05‏/03‏/2017

الساعة الرملية تعلن موعد بكائي / قصيدة

الساعة الرملية تعلن موعد بكائي / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.................

  أَزِقَّةُ الفِئرانِ هِيَ أطيافُ الغُرباء في صَوْتِ الرَّصاصِ / والخلفاءُ المهزومون كهوفٌ تَلتقطُ خَطيئةَ اللازَوَرْدِ / وَدَاعاً يَا حفَّاري القُبورِ / الذين لَيْسَ لَهُم زَوْجاتٌ يَنْتظرنَ الأناشيدَ الدافئةَ / على عَرَباتِ القِطاراتِ المختبئةِ في حَبَّاتِ المطر/ خَبَّأَ الثلجُ مِفتاحَ سَيَّارته في تَجاعِيدي / والعِظامُ الحزينةُ عَلى الزُّجاجِ المغْسولِ بالجثثِ / والدُّموعُ مُعطَّرةٌ بِنُعوشِ الأنهارِ / يَتَوَكَّأُ الرَّمْلُ العَجوزُ على جُثَّةِ الأمواجِ / ضَاعَ الوطنُ / ضَاعَ المنْفَى / فَتَعَالَ يَا عُشبَ القُبورِ لِنَسْكُنَ في قَصيدتي / قَصيدتي كُوخٌ بِلا سَقْفٍ/ وَقَارُورةُ الحِبرِ تُطِلُّ على قَبْري في قَاعِ البُحَيْرةِ/ مَزْهريةٌ مَخْدوشةٌ عِنْدَ نافذةِ العَواصفِ / وَصُكوكُ الغُفرانِ على مَكْتبِ الكَاهنِ الأعمى / فَتَعَالَ أيها الوَرْدُ الذابلُ / لِنَزُورَ قَوْسَ قُزَحَ وَهُوَ عَلى فِراشِ الموْتِ /
     البِطاقاتُ المصْرفيةُ لِلبغايا آخِرَ الليلِ / وانحناءاتُ السَّنابلِ على أكْوامِ الجثثِ / والقَمَرُ يَرْمي الجماجمَ على الجُسُورِ الحزينةِ/ كِيسُ خُبْزٍ بَاردٍ في يَدِ أَرْملةٍ / كأنَّ الخريفَ خَبَّازٌ عَاطِلٌ عن العَمَلِ / أَخْبِزُ الذِّكرياتِ في مَناجمِ الفَحْمِ/ لأُطْعِمَ الصُّخورَ المقْتولةَ في المرفأ / تُقاتِلني أزرارُ قَمِيصي / ومَلابسي تُطْلِقُ عَلَيَّ الرَّصاصَ/ أَمْسَيْتُ حَديقةً بِلا نَزِيفٍ يَقْطِفُني / وَضَعْنا السُّمَّ في قَارورةِ العِطْرِ / وَالفُرْسانُ العاطِلون عَن العَمَلِ / يُؤَدُّون التَّحِيَّةَ العَسْكريةَ لِجُثَّةِ الملكةِ / تَكتحلُ الأسيراتُ بِعَرَقِ السَّجانين / وَكُلَّما أَجَّلت الذُّبابةُ مَوْعِدَ شَنْقي / حَضَنْتُ صُورةَ أُمِّي /
     عُمَّالٌ يَتَسَلَّقون الحافلةَ التي تَذْهَبُ وَلا تَعُود / والبحرُ الباكي يَطْبَعُ لَحْمَه الضَّوْئيَّ / على وَجْهِ بائعِ الذُّرةِ المشْوِيَّةِ / وفي شَرايينِ المطرِ حُزْنٌ / لا يَنْمو إلا في بُرْتقالِ المجرَّاتِ / خُذْ تُرابَ ضَريحي كُحْلاً لأشجارِ المذْبحةِ / أَمْشي في جِنازةِ أَبي كَقارورةِ الحِبْرِ المكسورةِ/ وأُطَالِعُ مُؤلفاتِ أُمِّي التي لا تَقْرأُ ولا تَكْتبُ / غَرِيبٌ أنا / وَمَا عَرَفَني الرَّصيفُ / إلا بَعْدَ أن أَخَذَ بَصْمةَ دُموعي /
     اعْشَقْني أيُّها الشَّاطئُ الذبيحُ / ارْحَمْ ثُقوبَ رِئتي / ثِقْ بِحُفَرِ قَلبي / قَلبي لا يُشَكِّلُ خَطَراً على القُصورِ الرَّمْليةِ / أَهْرُبُ مِن زَنازينِ الوَرْدِ / وعُيونِ زَوْجةِ القُرْصانِ / أولادُ الإمبراطورِ يَدْرُسون في مَدَارس أجنبيةٍ / وَيُلاحِقون يَتيماتٍ لا يَمْلِكْنَ رُسومَ المدرسةِ الحكوميةِ / وَالوَحْلُ يَصُبُّ سَائِلَه المنَوِيَّ في حُفَرِ المجاري /
     وَطَني / تَصَدَّقْ عَليَّ بِثَمَنِ كَفَنٍ / خَانني مَرْفأُ الرِّيحِ / خَدَعَتْني أَعْوادُ المشانقِ المنثورةُ في المرْمَرِ/ كُلُّ نِساءِ القَبيلةِ رَفَضْنَ وَجْهي/ لأني لا أَمْلِكُ ثَمَنَ زُجاجةِ دَواء / للصَّحاري النَّائمةِ على سَريرِ المرضِ / عِشْقٌ غامضٌ يَشْتعلُ في أعْوادِ الثِّقابِ / وَيَنْطفئُ على أعْوادِ المشانقِ / وفي صُداعي شَجَرٌ أَخْرسُ يَسْتمعُ إلى بَوْحِ الأزمنةِ / ذَلِكَ القَتيلُ هُوَ أنا/ لا يُشْبِهُ الحطبُ إِلا سُعالي/ كُلَّما وَضَعْتُ رَأْسي على الوِسادةِ / رَأيتُ وُجوهَ الموْتى على زُجاجِ النافذةِ / أنا الطَّيْفُ الأُرْجُوَانِيُّ / سَأكْسِرُ الصَّليبَ يَوْماً ما / فلا تَكْرَهْنَ ذِكْرياتي أيَّتُها الرَّاهباتُ الغارقاتُ في دَمِ الْحَيْضِ /  
     مُشْتاقاً إلى القُرى المنْبوذةِ / التي لا يَصِلُ إِلَيْها عُمَّالُ النَّظافةِ / أُحارِبُ ظِلالي بأحزانِ سَاعي البَريدِ الذي لا يَأْتي / وَتَاريخي محاولةٌ فاشلةٌ لخِطبةِ ابْنةِ عَمِّ النِّسيان / والْجَزْرُ أَنشأَ لَهُ مَوْقعاً على الإِنترنتِ / فَأَغْلَقَهُ الْمَدُّ / يَرْتاحُ المحارِبون في حَناجرِ الفَراغِ / وَالمِقْصلةُ تُرَتِّبُ أثاثَ رِئتي/ النَّزيفُ الصَّحراويُّ / والرِّمالُ تُوَرِّثُ جُمْجمتي للرِّمالِ / جُنديٌّ نَسِيَ أَن يُوَدِّعَ زَوْجته قَبْلَ الذهابِ إلى المعركةِ / والمنفيُّون لم يَأْتوا إلى عُروقي / لِيَشْربوا الشَّاي المثلَّجَ / تُهاجِرُ الرُّؤوسُ المقْطوعةُ مَعَ الأمواجِ / والغُصْنُ المكسورُ رَسُولٌ بَيْنَ العُشَّاقِ / سَيَصْعَدُ اليَمامُ مِن آبارِ الدِّماءِ / عِنْدما تَصُبُّ الأراملُ دُمُوعَهُنَّ في بِئْرِ القَرْيةِ / خِرافٌ مَقْتولةٌ تَسْكنُ في جُثةِ الرَّاعي / بَشَرٌ يَدُورون حَوْلَ جماجم أُمَّهاتهم / يُسْحَبون إِلى القَتْلِ / لِيُثبِّتوا نِظاماً مَلَكياً على سَطْحِ القَمر/ بَعوضةٌ تَرْقصُ في مَأْتمِ الشُّموسِ ثُمَّ تُقتَلُ/ شُرْطياتٌ لِتَسْليةِ القادةِ المهزومين / فَيَا سَيِّدتي الوَحيدةَ / أَبْعِدي ضَفَائِرَكِ عَن شَاهِدِ قَبْري/ أَرى لمعانَ الموْتِ في عَيْنَيْكِ /
     مَن يُبايعني على الموْتِ في سَبيلِ خَالقِ الموْتِ / هَذا وَقْتُ انتشارِ الْحُسَيْنِ فِينا / حَليبٌ مُلوَّثٌ باليُورانيومِ / فَيَموتُ الأطفالُ كالنباتاتِ المتأخِّرةِ عَن بَاصِ المدرسةِ / والحزنُ يَزْحفُ عَلى بَطْنِه / أمامَ بَريقِ الرِّماحِ المسْتَوْرَدَةِ/ أَتعرَّفُ عَلى شَرايينِ أَبي الممزَّقةِ / وفي أَرشيفِ اليَاقوتِ / دُودةٌ تُخبِّئُ في رِدائها كِلابَ حِراسةٍ/ تَجري أنهارُ اللهبِ وَراءَ طَائرةٍ وَرقيةٍ/ وَكُلُّ آبارِ النِّفْطِ في حَلْقي مَاتَتْ /
     لا أنا الحسينُ / ولا أنتِ شَهربانو / لا أنا ابنُ زَيْدون / ولا أنتِ ولادة بنت المستكفي/ لا أنا ابنُ عَربي / ولا أنتِ عَيْنُ الشَّمْسِ / لا أنا دُودي / ولا أنتِ دَيَانا / أنا القَتيلُ الْحَيُّ الشُّعلةُ المنْدَفِعةُ في الأعاصيرِ/ فَاكْتُبْ يَا قَمَرَ الضَّحايا مَأْساةَ قُرطبة / على شَجرِ الجروحِ / بِعْنا حَيْفا وبَكَيْنا عَلَيْها/ رُمُوشُنا تَسْهرُ في الحاناتِ كالضفادعِ/ قُلوبُنا الصَّخْريةُ نَامت على الصَّخْرِ الزَّيْتي / وَالظَّهيرةُ تَسْحبُ جَوازاتِ السَّفر مِن الجنودِ/ والكَهْرمانُ الدامعُ هُوَ الوَرِيثُ الشَّرْعِيُّ لانكسارنا / قَمَرٌ مُخْتَبِئٌ في قَارِبٍ يَعْشَقُ انتحارَه /

     جَمَاجِمُ النِّساءِ في صُحونِ المطبخِ / والحضارةُ انكَسَرَتْ بَيْنَ الصُّحونِ والثلاجةِ / والمرأةُ مَاتتْ بَيْنَ السَّائِلِ الْمَنَوِيِّ وسَائِلِ الْجَلْي .