23‏/03‏/2017

إريك كارلفلت وعقدة الأب

إريك كارلفلت وعقدة الأب 

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 23/3/2017

.....................

     وُلد الشاعر السويدي إريك أكسل كارلفلت ( 1864_ 1931) في مدينة فولشرنا بوسط السويد . تَمَّ انتخابه عُضواً في الأكاديمية السويدية عام 1904 . وفي عام 1912 انْتُخِبَ أميناً دائماً للأكاديمية ، وهو المنصب الذي شغله حتى وفاته . رفض جائزة نوبل للآداب عام 1919 ، ولكنها مُنِحَت له عام 1931 بعد وفاته .
     كانت عائلته تعمل في مجال الزراعة . وقد تورَّط والدُه في فضيحة مالية تشتمل على جرائم اقتصادية وتَزوير ، فَحُكِمَ عَلَيه بالسجن لمدة طويلة . وهذه القضيةُ الجنائيةُ لَوَّثتْ سُمعةَ العائلة ، وكانت سبباً في تغيير اسم الشاعر الذي كان عند ولادته " إريك أكسل أريكسون " . لقد أرادَ الابتعاد عن ماضي والده الملوَّث ، والنَّأي بِنَفْسِه عن أعماله الإجرامية ، وغسل اسمه من الخزي والعار. لقد كان والدُه عُقدةً في حياته الشخصية ، ووَصمة عار في تاريخه ، فأرادَ أن يُطهِّر حياته الشخصية مِن عُقدة أبيه ، ويَغسل تاريخه من العار . وكان الحل الأمثل بالنِّسبة إلَيه تغيير اسم عائلته ، وإقامة قطيعة مع الماضي الملوَّث ، وبَدْء صفحة جديدة .
     درس الأدبَ السويدي واللغات الإسكندنافية والإنجليزية في جامعة أوبسالا ، وهي جامعة سويدية ، تُعتبَر أقدم جامعة إسكندنافية . وقد تخرَّج منها في عام 1898 . واضطرَّ في أثناء فترة دراسته أن يعمل بالتدريس في عدة مواقع، من أجل تأمين تكاليف دراسته . وبعد تخرُّجه، حصل على وظيفة في المكتبة الملكية السويدية في ستوكهولم .
     يتميَّز شِعْرُه بالأبعاد الرمزية والفضاءاتِ الغنائية . وقد حَوَّلَ الأغاني الشعبية إلى قصائد رمزية حيَّة عابقة بالتحولاتِ اللغويةِ والطقوسِ المعرفيةِ والإشاراتِ الغامضةِ .
     في عام 1895 نَشرت مجموعته الشِّعرية الأُولَى" الطبيعة والحب " لكنها لَم تَجْلِبْ له الشُّهرة كما كان يَأمَل . وفي عام 1898 كَتَبَ مجموعته الشعرية الثانية " أغاني فريدولين " . ومن الواضح أنَّ مُستواه الشِّعري أخذَ يَتطوَّر شَيئاً فَشَيئاً . وفي عام 1906 أصدرَ مجموعةً مُتميِّزةً مِنَ القصائد بعنوان " فلورا وبومونا " .
     اعتمد كارلفلت على وصف المشاعر الجيَّاشة ، وتصويرِ الواقعية بأسلوب رمزي مُفعَم بالأحاسيس والذكريات . ومَعَ هذا ، فلم يَنْجُ مِنَ الانتقادات بسبب غرق قصائده في الخيالات الرمزية ، وعدم مُبالاتها بالأحداث السياسية والقضايا المصيرية التي تمسُّ حياةَ الإنسان بشكل مباشر . وقد تأثَّر الشاعرُ بعوالم الزراعة والفلاحين التي عايشها في طُفولته ، خصوصاً أنه نشأ في عائلة زراعية.وكانت مفرداته ولغته التصويرية مُسْتَمَدَّةً مِنَ العالَم الافتراضي المسيطِر على ذاكرته.
     يُعتبَر كارلفلت _ بالدرجة الأُولَى _ شاعراً غنائياً ، وقد استلهمَ الملحِّنون العديدَ من الأغاني الشعبية من قصائده الشِّعرية . وقد تَحَرَّرَ مِن نَبرة الوعظ والإرشاد التي سَيْطَرَتْ على شِعْره .

     حصل في على التكريم في حياته وبعد مَوته . ففي عام 1917 مَنحته جامعة أوبسالا الدكتوراة الفخرية . وفي عام 1919 مُنح جائزة نوبل للآداب لاعتباره واحداً من أكبر شُعراء أوروبا ، لكنه رَفضها لسببٍ أخلاقي يَتعلق بِنَزاهة لجنة التَّحكيم ، إِذ إِنه كان أمين الأكاديمية السويدية ( رئيسها) وهي الجهة التي تَمنح جائزة نوبل للآداب ، فَخَشِيَ أن يُقال إِنَّه قَد مَنح الجائزةَ لِنَفْسِه . لذلك رفض استلام الجائزة في حياته لهذا السبب ، فَأُسْنِدَت الجائزة إلَيه بعد وفاته . وهذا دليلٌ واضح على نزاهته ، وحِرْصه على سُمعته ومكانةِ الأكاديمية السويدية . فقد رَفض المجدَ الشخصي ، خَوفاً مِنَ اتِّهامه بخداع الرَّأي العام ، واستغلالِ السُّلطةِ والنفوذ .