14‏/09‏/2016

نحو نظام شعري عالمي جديد

نحو نظام شعري عالمي جديد

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

blogs.aljazeera.net/abuawwad1982

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

......................

 إن عبقرية القصيدة تتجلى في ابتكارِ نظام اجتماعي نقي وواقعي لا يمكن حصره في نطاق الكلمات ، وتحويلِ الأبجدية اللغوية الوجدانية إلى منظومة حياتية كاسرة للأنماط المستهلَكة . وهذه العبقرية ليست وليدة الصُّدفة ، بل هي نتاج منطقي للفعل الشِّعري الذي يتحرر من ثقل الأزمات الوجودية، ويُحرِّر الأُطرَ الاجتماعية من هواجس الفوضى الإنسانية . ووفق هذه المعادلة الثقافية ( التحرر / التحرير ) تصبح البنيةُ الشعرية والمنظومة الاجتماعية وجهَيْن لعُملة واحدة اسمها الحرية.
     ولا يمكن للمجتمع البشري أن يَنهض إلا إذا وَضع ثقته الكاملة في القصيدة ، لأنها ضمير المجتمع ، وشعلةُ الفكر الإنساني ، والرُّبانُ القادر على استشراف المستقبل وتوجيه دَفة السفينة . وإذا كان الاقتصاد هو العمود الفقري للمجتمعات، فإن الثقافة الشعرية هي روح المجتمعات وقلبها النابض .
     وحينما يتغلغل الوعي الشِّعري في حياة الجماعة البشرية ، فإن الأفراد سيملكون القدرةَ على رؤية ما وراء العالَم المادي المحصور في النَّزعات الاستهلاكية ، وعندئذ تَؤول أنساقُ الأبجدية الشعرية إلى آفاق معرفية قابلة للحياة والتطبيق ، ويُولَد نظام شِعري عالمي يَدرس تاريخَ الوجود البشري على أنه قصائد لم تُكْتَب بعد ، وعلى المجتمع الإنساني أن يكتبها لتصير اللغةُ كائناً حياً يعيش معنا نحاوره ويحاورنا .

     وهذا النظام الشعري يُمثِّل منهجاً واضحاً في فهم الثقافة المجتمعية الواقعية، لكنه_أي المنهج _ لا يصبح متكاملاً وراسخاً إلا عن طريق تجميع عناصر الجنين الشِّعري، الأمر الذي يؤدي إلى تركيب حضارة لغوية قائمة على النَّص بدلاً من تصنيم الذات الشاعرة ( تحويلها إلى صنم فوق مستوى النقد ). إذ إن تصنيم ذوات الأشخاص يُضفِي الشرعيةَ على كلامهم، ويجعله مُسلَّماتٍ غير قابلة للنقاش، وهذا يتعارض _جُملةً وتفصيلاً _ مع فلسفة القصيدة ، لأن القصيدة هي غِرْبال يستمد شرعيته من قدرته على التمييز والنقد والنقض والمساءَلة .