30‏/09‏/2016

غراتسيا ديليدا والتحليل النفسي

غراتسيا ديليدا والتحليل النفسي

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 30/9/2016

.........................

    وُلِدت الأديبة الإيطالية غراتسيا ديليدا ( 1871_ 1936 ) في جزيرة سردينيا لأسرة من الطبقة المتوسطة. كان والدها مُزارِعاً وعُمدة القرية. عاشت حياتها في بيئة اجتماعية وُدِّية وحيوية. فقد كان والدُها يستقبل الكثير من الضيوف في مزرعته ، مِمَّا جعلها تتعرَّف على نماذج مختلفة من الشخصيات ، وتَطَّلع على تفاصيل العلاقات الاجتماعية التي صارت فيما بَعْد أحداثاً في رواياتها .
     تزوَّجت في سِن مُبكِّرة ، وهاجرت إلى روما في أوائل القرن العشرين . لكنها لَم تنقطع عن مسقط رأسها الذي يُعتبَر البيئة الخصبة لأعمالها الروائية . ومَعَ أن بيئة رواياتها محلية ومَعزولة عن العالَم ، إلا أن التَّحليل النَّفسي الدقيق للشخصيات جعلها كاتبةً عالميةً ، وساهمَ بشكل فَعَّال في انتشار أعمالها في أنحاء العالَم . فالمشاعرُ الإنسانيةُ واحدة في كُل الأمم والشعوب .
     لم تَتَلَقَّ تعليماً نظامياً في المدارس الرسمية . لكنها عَلَّمَتْ نَفْسَها بنفْسها ، واعتمدت على التثقيف الذاتي ، وقراءة الأعمال الأدبية للأدباء الرُّوس والإيطاليين ، والتفاعل مع الحكايات الشعبية عن تفاصيل الحياة الريفية في جزيرة سردينيا ، وكفاح الفلاحين من أجل تَوفير المتطلبات الأساسية للحياة .
     تُعتبَر ديليدا من أهم الروائيات الإيطاليات ، وتنتمي أعمالها إلى المدرسة الطبيعية . وقد كتبت أكثر من خمسين رواية ، وفازت بجائزة نوبل للآداب عام 1926لكتاباتها المستوحاة من حياة الفلاحين في جزيرة سردينيا ، وتعاطفها مع مشكلات الإنسان وأزماته الحياتية والمصيرية ، لتكون أول إيطالية تفوز بهذه الجائزة .
     لم تكن عائلتها داعمةً لرغبتها في الكتابة ، فظهورُ كاتبة يتعارض مع القواعد الاجتماعية للنظام الأبويِّ ، لذلك قامت ديليدا في بداياتها بالكتابة تحت اسم مستعار ، احتراماً لتقاليد العائلة والمجتمع الذي نَشَأتْ فِيه .
     تُركِّز في أعمالها الروائية على تصوير الحقائق القاسية في حياة الإنسان ، وإظهار أنماط الحياة الصعبة ، وإبراز التقاليد الشعبية ، وانتقاد القيم الاجتماعية التي تَجعل الناس ضحايا لظروفهم الحياتية . كما يَظهر في كتاباتها الأثرُ المأساوي للغواية والخطيئة بين البسطاء .
     تُرجِمت أعمالها إلى الكثير من اللغات الأوروبية . كما أن رواية " رماد " ( 1904) حُوِّلَت إلى فيلم سينمائي عام 1916. وهذه الرواية تحكي قصة طفل غير شرعي كان سبباً في انتحار أُمِّه.
     يقوم أسلوب ديليدا الأدبي على أربعة أركان : الأول _ إظهار العنصر العاطفي النَّفْسي الذي يصنع النبض الدرامي في السَّرد . الثاني _ التركيز على فكرة المأساة في حياة الناس ، وذلك بتسليط الضوء على المشاعر الإنسانية المتناقضة ، والأحاسيس الاجتماعية المختلفة . الثالث _ التركيز على فكرة الخطيئة وإغراء الجسد ، وتصوير الخطيئة كعقبة في طريق المجد الإنسانِيِّ والتَّسامي الأخلاقيِّ. الرابع _ كشف التفاصيل الاجتماعية المتعلقة بالفقراء وعاداتهم ، اعتماداً على القصص الشعبية والطابع الفلكلوري لجزيرة سردينيا ، مَعَ إظهار العُمق النَّفسي للطبيعة البشرية، وهذه القيمة الفنية تقترب من أسلوب الروائي الروسي الشهير دوستويفسكي .
     واصلت ديليدا الكتابة بكل نشاط بعد حصولها على جائزة نوبل ، فأصدرتْ مجموعتين قصصيتين هُما " بيت الشاعر " و " شمس الصيف " . وامتازت قصصها بالنظرة المتفائلة إلى الحياة رغم إصابتها بسرطان الثَّدْي ، وصوَّرت الحياةَ على أنها جميلة وهادئة بكل ما فيها من المعاناة . فالإنسانُ والطبيعةُ _ وَفْقَ منظور الكاتبة _ يَتَّحدان كَي يَتَغَلَّبا على الصعوبات والآلام النَّفسية والجسدية . وفي كتاباتها الأخيرة ، يَبرز موضوع الزُّهد في الأمور الدُّنيوية ، وأن الإيثار أعظم الصفات الإنسانية التي تُقرِّب الإنسانَ مِنَ اللهِ . وهذا الموضوع لَيس غريباً عن كتاباتها ، فكلُّ رواياتها تتحدَّث عن الإيمانِ باللهِ ، وقُدرةِ الإنسان على التَّغير والتغيير .

     مِن أبرز أعمالها : كوكب الشرق ( 1890 ) . النفوس الشريفة ( 1895) . بعد الطلاق   ( 1902). الحب الحديث ( 1907 ). في الصحراء ( 1911) . الغرقى في الميناء ( 1920) . خاتم الحب ( 1926) . بيت الشاعر ( 1930 ) .