05‏/06‏/2016

الفكر الانقلابي في الممارسة الشعرية

الفكر الانقلابي في الممارسة الشعرية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

..........................

   لا يخفى أن الكتابة الشعرية هي طريق التحرر من ثقل العناصر المادية الضاغطة على الذاكرة البشرية . ومن هذا المنطلق فإن المنهجية الشعرية تصير حارسةً لأحلام الإنسان، حيث تمنحه شرعيةَ التواجد في هذا العالَم وترك بصمته. لذا ، فليس غريباً أن يحتميَ الإنسان بالشِّعر . فالشعرُ تكريسُ حلم الدفاع عن الكيان البشري ضد التوحش ، وتجذيرُ هوية المعنى الوظيفي في حياة الفرد والجماعة ، وترسيخُ حضارة الأبجدية الشاملة للفضاء الإبداعي الحتمي .
     ولا يتأتى للشِّعر أن يقوم بهذه العملية الثورية، إلا في ظل وجود إرادة تهدم مجتمعَ الأصنام ، وتَبْني مجتمعَ الأسئلة والنقد . وهكذا تتحقق معنى الثورية الأدبية التي تمهد لإعادة صناعة الحلم الإنساني الحاسم والنهائي عن طريق إسقاط حضارة الفوضى وحراسها .
     ومشروعيةُ النص الشعري قائمة_بالأساس _ على حشد العناصر الاجتماعية ضد التشكيلات السطحية التي هي بمثابة حصيلة جدلية عابثة . والكتابةُ الإبداعية القصائدية هي محاولة مستمرة لرفع مستوى الذهنية التي تنقلب على كل الظواهر السلبية .
     ومن الأهمية بمكان أن ندرك ماهية الفكر الانقلابي في فِعل الكتابة على صعيد التغيرات الاجتماعية ، حيث البحث عن مجتمع جديد قادر على الوقوف على قدميه . وأيضاً على صعيد الطبيعة القصائدية ، حيث الصور اللغوية المتفجرة والدلالات النفسية الجمعية التي تعكس الانزياحَ الوجداني في الذات الشَّاعرة ، وتُثَبِّت الطبيعةَ المتفردة للأبجدية المحلِّقة خارج الأُطر المعرفية الناقصة التي ترتع في الجمود المستهلَك .
     ومن الواضح أن بنية النص الشعري الحي قادرة على التغيرِ والتغييرِ في ذاتها ومحيطها ، وإحداثِ انقلاب جذري في الفكر والممارَسة ، وهذا مرجعه إلى عدم اكتفاء القصيدة بتوليد تقنيات جديدة ، بل أيضاً العناية بالصلابة الذهنية التي تعطي للدلالات اللغوية مدى أكثر اتساعاً ونفوذاً .
     والدلالة اللغوية التي هي الحامِلُ للفكرة والناقِلُ للتحليل النَّفْسي المجتمعي ، تتحقق وفق أطوار بنائية متغيرة بتغير الأشخاص والزمان والمكان . والموقفُ تجاه اللغة الحية هو اتصال منطقي مع العناصر المنحازة للجمال الروحي والمادي .  وتعبيرنا عن الذات الإبداعية الكامنة فِينا هو امتدادنا في جسد الرؤية العاطفية النابعة من القوة لا الضعف .

     وبسبب التنوع الخلاق في البُنى الفلسفية الملتصقة بوجودنا المادي ، أصبح للقصيدة سيطرةٌ على توجهات المنحى اللغوي للاجتماعيات الأبجدية . ووفق هذا المبدأ ، كلما توغلنا في القصيدة  اكتشفْنا أبعادَ ذواتنا الاجتماعية غير المنظورة ، وكلما توغلنا في ذواتنا اكتشفْنا معانٍ شِعرية لمعنى وجودنا الإنساني ضمن منظومة متكاملة من الانفجار اللغوي والتقدمِ الاجتماعي.