09‏/09‏/2016

وليام بتلر ييتس وذاكرة الأشباح

وليام بتلر ييتس وذاكرة الأشباح 

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 9/9/2016

.......................

   إن الشاعر الإنجليزي وليام بتلر ييتس ( 1865_ 1939) ، لم يكن أديباً منعزلاً أو عائشاً في بُرجه العاجي ، بل كان مُنخرِطاً في الحياة الاجتماعية . وبالإضافة إلى كَونه شاعراً ، كان كاتباً مسرحياً ، ومدير مسرح ، وشخصية وطنية ، وعُضواً في مجلس العموم البريطاني .
     وُلد في دَبْلِن عاصمة جمهورية إيرلندا . كان والده محامياً ذا شخصية قوية ، حرص على تنشئة أطفاله في مناخ ثقافي ، فكان يقرأ لهم الشعر والقصص من أعمال شكسبير وغَيره . ومن شِدَّة ولع الأب بالثقافة والفنون ، قرَّر أن يترك مهنة المحاماة ، ويصبح فنَّاناً ، فالتحق بمدرسة للفنون وأصبح واحداً من الرسامين المعروفين . أمَّا الأم ، فكانت هادئة وانطوائية ، وقد شكَّل موتُ أحد أطفالها صدمةً نفسية لها ، بقيت مُلازِمةً لها حتى وفاتها .
     عاش ييتس في بيئة أرستقراطية ، وكانت عائلته فاحشة الثراء، وقد قضى طفولته في قصر جدِّه لأُمِّه، الذي كان يمتلك أُسطولاً من السُّفن التجارية . وطفولته الْمُرَفَّهة في هذا القصر الكبير الذي يحتوي على غرف كثيرة وممرَّات عديدة ، كانت عاملاً أساسياً في تنمية خيال الطفل ، وإقحامه في عالَم الأساطير والخيالات . فصار يُؤمن بوجود الأشباح ، وقد زعم فيما بعد أنه شاهد أول شبح في حياته عندما كان في قصر جَدِّه . والحكاياتُ المتعلقة بالأشباح والجِنِّيات والأرواح الخارقة للطبيعة ، كانت شائعةً في إيرلندا في تلك الفترة ، حتى إِن الخدم العاملين في القصر كانوا يتحدَّثون عن الجِنِّيات ، وكانوا يربطون هذا الموضوع بالعذاب والخوف والخطر .
     وقد انعكسَ موضوع الأشباح والجن على أشعار ييتس ، ففي قصيدة " الطفل المسروق " تبرز الأسطورية الشعبية التي تقول إِن الجِنِّيات قادرات على خطف الناس، وإجبارهم على البقاء في عالَم الجن. وفي قصيدة"في ضيافة الجن " ، يتخيَّل الشاعر أعداداً هائلة من الجن يَمتطون ظُهور الخيل ، ويَطوفون في طُول البلاد وعَرْضها . وهذه الأجواء الأسطورية متعلقة بطفولة الشاعر ، إِذ إِنه نشأ في قصر جَدِّه الذي كان يضمُّ حصاناً وكلاباً يستخدمها الأطفال لمطاردة الأرانب . وسيطرت هذه الصور على خياله وتفكيره ، بحيث احتلَّتْ حياتَه وفلسفته . ولم تقف هذه الأجواء عند الطفولة ، ففي فترة شبابه ، كان يمشي في الأماكن النائية ، ويقضي الليالي في أحد كهوف الغابة . وهذه الأماكن المحبَّبة إليه ، سيطرت على قلبه وتفكيره وإنتاجه الشِّعري . وكثير من هذه الأماكن يَرِدُ في أشعاره .
     كان ييتس طالباً ضعيفاً في المدرسة ، وعانى كثيراً من مشكلات في القراءة . لكنه بدأ يكتب الشِّعر في الخامسة عشرة مِن عُمره . وقصائدُه الأولى كانت عن الساحرات وفُرسان العُصور الوُسطى الذين يلبسون الدروع ، وهي قصائد بسيطة ، لكن شِعره بدأ بالتحسن حين صار يكتب عن الأساطير والخرافات الإيرلندية .
     اقتربَ ييتس من العوالم الروحانية ، وما فوق الطبيعة ، وصار مشغولاً بالقضايا المستورة في هذا الوجود . وفي العشرين من عُمره ، ساهم في تأسيس " جمعية دَبْلِن لعلوم السِّحر " التي تُعْنَى بتدريس الفلسفة الهندية والروحانيات والغَيبيات . وفي العام التالي ، انضمَّ إلى " نظام البزوغ الذهبي " ، وهي جمعية سرية طوَّرت تدريس السِّحر وكيفية تطبيقه على أرض الواقع . وهذه العوالم ليست غريبة عن ييتس ، ففي شبابه كان مشغولاً بالرُّؤى والخواطر وتأثير الكواكب والأمور الخارقة للطبيعة . وكل هذه المفاهيم ظهرت في شِعره بصورة أو بأُخرى .
     في عام 1889 ، التقى بممثلة جميلة تُدْعَى " ماود جونيه"، وأغلب شِعره العاطفي مُوَجَّه لها . وقد تقدَّم للزواج منها عدة مرات ، وكانت ترفضه بقسوة . ثم التقى الكاتبة المسرحية الليدي غريغوري ، وأسَّس معها " المسرح الأدبي الإيرلندي ". وفي عام 1911 ، قابلَ ييتس في بيت أحد أصدقائه شابةً جذابة تُدْعَى " جُورجيا هايدليس " عمرها ثمانية عشر عاماً . كان قارئة نَهِمَة ، ومثقفة تتكلم عدة لغات ، ومتعلقة بعالَم السِّحر والغَيبيات ، وقد انضمَّت إلى جمعية " نظام البزوغ الذهبي ". وقد عَقَدا زواجهما عام 1917 رغم فارق السن ، وغياب العواطف المتبادَلة .    
     صارَ ييتس عُضواً في مجلس الشيوخ في أول حكومة إيرلندية من عام 1922 وحتى 1928، وسعى بكل طاقته إلى إحياء التراث الثقافي الإيرلندي ، وفنونه المعمارية ، وآثاره القديمة . وكان مُدافِعاً عن حرية التعبير ، وعمل جاهداً على تحسين مستوى المدارس الإيرلندية .
     فازَ ييتس بجائزة نوبل للآداب عام 1923 ، وواصلَ الكتابة حتَّى مَوته عام 1939 . وقد قضى سنواته الأخيرة في جنوب فرنسا بسبب وضعه الصِّحي. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945 ، نُقل جُثمانه إلى إيرلندا ، ودُفن في إحدى الكنائس . وضمَّ شاهدُ قبره أبياتاً شعرية له : (( عَين باردة تُحَدِّق / في الحياةِ والموتِ / وفارس يَعبر بينهما )) .

     من أبرز مجموعاته الشِّعرية : الخوذة الخضراء ( 1910 ) . مسؤوليات وقصائد أخرى( 1914) . البجع البري عند مُتَنَزَّه كول ( 1918) . البُرج ( 1928) . السلالم الملتوية ( 1929) ، قصائد جديدة ( 1938) .