17‏/06‏/2016

هندسة الخيال وإعادة بناء المجتمع

هندسة الخيال وإعادة بناء المجتمع 

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

..................

  يمكن تعريف " هندسة الخيال " بأنها عملية ترتيب القيم الشِّعرية في الذهن من أجل إسقاطها على أرض الواقع لتغييره وحقنه بالأمل . وإن هذه النَّزعة المنطقية لا بد أن تواكبها صياغة جديدة لألفاظ القصيدة ومعانيها، تمهيداً لصياغة المجتمع البشري من منظور ممتلئ بالعنفوان ، وإعادةِ بناء الإنسان وترميمِ كيانه المتشظي بين القمع السياسي والكبت الاجتماعي .
     إن القصيدة تمتلك القدرةَ على تفعيل الموروث الخيالي إلى درجة التماهي مع الحياة المعاشة . وهكذا يُعاد اكتشاف الدلالات اللغوية لأنظمة المجتمع البشري ، فيصبح المجتمعُ قصيدةً تكتبها الجماهير ، وتصبح القصيدةُ مجتمعاً متجانساً ومتقدماً . 
     وكل هذه الإرهاصات تدفع باتجاه توليد نَص شِعري ينتزع شرعيةَ وجوده بوصفه حركة تحررية تنويرية في أرجاء المجتمع الإنساني . وقوةُ القصيدة تنبعُ من قدرتها على ملامسة الجرح المجتمعي برفق ، ووضع اليد عليه لعلاجه . إذن ، نحن أمام حركة قصائدية تصحيحية للمسار الإنساني داخل البُنية الاجتماعية ، وهذه الحركة لها دلالتها الواعية النابعة من الشرعية الثورية للنص الشعري الذي ينتشل الفردَ الضحيةَ من المأزق، ولا يتاجر بعذاباته. ولا يكتفي النصُّ الشعري بعملية الإنقاذ ، بل أيضاً يُخرج الفردَ من زاوية " الضحايا " ليجعله كائناً متوازناً لا يَظلم ولا يُظلَم . وهكذا تتجذر ماهيةُ التوازن العاطفي والمادي في الذات الفردية والذات الجماعية .
     ومن أهم نقاط قوة القصيدة _ في هذا السياق _ أنها تنتزع المجتمعَ من الجدلية الثنائية ( الجلاد/ الضحية). فالمجتمعُ البشري الذي تؤسسه الشرعيةُ القصائدية هو مجتمع السادة لا العبيد، ولا يمكن للمجتمع أن يتقدم وهو مُكبَّل بأغلال الكراهية والشططِ الطبقي والتمييزِ العنصري .

     وكل التغييرات الجذرية في البنية الاجتماعية هي نتاجٌ طبيعي لحركة التاريخ الشِّعري ، الذي هو نتيجة حتمية للمبدأ الأساسي " هندسة الخيال " ، الذي يُشكِّل النواةَ الأولى لعوالم بناء المجتمع ، سواءٌ كان شِعرياً أم بشرياً . والفردُ لم يُؤْتَ القدرة على التخيُّل لكي يَهرب من نفْسه ويفرَّ من مواجهة واقعه القاسي . فالخيالُ هو المختبَر الحقيقي لصناعة النماذج الافتراضية قبل تطبيقها على أرض الواقع . وهذا يؤدي إلى توحيد النسيج الذهني والمنظومةِ الحياتية المحسوسة . الأمر الذي يدفع باتجاه تشييد القلعة الاجتماعية ، تحتياً وفوقياً ، فردياً وجماعياً .