15‏/08‏/2016

هنريك بونتوبيدان ومقاومة الطبقية

هنريك بونتوبيدان ومقاومة الطبقية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة القدس العربي ، لندن ، 15/8/2016

.....................

   يُعتبَر الأديب هنريك بونتوبيدان( 1857_ 1943) ثاني دنماركي يَفوز بجائزة نوبل للآداب، حيث حصل عليها في عام 1917 مُناصفةً مع مواطنه كارل غيلوروب .
     وُلد بونتوبيدان في مدينة فردريكية في وسط الدنمارك . كان والده كاهناً ، وراعياً لكنيسة المدينة ، وينحدر من أسرة كبيرة من الكهنة والكُتَّاب . بدأ حياته التعليمية في دراسة الهندسة في كوبنهاجن ، لكنه تركها لأنه لم يجد نفْسه في عالَم الأرقام والحسابات . عمل مُعلِّماً في مدرسة ابتدائية ، ثم ترك سِلْك التعليم ، والتحقَ بالصحافة . وعندما بلغ العشرين من عُمره ، قرَّر التفرغ التام للكتابة ، ورسمَ حياته ككاتب مُحترِف .
     وقد شكَّل زواجه الفاشل أول صدمة في حياته ، فقد اقترنَ بفتاة في عام 1881تختلف عنه روحياً ومادياً . وكان الفشلُ هو النتيجة المتوقَّعة لهذا الزواج غير الْمُتكافِئ .
     لقد امتاز بأسلوبه الساخر ، ولغته المليئة بالرموز والحِكَم . وكان ناقداً للأوضاع السائدة في الدنمارك في تلك المرحلة، فقد كانت دولةً مُتخلِّفة تعتمد على الزراعة البدائية ، ومحكومة مِن قِبَل الإقطاعيين ورجال الدين . لقد صوَّر الشكَّ والتشاؤم في أعماله الأدبية ، وتعرَّض للموضوعات الوجودية بحثاً عن حقيقة الإنسان وهوية المجتمع والتقدم الاجتماعي ، وهذا جعله واحداً من أبرز كُتَّاب عصره .
     وقد عاشَ مع الفقراء والفلاحين والمنبوذين بروحه وقلمه ، وصوَّر عالَمهم البائس ، وحياتهم الصعبة ، وفضح الاستبداد والاستغلال باسم الدِّين والطبقة الاجتماعية . ثم انتقل لاستعراض مشكلات الطبيعة دون التخلي عن ارتباطه الاجتماعي وقناعاته الأيديولوجية .
     وكان الأدب بالنسبة إليه شرعية حياته ، ومركز وجوده في هذا العالَم . ففي أعماله الأدبية ، استطاع تصوير ذهنية المجتمع وانتقال الحرية إلى المجتمع واللغة ، كما أنه قدَّم في كتاباته " الصراع بين طبيعة الذكر الانطوائية وحيوية المرأة " . ومعَ أن لغته تبدو للوهلة الأولى سهلة وبسيطة ، إلا أنها مُحمَّلة بالرموز العميقة ، والتلميحات المستترة، والسُّخرية اللاذعة ، والأفكار الكامنة بين السطور .
     وبشكل عام ، امتازَ أسلوبه بالدقة الفائقة في تصوير الشخصيات، والتعاطف مع الفقراء والمنبوذين في المجتمع، وتشريح المجتمع الدنماركي الذي كان مجتمعاً زراعياً يسيطر عليها الإقطاع ورجال الدين .
     وكانت نقطة التحول في حياته وأسلوب كتابته ، عندما تزوَّج للمرة الثانية في عام 1892 من ابنة موظف كبير في العاصمة، فقد انتقل في موضوعاته الأدبية من الريف إلى المدينة ، وكتب بين عامَي 1898 و1904 أشهر أعماله على الإطلاق " بِير المحظوظُ " ، وصار هذا التعبير مُصطلحاً شائعاً في اللغات الإسكندنافية. وقد وَصَفَ في هذا العمل الصراع بين المثالية والواقعية ، وكَشَفَ أسرار الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية في العاصمة .
     وبين عامَي ( 1912_ 1916) كتب روايته الخماسية " مملكة الموتى " . وتقترب لغته في هذه الرواية من الأسلوب الشِّعري العاطفي ، كما أنه وَصَفَ الحياة في الدنمارك في بدايات القرن العشرين ، ناقداً السُّلطة وسُوء استخدامها .
     وفي آخر أيامه ، اعتزلَ الناس ، وكرَّس وقته بالكامل لكتابة مذكراته ، التي جُمعت في أربعة مجلدات ، بعنوان " الطريق إلى ذاتي " ، ونُشرت في سنة وفاته ( 1943) .
     وعلى الرغم من موهبته الأدبية الفذة ، وتصنيفه كواحد من أكثر الكُتَّاب الدنماركيين حَداثةً وإبداعاً ، إلا أنه كان رَجلاً متناقضاً في مواقفه ، ورُبَّما يعود هذا إلى شخصيته القَلِقة . فقد كان مُتحرِّراً ووطنياً صارماً في آنٍ معاً . وتعاونَ معَ الاشتراكيين لكنه لم ينضم إليهم ، وبقي مستقلاً . كما أن كتاباته في كثير من الأحيان عبارة عن خليط من التَّحيُّز والموضوعية . وهذا حيَّر القُرَّاء والنُّقاد على حَدٍّ سَواء .

     من أبرز أعماله : أجنحة ( 1881) . بطاقات بريدية من القرية ( 1883) . ابنة المرابي ( 1886) . غيوم ( 1890 ) . الحارس ( 1893) . من الأكواخ ( 1901) . ضيف الملِك    ( 1908 ) .