15‏/06‏/2016

رودلف أوكن ونقد الاشتراكية

رودلف أوكن ونقد الاشتراكية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة القدس العربي ، لندن ، 15/6/2016

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

....................

    يحتل الفيلسوف الألماني رودلف أُوكن ( 1846_ 1926) مكانةً رفيعة في تاريخ الفلسفة ذات الطابع الروحي الحياتي . تُوُفِّيَ والده عندما كان طفلاً ، فقامت أُمُّه برعايته والإشراف على تعليمه. درسَ في جامعة جوتنجن ( 1863_ 1866 ). مِن أبرز أساتذته الذين تلقَّى العِلْم على أيديهم : عالِم اللغويات والفيلسوف فيلهلم رويتر ، والأستاذ هيرمان وتز ، والأستاذ أدولف تراند الذي ساهمَ في تدعيم النظرة التاريخية للفلسفة الأخلاقية .
     حصل أُوكن على شهادة الدكتوراه في فقه اللغة الكلاسيكية والتاريخ القديم من جامعة جوتنجن في عام 1866 ، واهتم بالجانب الفلسفي من اللاهوت . وبعد عِدَّة سنوات أصبحَ مُحاضِراً في جامعة بازل. بَقِيَ أُوكن في جامعة بازل حتى عام 1874 ، ثُمَّ عمل مُحاضِراً في جامعة يينا . وهي إحدى أشهر الجامعات الألمانية وأكثرها عراقة ، ومن أشهر خِرِّيجيها الفيلسوف الألماني شوبنهاور، والفيلسوف الألماني كارل ماركس، وعالِم الفيزياء النمساوي شرودنغر.  
     بَقِيَ أُوكن مُحاضِراً في جامعة يينا حتى تقاعده في عام 1920 . وفي الفترة ( 1913_ 1914)، شغل منصب محاضر زائر في جامعة نيويورك . وخلال الحرب العالمية الأُولى ، اتَّخذَ     _ مِثْل الكثير من زملائه الأكاديميين _ موقفاً قوياً ضد الحرب. وقد وقَّع في عام 1914 (العام الذي اندلعت فيه الحرب العالمية الأولى ) على بيان المثقفين الألمان . ورأى أن الحرية تتحقق بالعِلم وبمجتمع السلام، فالعِلْم يُوفِّر سيطرة الإنسان على الطبيعة بتعاون العلماء ، ومجتمع السلام يكون بتعاون البشر ووقف صراعهم .
     تزوَّج أُوكن في عام 1882 ، وأنجبَ وَلَدَيْن وبِنتاً . وقد أصبحَ ابنه والتر مفكراً اقتصادياً شهيراً ، أمَّا ابنه الثاني أرنولد ، فقد أصبحَ عالِماً كيميائياً . تُوُفِّيَ أُوكن يوم 15 سبتمبر 1926 في يينا ، عن عمر يناهز الثمانين .
     حصل على جائزة نوبل للآداب سنة 1908 ، بعد أن كان قد تَمَّ ترشيحه مِن قَبْل عُضواً في الأكاديمية السويدية . وقد بَيَّنت لجنة نوبل سبب منحه الجائزة: " تقديراً لبحثه الجاد عن الحقيقة ، وامتلاكه القدرة على اختراق الفكر ، وأُفقه الواسع ، والدفء والقوة في عَرْض أفكاره ، التي ساهمت في تكريس مثالية فلسفة الحياة " .
     إن فلسفة أُوكن فلسفة حياة . والحياةُ في نظره أنظمة عضوية ومؤسساتية ، ووظيفة الفلسفة شرح أنظمة الحياة ، وإظهار معانيها ، ثم اختيار أفضلها . وبما أن الحياة عملية تطور ، فلا يمكن حجزها في فلسفة أو نظام . وعندما تحطم الحياةُ الحواجزَ المنشأة ، تظهر الحاجة إلى فلسفة جديدة
أو نظام للحياة جديد أكثر شمولاً . والفلسفة الجديدة لا تولد إلا بالعملِ الحي الجاد ، وبالتركيز على الحياة ومعرفة الخير والشر فيها . والحياة في الإنسان وعي ذاتي ، وهي تتجاوز حدود الفرد لتربط كل الكائنات الواعية . وبهذا التجاوز ، تصبح حياة روحية مستقلة تصل الإنسان بالحقيقة المطْلقة ، والجمال والخير المطْلقين .
     وقد انتقدَ أُوكن المذهب الطبيعي الذي يفرض حدوداً زائفة على روح الإنسان . ومعَ أن المذهب الطبيعي هو نتيجة تأثير العِلْم في حياة الإنسان ، إلا أن هذا المذهب يصبح شديد الخطورة إذا قيَّد طاقات الإنسان بالطبيعة وحدها . لذلك أكَّد أُوكن على الاستقلال الروحي الذي يُعطي الأولوية للكل الذي يُؤلِّف الفرد جزءاً منه مِن دُون ذوبان فيه .   
     كما انتقدَ أُوكن الاشتراكية مِن ستة وجوه : 1_ عجزها عن إضفاء وَحدة على حركة الحياة. 2_ عجزها عن إدراك حاجة الإنسان إلى حياة جوَّانية . 3_ حصرها اللحظة المهمة لحياة الإنسان في الحاضر . 4_ اختزالها الإنسان في معادلة رياضية . 5_ حصرها الإيمان في المذهب الطبيعي ، مِمَّا وَلَّدَ صراع الإنسان ضد أخيه الإنسان . 6_ إجهاض طبيعة الإنسان الحقيقية بسبب تحديد الإنسان بالمصطلحات الاقتصادية .
     من أبرز مؤلفاته : وحدة الحياة الروحية ( 1888) . النضال من أجل المحتوى الروحي من الحياة ( 1896) . توما الأكويني وكانط ( 1901) . فلسفة التاريخ ( 1907 ) ، مدخل إلى فلسفة حياة الروح ( 1909) .