20‏/08‏/2016

كنوت هامسون ودعم النازية

كنوت هامسون ودعم النازية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 20/8/2016

...................

    يُعتبَر الكاتب النرويجي كنوت هامسون( 1859_ 1952) واحداً من أبرز الروائيين العالميين في النصف الأول من القرن العشرين . وقد حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1920 .
     وُلد في أسرة ريفية فقيرة . وعاشَ طفولةً قاسية في رعاية عمِّه . وهذه الطفولة البائسة دفعته إلى ممارسة مهن بسيطة لكسب قُوت يومه . سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية على أمل أن يبدأ حياته من جديد ، ويُودِّع حياة البؤس والشقاء . لكنه أُصيب بخيبة أمل كبيرة . فقد تعرَّف على الحياة الأمريكية بكل جوانبها، واعتبرها حياةً مادية مضادة للروح، وغارقة في الاستهلاكية ، وسائرة ضد الإنسان والطبيعة. كما أنه لم يقتنع بالديمقراطية الأمريكية، واعتبرها مُزيَّفة وخادعة .
     في عام 1890 ، أصدر هامسون روايته الجوع ، التي حقَّقت نجاحاً عالمياً ساحقاً ، وجَلبت له الشهرة والمجد الأدبي . وتروي مغامرات شاب جائع ، تصطدم مشاعره بالواقع الصعب ، ويشعر بأنه ضائع في مدينة صاخبة وقاسية . ومعَ أنه يحاول الحفاظ على تماسكه ومظهره الخارجي المحترم ، إلا أن انهيار وضعه الذهني والجسدي يكشف حالته السَّيئة . وقد كانت هذه الرواية بمثابة سيرة ذاتية للكاتب ، حيث عرض فيها تجربته الشخصية بشكل غير مباشر . وقد أدانَ في هذه الرواية الحضارة المادية المتوحِّشة التي تقتل الروحَ في الإنسان ، وتُدمِّر الطبيعةَ ، وتُفسِد الحياة الإنسانية ، وتجعلها عبئاً ثقيلاً على كاهل الإنسان . وقد كانت جميع رواياته في مسيرته الإبداعية الطويلة تتمحور حول مبدأ " فضح المادية القاسية التي لوَّثت الحياة الإنسانية " . 
     والغريبُ في الأمر ، أن هامسون المدافع عن النَّزعة الإنسانية ضد المادية المتوحِّشة ، قد أيَّدَ هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية ، ودعمَ النازية بكل طاقته . فقد اعتبرَ هتلر هو الزعيم الْمُخَلِّص القادر على إقامة المجتمع الجديد المتحرِّر من كل الأمراض التي جلبتها الحضارة المادية . كما أنه اعتبرَ النازيةَ هي الخلاص الروحي لأزمة الفرد في المجتمع الاستهلاكي المضاد للإنسان والطبيعة .
     لقد عانى هامسون في حياته كثيراً . فقد أُصيب بعض أفراد عائلته بالجنون ، كما أن طفولته البائسة وفترة شبابه القاسية تركتا في نفْسه جروحاً عميقةً . ولم يستطيع التخلص من آثار هذه الجروح طيلة حياته ، حتى بعد حصوله على جائزة نوبل ، ونَيل الشهرة العالمية ، والمجد الأدبي .
     كان شديد الإعجاب بنيتشه . فقد رأى في فلسفته القوة الإنسانية ، والأنا العليا ، وفكرة     " السوبرمان " . وربما أراد هامسون_ الذي عانى من الضعف والفقر والجوع والحرمان _ أن يُعَزِّيَ نفْسه بهذه الفلسفة ، وأن يبحث فيها عمَّا يَنقصه . لقد اعتبرَ فلسفةَ نيتشه انتقام الضحية من العالَم المادي القاسي ، وتعويضاً شخصياً له عن سنوات الفقر والجوع والمرض .
     كان هامسون فخوراً بأصوله الريفية ، وكان يتباهى أمام الناس بجذوره العائلية الضاربة في أعماق الرِّيف . كما أنه حاولَ جاهداً أن يُؤسِّس في أعماله الأدبية ما سَمَّاه " الرومانسية الزراعية" المعادية لصخب المدينة الحديثة ، وقَسوة الحضارة المادية ، وقلق الإنسان الوجودي .
     وعلى الرغم من هذه المشاعر الدافئة تجاه الإنسان، والأحاسيسِ العميقة الرامية إلى تخليص الإنسان من مأزق الحياة المادية الاستهلاكية ، إلا أنه قد سقط بصورة مرعبة في المجال السياسي . فقد أيَّد النازيين الذين جاؤوا إلى السُّلطة في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين ، وراحَ يَحُثُّهم على ضرورة حماية النرويج من " الخطر البريطاني " . وحين اندلعت الحرب العالمية الثانية عام 1939، دعا أهل النرويج إلى مساندة النازيين، وتقديم كل أشكال الدعم لهم . وقد بدأ بنفْسه ، فلم يتردَّد في مقابلة غوبلز ( وزير الدعاية النازية ) ، كما أنه التقى الزعيم النازي هتلر شخصياً .
     لقد كان دعم النازية عقيدة راسخة في قلب هامسون ، اعتنقها بكامل إرادته ، ودون ضغط أو إكراه . وحتَّى بعد سقوط النازية ، وانهيار الدولة الألمانية ، وانتحار هتلر . قال هامسون مُمَجِّداً " القائد هتلر" : (( لقد كان مُصْلِحاً استثنائياً ، ومصيره التاريخي جعله يصطدم بفترة تاريخية اتَّسَمَت بعنف لا مثيل له . وهذا العنف هو الذي كان سبباً في سقوطه )) .
     وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، تَمَّت محاكمة هامسون ، وأُودِع في مصحَّة الأمراض العقلية . ومع هذا ، لَم يستسلم ، ولَم يُغيِّر أفكاره ، ولَم يعتذر عن مواقفه . بل كتب خطاباً للدفاع عن نفْسه ، وتبرير أفكاره ومواقفه . وهذا الخطاب ( الْمُرَافَعَة الأخيرة ) جاء بعنوان شِعري جذَّاب : " على الدروب حيث ينبت العشب " .‏
     أُصيب هامسون في حياته بنوبات عصبية حادة . وفي آخر حياته ، اشتدَّت عليه هذه النَّوبات، ولم يَعُدْ يَعرف ما يَقول وما يَفعل. وهذا الأمر فرض عليه عُزلةً قاسية . وكان أهل بلاده يعتبرونه خائناً للوطن وعَميلاً للاحتلال الأجنبي. أمَّا رواياته التي كتبها، فلا تزال حتَّى يومنا هذا، تأسر ملايين القُرَّاء في أنحاء العالَم ، وتفتنهم بالأسلوب الأدبي الجذاب ، والأفكار العميقة .
     مِن أبرز أعماله الأدبية : الجوع ( 1890 ). أسرار ( 1892) . لعبة الحياة ( 1896) . الحالمون ( 1904 ) . تحت ستار الخريف ( 1906) . نمو التربة ( 1917 ) .