08‏/04‏/2017

نقوش على جسد الرياح / قصيدة

نقوش على جسد الرياح / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     يَداكَ أيها الرَّعدُ تَعْطِفانِ عَلَيَّ / الرَّحيلُ مناديلُ الصَّبايا على أرصفةِ الميناءِ / والزُّمردُ غُربةُ المطرِ في جَسَدي الضَّوئيِّ / الذِّكرياتُ المكسورةُ/ والأمطارُ المكسورةُ/ والدَّبابيسُ وَطَنُ السُّنونو / سَيَحْترقُ دَمْعُ الخوخِ في السُّجونِ / وَيَنْسِجُ أولادُ الحارَةِ مِن شَراييني كُرَةَ قَدَمٍ / أَينَ تَمُتْ أَكْتُبْ / عاشقان قَبَّلا الحمَامَ الزَّاجلَ وَمَاتا / كما يَموتُ الموظفون في طَوابيرِ الرَّاتبِ الشَّهريِّ / بُكائي مَخطوطةٌ تُحقِّقها الصَّواعقُ بِدُون إِذْني/ تَذْكُرين كَفَني ؟/ بَدَا وكأنهُ لا يَعْرِفُني / تَذكرينَ كَفَنَكِ ؟ / بَدَا وَكأنهُ كَفَني / نَحْنُ قَتيلان / فَشُكراً لِحُكومةِ الموتى ! / بِلادي دَفْترٌ تَكتبُ فِيه الأعاصيرُ مَرثيةً للبَجَعِ / وأسناني وَقودٌ للزَّوابعِ / يا هَذا الجرح المتوهِّج / تتدحرجُ أشلائي على ضَوْءِ التَّوابيت / مِثْلما تتدحرجُ كُراتُ الثلجِ على أجسادِ النِّساءِ المغْتَصَبَاتِ /
     قَبائلُ العَبيدِ عَشائرُ الإِمَاءِ / صِياحُ الجدرانِ يَمنعني مِن النَّوم / وتِلالُ قَلبي تَرمي عُروقي في كُوبِ اليانسون / تَكتئبُ عُصفورةٌ مخنوقةٌ بَين دَرَجاتِ السُّلمِ الموسيقيِّ / يُقدِّمون كَبِدي في لَيلةِ الدُّخلةِ للشجرِ الذي تزوَّجَ مِن مِشْنقتي / يَنتصبُ نَعشي بَين دُموعِ أُمِّي وَصَحْنِ السَّلَطةِ / أُصيبَ الشاطئُ بالعَجْزِ الجِنسيِّ / لَكنَّ الرَّمْلَ يُنظِّمُ فَتَراتِ الحمْلِ لامرأته/ والصَّدى تزوَّجَ العَوانسَ / بِدايةُ الليلِ نهايةُ جَدائلِ البُحيرةِ / والبُروقُ تَحْرِقُ ذِكرياتِ الشَّفقِ/الكَنائسُ يَوْمَ الأَحَدِ مُغلَقةٌ/ أيْنَ تَذهبُ الرَّاهباتُ؟/ المتاجرُ الأجنبيةُ مَفْتوحةٌ / تَشتري الأرستقراطياتُ الهدايا في ذِكرى وَفَاتي/ وَالمرفأُ يَرحلُ مِن أظافري مِثْلَ بَلوطِ الغُرباء / تَنسى الصَّبايا أرقامَ هَوَاتفِ عُشَّاقهنَّ على مَقَاعدِ الكَنيسةِ / وغُرفةُ الاعترافِ مُمتلئةٌ بالسَّبايا / ترتاحُ المقابرُ في طَريقِ بَنكرياسي / كَما يَرتاحُ سائقو الشَّاحناتِ على الطريقِ الصَّحراوي/ وكُلُّ الصحاري تَشربُ مِن دَمْعي/ وتَكتبُ قَصائدَ رِثائي/ فَيَا صَديقي المطر / لا تقتحمْ أُنوثةَ الهِضاب / لأنَّ طَيْفَ الزَّوجاتِ الخائناتِ يَلْمعُ كأخشابِ المذْبَحِ / اكتشفَ الزلزالُ خَريطةً لِجِيناتِ الإِمَاءِ / أَنحِتُ مِن الأعشابِ شَاهِدَ قَبْرٍ لِزَوْبعةٍ يَتيمةٍ / صُداعي مَهْرُ السَّنابلِ في القُرى المنبوذةِ / وَحَضارةُ الشَّكِّ صُرْصورٌ عَلى سُرَّةِ راقصةٍ / وعَلى سَطْحِ مُسدَّسي / غَزالةٌ تَغتسلُ بَعْدَ الوِلادةِ / نَقلي الفلافلَ في دِماءِ آبائنا / ونَسألُ التَّبْغَ المهرَّبَ / هَل بَقِيَ شيءٌ مِن الْحُبِّ العُذريِّ في مُدُنِ العاهِراتِ المحتَرِفاتِ ؟ / زَيْتُ الزَّيتون على مَائدتي / التي يَجلسُ عليها أعدائي / وآبائي مَدْفُونون تَحتَ شَجرِ الزَّيتون / كُلما هَجَمَ عَليَّ الليلُ / خَلَتْ مِرآتي مِن وُجوهِ النِّساء / أخافُ يا وَرْدتي الغَامضة مِن المساءِ المتوحشِ / لَيْسَ لِي حَديقةٌ / ولا أَمْلِكُ إِلا الألوانَ الزَّيتيةَ في لَوْحةِ شَنْقي / 
     كالمجاعاتِ الرُّومانسيةِ كَالعَاشِقين الفاشلين نَرجعُ أنا وأنتَ يا حُزني / دَوْلةً مِن السَّراب مَرَّت عُروقُنا خَلْفَ أسوارنا/ للأمسِ وَجْهٌ أو وَجْهُ الموتى المنثورُ في وَجْهي / للذاكرةِ ذَاكرةٌ مَزْروعةٌ بالحواجزِ الأمنيةِ / الطحالبُ البرونزيةُ تَجُرُّ بَساطيرَ الجنودِ الهاربين / والنوارسُ تَقتقي آثارَ لَحمي على الصَّليبِ / أينَ سَيَذهبُ البيانو بَعد انتحارِ العازِفةِ ؟ / أنا أسرارُ البُرتقالِ وتفاحُ السرابِ / كُلما بَكَيْتُ وَقفتُ عارياً أمامَ مِرآةِ الجنونِ / والموتُ يَكْسِرُ عُلبةَ المِكياجِ / فَيَنكسرُ الصَّمتُ بَين حَفَّارِ القُبورِ وأعشابِ المقبرةِ / أنتَ الماسِحُ / لِكَي تَمْسَحَ حَضارةَ الوَهمِ /
     يا وَجهي في المرايا المخدوشةِ / مَن أنتَ ؟! / أيها الأصدقاءُ الحزانى في طُرقاتِ المجزرةِ / مَن أنتم ؟! / هل التقيتُم بِذَبْحي قَبْلَ هذا الليلِ ؟ / سَتُبحِرُ المراكِبُ في مَاءِ عُيوننا / ونُسافرُ في أمعائنا الممزَّقةِ / لَنا الألَمُ خَجولاً تَحْتَ سَكاكين الظهيرةِ / والعَواصفُ تأخَّرتْ عَن مِيعادِ جِنازتي / الصُّداعُ النِّصفيُّ وَطَنٌ للسُّنونو / وَسُيُوفُ الفُرسان تُباعُ في المزادِ العلنيِّ / راهبةٌ تَستحمُّ في بُحَيْرةِ طَبريا / لَكِنَّ لَحْمَها تابوتُ صَقْرٍ أعمى/ أنا مَيِّتٌ / لكنَّ نَعشي يَتجوَّلُ في الطرقاتِ/ وَيُولَدُ قُرْبَ ظِلالِ الكَرَزِ / أَصْدُمُ أعمدةَ الكهرباءِ بِكَهرباءِ الكلامِ/ كَي تَستيقظَ الشَّوارعُ مِن رُموشي / شَمْسُ المقاصِلِ تُنقِّي سُعالي مِن الدِّيدان / وَقَوْسُ قُزَحَ يَدفعُ ضَريبةَ الذاكرةِ للمنافي / 
     ذَلِكَ الحزنُ السَّاطعُ / يَرْعى قَطيعاً مِن الحيواناتِ المنويةِ في صَحْراءِ الحِبْرِ / حَوَاسِّي تَقودُ انقلاباً عَسكرياً في جَسَدي / تتمردُ أظافري على أصابعي / فَكَيْفَ أَحْضُنُ النَّيازكَ السَّاقطةَ في بَنكرياسِ الموْجِ ؟ / اعْتَرِفْ / لَسْتُ حَزيناً بِما يَكْفي لأَفْرَحَ ! / سَأبكي عَلى الضِّفةِ الجنوبيةِ لِقَلْبي / نَسِيتُ مِشْطي عِندَ حَبْلِ مِشْنقتي / فاتركْني أسألْ جُثماني / لماذا يَكْرَهني دَمي ؟ / نافذتي مَلِكَةُ جَمَالِ السَّلاحِفِ / وَمِقْصلتي أجملُ المقاصِلِ تَحْتَ أعلامِ القَبائلِ المنقرِضةِ / وفي رِئَةِ الأمطارِ أزمةٌ سياسيةٌ / لأنَّ السُّلطانةَ غَيَّرَتْ نَوْعَ نَبيذها / دُونَ إِذْنِ السُّلطانِ المشغولِ بِتَلْميعِ أوسمته/ سَتَموتُ الأميراتُ في ثِيابِ الرَّقْصِ/ والسَّرابُ يَقودُ سَيَّارته إلى قَبْرِه في الصَّنوبرِ البَعيدِ /
     أيها الوطنُ الضائعُ في اللجَانِ ومِكْياجِ المذيعاتِ العَوانسِ/ رَجْفةُ الأسرى تأكلُ وَجْهَ الغروبِ / هَل سَيَقْتلني انتظارُ القِطارِ في دِماءِ الغَيم ؟! / نَزِيفُ الوِدْيان الموحِلةِ أُغنيةٌ حَجَريةٌ / والرِّمالُ تَمسحُ أحمرَ الشِّفاه بالمناديلِ القَذرةِ / تَواريخُ التَّحرشِ الجِنسيِّ في الكاتدرائيات / أَشكركَ أيها الوطنُ لأنكَ صَلَبْتَني / فاضحكْ / سَنَصْنعُ مِن تَوابيتِ المطرِ أراجيحَ لليَتامى / بَدَويةٌ تَرْعى دِماءَ القَتلى في رِماحِ القَبيلةِ /
     سَامِحيني أيتها الشمسُ / لَيْسَ لِي تَاريخٌ سِوَى هَزائمِ آبائي / واعذريني أيتها الحضارةُ / لَيْسَ لِي حِضارةٌ سِوى أبراجِ المراقَبَةِ في السُّجون / سَيُدْفَنُ التِّلميذُ قُرْبَ أُستاذه / وَنَزُورُ أضرحةَ العَصافيرِ في قِرْميدِ كُوخي المهجورِ / سَأُعْطِي الحِبْرَ شَرَفَ دَفْني / فيا أيتها الفَتَياتُ الصَّاعِداتُ مِن ضَوْءِ المجازِرِ / لا تَقْلَقْنَ إِذا أَعْدموني / اقْرَأْنَ الفاتحةَ / ثم اذْهَبْنَ إِلى المطبخِ لِتَحْضيرِ الطعامِ /
     سَيُنادي عَلَيْكِ المساءُ لِيَقْتلكِ / سَأرى فِيكِ شَبَحي / كأنني قَد عِشْتُ مَوْتي قَبْلَ الآن / في مَكانٍ يَعْرِفُني ولا أَعْرِفُه/ كُلُّ المرايا تَعْرفني ولا أَعرفُ وَجْهي / الغموضُ يُحْييني / والموتُ يَفُكُّ الشِّيفرةَ / النِّساءُ أشباحٌ / كُلُّ شَبَحٍ يَدُلُّني عَلى شَبَحٍ آخَر / والسُّيوفُ تَنهمرُ في مَتاهةِ اللوْزِ / عِطْرُكِ على المرايا المكْسورةِ/ يُرْشِدني إِلى قَبركِ في اليَاقوتِ/ فَيَا أيها المطرُ اليَابِسُ / انطفِئْ لأشتعلَ في إِعْدامِ اللازوردِ / مَا طَعْمُ الفَراشاتِ المقْليةِ بِمَاءِ عُيُوني ؟ / وَطَنٌ ضَائعٌ ضَيَّعَنَا لِيُشجِّعَ السِّياحةَ في مَقابرنا / وأنا المؤذِّنُ في طُرقاتِ المجزرةِ / ودَمي أكثرُ أصدقاءِ الشَّفقِ إِخلاصاً /
     كُوخي عِندَ مَنْبعِ النَّهرِ / وأشلائي عِندَ مَصَبِّ النَّهر / تَلْعبُ المجاعةُ دَوْرَ قَلَمِ رَصَاصٍ / رَسائلُ الأسرى إِلى البَجَعِ المنفيِّ / وَالأسماكُ تتشمسُ عَلى أغصانِ القلبِ/ وفي عِيدِ مِيلادي أَشعرُ بالموتِ لأعيشَ / وَيَشعرُ بي لِتَعيشَ السنابلُ في سُعالي الليليِّ / أنا الذي أنجبتُ نفْسي / وأنا الذي سَأَقتلُها /
     عندما يَتساقطُ الثلجُ على شَواهِدِ القُبور / وتُصبِحُ أصابعُ الفقراءِ المتجمدةُ حكايةً للأطفالِ قَبْلَ النَّوْمِ / سَأَخطفُ البُحيرةَ مِن أُسْرتها / وأُطالبُ الطوفانَ بِفِدْيةٍ / عِشْرِين كِيساً مِن حُزْنِ الرَّاهباتِ/ فَاغْرِسْ أهدابي في الضَّبابِ تَجِدْ طُفولتي المعدنيةَ / غَيْبوبةُ الطباشيرِ الحمراءُ في المدرسةِ المدمَّرةِ / هَذه عَاصِمتي الذبيحةُ تُرَكِّبُ جِهازَ إِنذارٍ في سُرَّتِي / وتَقتلني رَائحةُ دَمِ الولادة في تَثاؤبِ اليَاسَمين /

     مَعْجونُ الأسنانِ لِلفَتاةِ المغْتَصَبَةِ / الجِنرالُ وَاقفٌ في الطابورِ أمامَ المخْبَزِ / لَن أُغَنِّيَ لِعَنكبوتٍ تُقَبِّلُ زَوْجَها ثُمَّ تَقْتله / يَا أجنحةَ الدَّجاجِ التي تَصيرُ عُلبةَ سَرْدِين / تتقلصُ وَطَناً لِلمَشْنُوقين / أُصاحِبُ الزُّقاقَ الذي لم تَخْتَرْه حَنجرتي / أَختارُ شَفَقاً لم تَنتخبه أُغنيتي/ خُذْ تَوْقيعي قَبْلَ مَوْتي/ ولا تَبْكَ عَلى أشلائي/ سَأصيرُ مشهوراً كَجُثةٍ مجهولةِ الْهُويةِ/ وَسَوْفَ تُباعُ شَراييني المسْتَوْرَدَةُ في المزادِ العَلنيِّ / أَحَبَّ الليلُ النازفُ امرأةً مقتولةً / لأنها لا تَقْدِرُ عَلى خِيانته / النهرُ الأعمى يَقُودُ الشجرَ المبصِرَ إلى حَافةِ القَصيدة/ كُلُّنا أسرى في مملكة السرابِ/ وعِندما يَتجمعُ الذبابُ على نُعُوشنا / وَتُصبحُ الفَراشاتُ كِلاباً ضَالةً / سَنَعْرِفُ أننا عِشْنا في سُوقِ النِّخاسةِ .