيدة) التي تعيد الحياة إلى الخلايا الاجتماعية الميتة . وهنا تبرز أهمية الجرعات الشِّعرية في صعق الجسد المريض لإحيائه . ومن خلال هذا الدَّور الثقافي الفعال في الإطار الاجتماعي ، تتضح أهميةُ الأبجدية الشِّعرية التي تقاتل على كل الجبهات. فالشِّعرُ أبجديةٌ تلد نفْسَها لتعيد الحياةَ إلى المجتمع ، وهذا الالتصاق الوثيق بالحياة يُعطي الشرعيةَ لكل الأشكال الثقافية الطامحة إلى تحرير الجماعة البشرية من الخوف والوهم.

     وكلما بحثنا عن أدوار اجتماعية للنص الشِّعري ، اكتشفنا نقاطَ القوة في كيان المجتمع . وكثيرٌ من المجتمعات تظن نفْسها ضعيفة مع أنها عكس ذلك . وهنا يتجلى دور القصيدة في رؤية ما لا تراه العينُ المجرَّدة . وبالتالي فإن النَّص الشِّعري _ في حقيقة الأمر _ عبارة عن مِجهر يكشف لنا العناصرَ الماورائية. مِمَّا يقود إلى اكتشاف رموز جديدة لتاريخ الحلم الاجتماعي، وتكوينِ تفسيرات جديدة للسلوك الشِّعري وارتباطه بالحلم الإنساني الطامح إلى التغيير .