08‏/07‏/2016

غرهارت هاوبتمان وقلق المصير

غرهارت هاوبتمان وقلق المصير

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 8/7/2016

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

.......................

     يُعَدُّ الأديب الألماني غرهارت هاوبتمان ( 1862_ 1946) من أهم أدباء الحركة الطبيعية في ألمانيا . وقد حصل على جائزة نوبل للآداب في عام 1912 .
     وُلد في بلدة أُوبر ، وهي منتجع صحي معروف في منطقة شليزيا ، وتُوُفِّيَ في المنطقة نفْسها    ( في بولونيا حالياً ). كان والده روبرت يمتلك فندقاً ومطعماً يُديرهما مع زوجته . وقد صار أخوه الأكبر كارل أديباً معروفاً .
     كان هاوبتمان منذ طفولته شخصية قلقة للغاية ، وشديدة الاضطراب ، لا يعرف الاستقرار ، ولا يدرك الهدف من حياته ، ولا يعرف الغاية من وجوده . وهذه الفوضى الشاملة قادته إلى ترك المدرسة قبل امتحانات الشهادة الثانوية ، وتحوَّل في عام 1878إلى المعهد الزراعي .
     وبين عامي 1880- 1885 درس النحت والتاريخ والرسم والتمثيل بشكل متقطع ، دون أن يتم أي فرع من هذه العلوم والفنون . وبالتالي ، لم يحصل على أية شهادة تُؤهِّله للعمل في أي مجال . وفي ظل هذا الضياع ، قام برحلة عبر بلدان شمالي البحر الأبيض المتوسط ، من أجل كسر الروتين في حياته ، وتحطيم الفوضى التي تحيط به من كل الجوانب . واستقر بضعة أشهر في روما .
     وفي عام 1885، تعرَّف في برلين على الشابة الثرية والجميلة ماري تينمان ، فتزوَّجا واستقرَّا في مَنْزل على بحيرة إركنر خارج برلين . وقد كان هذا الزواج هو المنعطف المصيري الذي غيَّر حياة هاوبتمان إلى الأبد . فهذا الشَّاب الضائع في متاهة الحياة بلا بوصلة ، والغارق في القلق والفوضى بلا هدف ، استطاع أن يجد حُبَّ حياته ، وها هو يكتشف جدوى حياته في شخصية زوجته التي أحبَّها ، واعتمد على ثروتها ، من أجل التفرغ للكتابة الأدبية . لقد كانت أموال زوجته هي حجر الزاوية في مشروعه الإبداعي . ولولا أموالها لَبَقِيَ تائهاً ومُتسكِّعاً في الدروب ، ومنسيَّاً في هذا العالَم .
     وصل هاوبتمان إلى حالة الهدوء والصفاء الذهني والمصالحة مع الذات ، فلم يعد يُفكِّر في تحصيل قُوت يَومه . وهذا جعله يَتفرَّغ للكتابة ، ويُركِّز على مشروعه الإبداعي الشخصي بعيداً عن ضغوطات الحياة المادية . فاتَّصل في عام 1888 بمجموعة أدبية من أتباع المذهب الطبيعي ، وهو مذهب في الفن والأدب ، نشأ في فرنسا عام 1880 ، وتميَّز بالنُّزوع إلى تطبيق مبادئ العلوم الطبيعية وأساليبها على الأدب والفن ، وبخاصة النظرة الداروينية إلى الطبيعة . وقد صار هاوبتمان أبرز مُمثِّلي المذهب الطبيعي في المسرح والرواية .
     وبعد هذا الشَّوط الطويل الذي قطعه هاوبتمان ، رجع إلى قلقه وحَيرته واضطرابه ، وسيطرت عليه حالة انعدام الاستقرار ، إذ إنه بدَّل مَنْزله خمس مرات ، وتنقَّل بين برلين وشليزيا وشاطئ بحر الشمال ، وسافر إلى عدد من الدول الأوروبية عدة مرات ، كما زار الولايات المتحدة في عام 1923 في جولة محاضرات واسعة عن الثقافة الألمانية بمناسبة مرور قرن على وفاة غوته .
     لم يهتم هاوبتمان بالفكر السياسي ، لكنه كان مُعارِضاً للنظام الملكي الفيلهلميني ( نسبة إلى سلالة الملك فيلهلم المستبد ) ، ومُؤيِّداً للفكر الجمهوري . أمَّا في الفترة النازية ، فقد انسحب من الحياة العامة ، واعتزل الناس ، ولزم بيته ، وفضَّل عدم التصادم مع النازيين ، وقد أخذ عليه الديمقراطيون واليساريون هذا الموقف السلبي المهادن .
     كان هاوبتمان مهتماً بقضايا عصره ، مثل قضية المنبوذين اجتماعياً واقتصادياً ، والمضطهَدين في الظروف الصعبة ، والذين يحاولون جاهدين تحرير أنفسهم من القيود الذاتية ، والقيود التي فرضها عليهم المجتمع ، ويُدافعون عن كرامتهم وحقوقهم الإنسانية المسلوبة .
     وفي مجال المسرح ، حقَّق هاوبتمان نجاحاً عالمياً وتأثيراً هائلاً ، فقد اعتمد على الصدق في تصوير مشكلات الواقع وصراعاته ، والتركيز على جوهر هذه المشكلات ، مِن دون ترهُّل في البنية الفنية ، أو ثرثرة لغوية لا فائدة منها .
     وقد كان في مسرحياته الطبيعية ملتزماً بالقضايا الاجتماعية ، ومُؤمناً بالفكر الثوري دون الارتباط بحزب سياسي أو أيديولوجية فكرية ضيِّقة . أمَّا في مسرحياته التي تنتمي إلى الرومانسية الجديدة ، فهي ذات طابع حكائي خُرافي ، تغيب فيها الصراعات الاجتماعية ، ويختفي مبدأ إدراك القوى المحرِّكة لها. لذلك فقدَ الكاتب تأثيره ، وعجز عن بناء مسرحيات متماسكة فنياً.

     مِن أبرز مسرحياته: قبل شروق الشمس ( 1889)، المصالحة ( 1890 ) ، النَّساجون ( 1892) ، معطف القندس ( 1893) . أمَّا أبرز رواياته : جزيرة الأم العظيمة ( 1928 ) ، الناس والروح ( 1932) ، مغامرة شبابي ( 1937) .