14‏/05‏/2017

كوابيس هند بنت النعمان / قصيدة

كوابيس هند بنت النعمان / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

   بِاسْمِ الحبِّ يُقْتَلُ الحبُّ / وَدَاعاً لِكُلِّ النِّساءِ / قَد مَاتَ الجنودُ في الخنادقِ / الحزنُ الشاسعُ/ والطريقُ إلى الصَّوْمَعةِ في شِتاءِ الدِّماءِ/ أُصيبَ الشفقُ بالملاريا / لكنَّ الغروبَ لا يَزالُ رُومانسياً / نتعلمُ أبجديةَ الحطبِ مِن أكواخِ العَبيدِ / والفراشاتُ تتساقطُ في حُفرتي /
     أيها العُشبُ اليتيمُ / لا تَحْزَنْ لأنَّ أُمَّكَ تنتظرُ أمامَ الحواجزِ العسكريةِ / كُلُّ القتلى يَشْربونَ الشَّايَ / مَعَ الشجرِ العائدِ مِنَ المجازِرِ / تختبئُ الأدغالُ في بِنطالِ الشَّلالِ / والصُّقورُ تَشربُ دَمَ الغيومِ / في أغنياتِ العارِ / أنا شَجرةٌ عَلى الطريقِ لا الطريقُ / أنا عُصْفورٌ عَلى الأسلاكِ الشائكةِ لا الْمُعْتَقَلُ / أَنقذتُ غابةَ اللازَوَرْدِ مِنَ الاحتراقِ / وَلَم أَعْرِفْ أنَّ عِشْقَها سَيَحْرِقُني / أَنقذتُ مِدْخنةَ الْحُلْمِ مِنَ الجليدِ / ولم أَعْرِفْ أنَّ حَليبَ البُحيراتِ مَسْمومٌ / حَقَّاً / سَوْفَ تُقْطَفُ الوردةُ / وَهِيَ في ذِرْوَةِ غُرورِها /  
     في رِئتي غُرْبةُ السَّنابلِ/ وَجَاءَتْ غُرْبتي مِن احمرارِ الشَّفقِ / أوْردتي كُوخٌ للطيورِ المذعورةِ / يا صَوْتَ أُمِّي الطالعَ مِنَ الضبابِ / كَيْفَ أَشُمُّكَ وَقَدْ سَرَقَ شَجَرُ الليلِ حَوَاسِّي ؟/ بَشَرٌ يَحْلُمونَ باللحمِ المخصَّصِ لِكِلابِ الخليفةِ / اختيارُ المرأةِ في حُكومةِ الشَّواذِّ جِنْسياً / حَسَبَ حَجْمِ صَدْرِها / المسابحُ في قَصْرِ الإمبراطورِ / والشعبُ لا يَجِدُ مَاءً للشُّرْبِ/ تُباعُ المرأةُ لِمَن يَدْفَعُ أكثرَ / انتهى الضَّحِكُ في مَدينتي المحاصَرَةِ / والأشجارُ تَحْبَلُ بالدُّموعِ / تنمو المسدَّساتُ على أغصانِ الفَجْرِ / والفقراءُ يَخْبِزُونَ أحزانَهم/ تاريخي قَتيلٌ / سُلِخَ لَحْمُهُ عَن ضَوْئِهِ / وَسُكِبَت المجاعاتُ في عِظَامِ القَمَرِ / أُحَرِّرُ العصافيرَ مِن عُرُوقي / أنا مَلِكُ القُشَعريرةِ في حَفْلةِ الرَّقْصِ القاتلِ / وَالبَدْوُ الرُّحَّلُ يَلْعَبُونَ القِمَارَ في جِيَفِ النُّسورِ/ سَتَكُونُ الأجسادُ رَايةً مُنَكَّسَةً/ وتأتي الرمالُ مِن توابيتِ الغروبِ / كما يأتي النبيذُ الفَرنسيُّ مِن عِنَبِ الجزائرِ/ أخافُ مِن نَفْسي / لأنَّ شَخصاً غَريباً يَعيشُ في دَاخِلي / رَقَصْنا مَعَ الغَجَرِ في إِشبيليةَ/ وجاءَ مَوْعِدُ طَرْدِنا / قَتَلْنا الْحُبَّ في طُرقاتِ الوَخْزِ / وجاءَ مَوْعِدُ إِعدامِنا / ستذهبُ الفَتياتُ إلى الاحتضارِ/ وتظلُّ رائحةُ العِطْرِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / مَحْكُومونَ بالحنين / والحمَامُ الزاجلُ يَنْقُلُ أحكامَ الإعدامِ / 
     في دَاخِلي فَراشاتٌ تَموتُ / وأنا أمشي إلى تاريخِ السُّفنِ الغارقةِ / أُخَزِّنُ في أكياسِ الطحينِ الدُّموعَ النازفةَ مِن ثُقوبِ الحِيطان / وأَخْبِزُ المطرَ بأحزاني / الأوامرُ العسكريةُ تائهةٌ بَيْنَ الماضي والمضارِعِ / والطواويسُ سَكَنَتْ في عُشِّ النَّسْرِ المقتولِ / يتشظى الثلجُ في أعصابي مِثْلَ أكواخِ الصفيحِ / والذِّكرياتُ تحتفلُ بِهَزِيمةِ جَيْشِها في المعركةِ / العُشبُ النابتُ في دَمي / يَحْمِلُ مُسدَّساً خَالياً مِنَ الرصاصِ / وآبارُ النِّفطِ في جِلْدي خاليةٌ مِنَ الرصاصِ /
     أُصيبَ العازِفُ بالشَّلَلِ/ وَبَقِيَ البيانو وَحيداً / الذُّعرُ يَخلعُ رِئةَ النهرِ/ وَشَراييني مُزَيَّنةٌ بالطحالبِ / يَتسلقُ البنفسجُ أبراجَ الجثثِ / والرِّمالُ تُطْلِقُ النارَ على البحرِ الأعزلِ/ البُيوتُ مُعْتِمَةٌ/ والقُشَعريرةُ تُضِيءُ المكانَ/ المهرِّجُونَ يَضْحَكُون / والسِّيركُ يَحترقُ / لا تسأليني أيتها الهِضابُ عَن عِيَارِ المسدَّسِ / الذي سَتَنْتَحِرِينَ بِهِ / الرَّعدُ يَصطادُ الأسماكَ مِن دَمي/ أَدْرُسُ مَعَ سَجَّاني دَوْرَ راقصاتِ الباليه في النظريةِ النِّسبيةِ/ خَرجتُ مِن قَفَصي الصَّدْرِيِّ / أَجُرُّ قُبَّعةَ الصحراءِ/ ضَيَّعْتَني يا نهرَ الجماجمِ الرشيقةِ/ دَمَّرْتني بِكُلِّ هُدوء / جَسَدي العَراءُ الْمُرُّ / وَالرِّيحُ تَنْخُرُ كَستناءَ الأراملِ / لا أَمْلِكُ غَيْرَ شَظايا رُوحي / وَجَوَارحي المجروحةُ تَرْقُعُ ثِيابي / لا بَيْتٌ للنوارسِ سِوَى مِدْخنةِ الثلجِ / ولا قَبيلةٌ للمطرِ سِوى أعضائي المتجمِّدةِ / الجوعُ يُطَوِّقُ البُحيرةَ / والقِرْميدُ ذاكرةٌ لاكتئابِ المداخِنِ / والصَّمْتُ يَبْسُطُ جَناحَيْهِ عَلى الجثامين / لكنَّ بُكاءَ النِّساءِ يَتفجَّرُ في لِيالي الشِّتاءِ /
     أيها الأنيقُ في غابةِ الراهباتِ العَمْياواتِ / سَوْفَ يَشْنُقُكَ المطرُ بِرَبطةِ عُنُقِكَ / أزرعُ القمحَ في أحزاني/ وَيَحْصِدُهُ الشفقُ / افْرَحْ يَا أبي / سَأحصلُ على رَاتبِ النهرِ بَعْدَ مَوْتِهِ / سَتُغَطِّي رَائِحةُ التَّبْغِ رَائحةَ الجثثِ / مَشَيْتُ في دِمائي / ومشى الخريفُ في أَوْردتي / تُهَرْوِلُ الأشجارُ في قُرى الملاريا / وكانَ الرَّمْلُ يُضاجِعُ الصحراءَ تَحْتَ المطرِ / أنا مَعَكم / وَلَسْتُ مِنكم / أنا السرابُ / عَرَقي الأرصفةُ / وَدَمْعي الغاباتُ / أنا مِن سَرابٍ / وأشلائي ظِلالٌ لِحُزْنِ الرياحِ / وأحزانُ أبي تُعَبِّدُ طَريقي إلى شمسِ المقابرِ / وكانَ طُموحي أن أُطْلِقَ النارَ على الوَسْواسِ القَهْرِيِّ / قَرْيتي تَركضُ في التُّوتِ السِّريِّ / وَحَليبُ التِّلالِ يَصُبُّ في آبارِ النِّفطِ / أشلائي طَباشيرُ مَنْسِيَّةٌ في مَدْرسةٍ مَجْهولةٍ/ جُيُوبِي مَليئةٌ بِدَماءِ القَبائلِ / وَخَاليةٌ مِن إسطبلاتِ البُكاءِ / خَطَبْتُ الأزقةَ / وَطَلَّقْتُ الشُّطآنَ / لا سُلْطةٌ للشُّموعِ إلا عَلى الغبارِ / ولا سِيادةٌ للطيورِ الجارحةِ إلا عَلى جَوارحي /
     ما أجْمَلَكَ أيها القَتيلُ تَحْتَ ظِلالِ النوارسِ / أتفجَّرُ مِن الدَّاخِلِ / وأشلائي مملكةُ الفراشاتِ المنفِيَّةِ / ابْتَلِعْ لَحمي أيها الغروبُ/ إِنَّ الحشراتِ لا تَعْرِفُ مَواعيدَ المجاعةِ / أغنامي مَريضةٌ بِالوَهْمِ / وَجُمجمتي على رَأْسِ رُمْحٍ / في مَتْحَفٍ مَهجورٍ / فِقراتُ ظَهْري تَدورُ كالرَّحى في حُقولِ الإقطاعيين / سِرْتُ سَارت الجوَّافةُ في رَقصةِ البارودِ / وأُنثى الصَّقْرِ نَسِيَتْ خَلْخالَها / في الطرقاتِ الْمُتْعَبَةِ / صَابونُ الليلِ في أرحامِ المقاصِلِ / وَعِندما تَموتُ الشُّطْآنُ بِسَرطانِ الثَّدْيِ / سَتظلُّ قُمصانُ النَّوْمِ في خِزانةِ البَحْرِ / جَسَدٌ مَنبوذٌ / رُوحٌ مَشْروخةٌ / يَنمو الصدى في مَقَابِرِنا اللوْزِيَّةِ / خَجَلُ المرايا مِثْلُ خَجَلِ الفَتَياتِ في لَيْلةِ الدُّخْلةِ / وَخَجَلُ سَجَّاني مِثْلُ خَجَلِ الأنهارِ / حِينَ يَسْبَحُ فِيها المصْلوبونَ العُراةُ / تَضاريسُ قَلْبي أطيافٌ للدُّودِ / والوَجَعُ طَيْفُ البحَّارةِ الغارقينَ في دُموعِ زَوْجاتهم / رِئتي الخيْمةُ الأخيرةُ / والدُّروبُ الحزينةُ هِيَ الطِّفْلَةُ اليَتيمةُ / التي أَنْجَبَتْها الصَّحاري البلوريةُ / يَضَعُ الضَّبابُ في إِصْبَعِ الحقولِ خَاتَمَ الخطوبةِ/ وَضَحِكاتُ الصَّبايا تَسيلُ على النِّصالِ الرَّماديةِ / للمِدْخنةِ أشجارُ دِمائنا / أُلقي السُّؤالَ على السُّؤالِ / لماذا مَرَرْتَ أيها المساءُ المذبوحُ في حَارتِنا / ولم تُلْقِ التَّحيةَ على أصدقائكَ القُدامى / الذينَ ماتوا في الحياةِ وعاشوا في الموْتِ ؟ /
     يَا أنا / مَن القَتيلُ فِينا؟/ قَتَلْنا الْحُسَيْن / وَحَلُمْنا بالمهديِّ المنتظَرِ / العناكبُ التي تَسيرُ على جِلْدي / هِيَ ظِلالي السِّريةُ / يَزُورني البُكاءُ في ليالي الشِّتاءِ / وَأَزُورُ قَبري في أعيادِ اليمامِ / أُطْلِقُ رَصاصةَ الرَّحمةِ على جَسَدِ البُحيرةِ / والغروبُ يُطْلِقُ أحزاني على رَصاصةِ الرَّحمةِ / الحزنُ هُوَ الْمَلِكُ / وأنا وَلِيُّ العَهْدِ / تَجُرُّ جُثماني خُيولُ القُشَعريرةِ / وَظِلالُ القَمرِ على النُّعوشِ الْمُسْتَعْمَلَةِ / أزرعُ الأشجارَ في دَمِ الرِّياحِ/ فاطمئِن أيها الرُّكامُ / سَوْفَ تَنْبُتُ الجماجمُ على أغصانِ المطرِ / ويأكلُ الجرادُ لَحْمَ الشَّفقِ/ وابتسمْ أيها الفَراغُ / سَيَقَعُ دَمِي الساخنُ في العصيرِ الباردِ /
     أيها المنْسِيُّ بَيْنَ سَلالِمِ الرَّمادِ/ جِسْمي رَحيلُ البَرقوقِ إلى خَيَالِ الدُّودِ / فاقتلني أيها الخريفُ شَابَّاً / لأظلَّ شَابَّاً إلى الأبدِ / الحزنُ خَيْمتي في انطفاءاتِ المطرِ / بَدأتُ أشجاراً / فَهَل تتمزَّقُ أجنحةُ الصَّقْرِ على مرايا السَّياراتِ ؟ / الليلُ قَلْبُ الحطبِ / وَبَيْنَنا أشواقُ الرَّعدِ وأحزانٌ غامضةٌ / رُبَّما يَقْتُلُني العَسَسُ في ذَلِكَ المساءِ الغامضِ / كَيَمامةٍ تَبكي على أُرجوحةِ الظهيرةِ / هَل ستبكي عَلَيَّ دِيدانُ الحقلِ ؟ / حَقيبةُ السَّفَرِ عِندَ بابِ غُرْفتي / والبَعوضُ يتشمَّسُ على عَقاربِ السَّاعةِ / ذاكرتي بِلا جُدْران / وَجُدْرانُ غُرْفتي جَرادةٌ مَشْلولةٌ /
     خَرَجْتُ مِن لحمي جائعاً / عَطَشي يَحْمِلُني إلى عَطَشٍ/ وَجُيوبي خَاليةٌ إِلا مِن ذِكْرياتِ النَّخيلِ/ نُفَتِّشُ في جُيوبِ الجنودِ القتلى/ عَن نُقودٍ لا تَحْمِلُ صُوَرَ الخليفةِ / والراهباتُ يَبْحَثْنَ في مَساميرِ الصليبِ / عَن خُبْزِ العَشاءِ الأخيرِ / مَشَيْتُ والمساءُ يَتقمَّصُني / نَزَلَتْ مِن ذاكرتي دُموعٌ / لا أَعْرِفُ جِنْسِيَّتَها / الأزهارُ في نُعاسِ الصُّقورِ / تبكي على الشجرِ القَتيلِ/ تُوَزِّعُ البُروقُ دَمِي عَلى شُيوخِ القَبائلِ / كَما يُوَزِّعُ الْمُخْبِرُونَ البطاطا المقليةَ في مَطاعمِ الوَجَباتِ السَّريعةِ / صَارَتْ أعلامُ القَبائلِ ثِياباً للرَّقْصِ/ وَتُزَيِّنُ الإماءُ سُوقَ النِّخاسةِ بالجوازاتِ الدُّبْلوماسيةِ / وَالحمَامُ يَبيضُ في قَفَصِي الصَّدْرِيِّ / وَلاعِباتُ التِّنسِ يَسْتَعْمِلْنَ مُزِيلَ العَرَقِ / أثناءَ حَفْلةِ إِعدامي /
     في ليالي الشِّتاءِ تنفجرُ ذِكْرياتُ العِشْقِ / فازرعْ جَسَدَ الفراشةِ بالألغامِ / قَبْلَ أن يَكْسِرَ الهلعُ رُموشَنا / وَضَعْتُ استقالتي على مَكتبِ النَّهْرِ / فلا تَحْقِدي عَلَيَّ يا سَيِّدةَ الصَّنَوْبَرِ/ كُلَّما نَظرتُ في عَيْنَيْكِ رَأيتُ تفاحَ المجازرِ / يَتَفَجَّرُ دَمي مِن حِجارةِ قَرْيتي خَوْخاً ومُسدَّساتٍ / مَاتت الحضارةُ / والتاريخُ مَشْغولٌ بِتَحْميلِ الجثثِ في عَرَباتِ الرِّيحِ / وَالبَقُّ أَكَلَ البراويزَ على الحِيطان / وانتحرت الذِّكرياتُ / مَطَرٌ يَنْحِتُ شَواهِدَ القُبورِ / وَدَمُ الحيْضِ يَسيلُ على النَّظاراتِ السَّوْداءِ / 
     عِندما تَضيعُ الدُّوَلُ / أَقِمْ دَوْلَتَكَ في قَلْبِ امرأةٍ / وَكُن قَريباً مِن الحبِّ القاتلِ / سَيَجْرِفُ الموْجُ كُثبانَ الذِّكرياتِ / وَتَظَلُّ الصحراءُ بِلا رِمالٍ / أحزانُ النِّساءِ في الليالي الباردةِ / فاعشقْ لَمَعانَ الرُّخامِ في مقابرِ الفراولةِ / قَبْلَ أن يَكْسِرَ الخريفُ مَزْهرياتِ قُلوبِنا / سَأَكُونُ قَتيلاً مَشْهوراً تَحْتَ شَمْسٍ غَريبةٍ / وأنا لَسْتُ أنا / لكني الْمَلِكُ الْمُتَوَّجُ عَلى رَمْلِ البَحْرِ /
     يا شَاطِئَ الفراشاتِ الحزينةِ / قُلْ لِلبُحيراتِ المحروقةِ / إِنَّ العُشاقَ يَسْكُبُونَ دُموعَهم في المزهرياتِ المخدوشةِ / أغنياتُ الظِّلِّ الحجَريِّ / ورائحةُ الأُنوثةِ المنسِيَّةُ / ضَاعَت النُّعوشُ التِّذكاريةُ في حُقولِ القُطْنِ/ والأراملُ يَخْلَعْنَ بَلاطَ أوْردتي كالزِّنزانةِ الانفراديةِ / والغُزاةُ يَتَقاسَمُونَ المهامَّ الأمنيةَ / لِمَنْعِ الشَّغبِ في جِنازتي / وغاباتُ البارودِ تَمْشي في عِظامي / تَختلطُ دَقَّاتُ قَلْبي بِدَقَّاتِ الساعةِ في حُقولِ الدَّمِ / وأنا تائهٌ بَيْنَ رَجْفةِ الحبِّ الأوَّلِ / وَرِعشَةِ الموْتِ الأوَّلِ / العارُ المرصَّعُ بالمومياواتِ / أنا الأبُ الرُّوحِيُّ لِحَبْلِ المِشْنقةِ/ وَسَوْفَ أُدْفَنُ ذَاتَ مَساءٍ عِندَ قَبْرِ أُستاذي / سَتَذْبَحُ الرِّياحُ نَفْسَها بالسَّيْفِ الذي عَشِقَتْهُ / والبَقُّ التهمَ خَشَبَ البَراويز / أشكالُ ذَبْحي مَزْهرياتٌ للغُرباءِ / وأنا الغريبُ بَيْنَ عُروقي والصَّنَوْبَرِ المنبوذِ /
     لا تَحْزَنْ أيها الرَّمْلُ / لَمعانُ عُيونِكَ سَيَكْسِرُ بَلاطَ سِجْنِكَ / لكنَّ الزوابعَ لم تَتْرُكْ لَنا فُرصةً / للبُكاءِ أمامَ قُبور أُمهاتنا / تعيشُ ظِلالُنا في ممالكِ الطاعون / حَيْثُ يَسيلُ دَمُ الحيْضِ تَحْتَ المطرِ / أُبَلِّطُ زِنزانةَ الرُّوحِ/ وَأسمعُ بُكاءَ امرأةٍ يأتي مِن شُقوقِ الليلِ/ تاريخُ الأعاصيرِ المزوَّرُ / لَوْحةٌ اشترتها أميرةُ الأنقاضِ بأموالِ الشَّعْبِ / وقالتْ لِعَشيقِها إِنَّها قَد رَسَمَتْهَا / والأسرى لم يَجِدوا ظِلالَهم / لِكَي يَرْسُموا ضَفائرَ أُمَّهاتهم على قُيودِهم / الرِّياحُ تَدْفِنُ النِّفاياتِ النوويةَ في صُداعِ الشَّفَقِ / أركضُ في شوارعِ الليلِ / فأتزوجُ أحزانَ الأرصفةِ / رَمَيْنا جُثَثَ الجنودِ في البُحيرةِ / وَرَاياتُ القبائلِ صَارَتْ مَلابِسَ داخليةً للسَّبايا / مُحْسِنٌ يتكفلُ بِنَفَقَاتِ جِنازةِ اليَمامِ / والهِضابُ نَسِيَت الجثثَ المسْتَعْمَلَةَ على الأثاثِ المسْتَعْمَلِ / وَيَعْلو صُراخُ النِّساءِ في الأقبيةِ البَاردةِ / تَصْنَعُ البَناتُ صُلبانَهنَّ مِن السِّيراميك/ لَم تنتظرني هِندُ بِنْتُ النُّعمان في الصَّوْمَعةِ/ ولَم تنتظرني الأمُّ تيريزا في غُرفةِ الاعترافِ / كانت الرِّمالُ تَنْقُلُ النهرَ إلى المستشفى / والطحالبُ تَخْرُجُ مِن ثُقوبِ جِلْدي / يا مَن تَعيشُ في حُفَرِ المجاري / وَتَحْلُمُ بِجَدائلِ الملِكَاتِ / أيها المنْفِيُّ في دَمِكَ / المقتولُ على ضِفافِ زَفيرِكَ / يا وَرْدةً تتلاشى في مِدْخنةِ الدَّيْرِ / إِنَّ اكتئابَ الراهباتِ أكبرُ مِن الصَّليبِ / أيها المحكومُ بالحنين / سترى ضَفائرَ أُمِّكَ مُعلَّقةً على حَبْلِ مِشْنَقَتِكَ / فِرَاشُ الاحتضارِ جاهزٌ دائماً / والراهباتُ يَخْدِمْنَ ضُيوفَ الكاردينالِ رَغْماً عَنْهُنَّ /
     ألغيتُ دَساتيرَ صَالةِ القِمارِ / والضَّبابُ يُحَطِّمُ الأرقامَ القِيَاسيةَ الْمُسَجَّلَةَ بِاسْمِ الرَّمادِ / ذَلِكَ الغريبُ سَيأتي مِن عُروقِنا / يُعيدُ الألوانَ لِمَلامِحِ العَصافيرِ / وَيَزرعُ رِقابَنا في ضَوْءٍ يَقتلعُ مِقْصلةَ الغِرْبان / أجسادُ الفُقراءِ سَجَّادٌ للعَرباتِ العَسكريةِ / وَرُموشُ اليتيماتِ استراحةٌ صَحْراويةٌ للجُنودِ الخاسرين / رَجفةُ العِشْقِ في مَمالكِ الجرادِ / وخَلاخيلُ الإِمَاءِ تترسَّبُ في بَراميلِ البَارودِ /
     لا تَحْزَنْ على الثلجِ / حِينَ يَشْنُقُ نَفْسَهُ بِجَديلةِ أُمِّهِ / إِنَّ جَدَائِلَ أُمَّهاتِنا حِبَالُ مَشانِقِنا / هَذهِ جَماجِمُنا مَصابيحُ عَلى أسْوارِ الطوفان / والأمطارُ سَوْفَ تَنطفئُ في قِمَّةِ لَمَعَانِها / أُصغي إلى كَلامِ الزَّيْتُونِ المحاصَرِ في أعيادِ الرُّعْبِ / نَحْنُ قَشُّ الإسْطبلاتِ/ نُوَرَّثُ كالجواري في بَلاطِ الخلفاءِ / بِعْنا حَنَاجِرَنا في السُّوقِ السَّوْداءِ / مِن أجْلِ الرَّاتبِ الشَّهْرِيِّ / مِتْنا قَبْلَ أن نَموتَ / نَحْنُ حُفاةٌ نرتدي عُرْيَنا / نَخجلُ مِن أسماءِ آبائنا / وَنَفتخرُ بِقُبَّعاتِ السُّياحِ /
     كَلا / هذا زَمَنٌ لا يُرَوِّضُهُ السَّلاطين / زَمَنٌ اختلطَ بِدِمائنا / فصارَ شَجَراً أمامَ ذَاكرةِ الإبادةِ / مُنْتَصَفُ الليلِ / وَمُنْتَصَفُ النَّزيفِ / يَنمو وَبَرُ الجِمَالِ على خُدودِ الأيتامِ / قَفَصي الصَّدْرِيُّ زِنزانةٌ مَكْسورةٌ / وَرُموشي بُندقيةٌ آلِيَّةٌ / لم تَلْمَسْها لاعبةُ التِّنسِ / المساءُ يُخَبِّئُ الفُقراءَ بَيْنَ شَعراتِ رُموشِهِ / وَجُروحُ الشَّفَقِ طَريقٌ لِعَرَباتِ نَقْلِ الجنودِ/ لم يَلْتقِ القَمرُ والشَّمْسُ وَجْهاً لِوَجْهٍ / وأنا الْتَقَيْتُ مَعَ البَحْرِ في لَحْظةٍ/ نَسِيَتْهَا مِلَفَّاتُ البُوليسِ السِّياسِيِّ/ سيأتي النِّسيانُ مِن سُعالِ الْخُلْجانِ / يُقَبِّلُني قَمْحُ الموانِئِ/ بَيْنَما يُساقُ إلى الذَّبْحِ البطيءِ/ مَا المنفَى إلا أنا / العِشْقُ مَسافةٌ بَيْنَ نَعْشَيْنِ مِن القَصْدير / وأنا أركضُ بَيْنَ جُثتي الناعمةِ وَظِلالِها الخشِنةِ / مِكْياجٌ غَامِضٌ عَلى عُشْبِ الأضرحةِ / وَكُلما سَألتُ عَن فَراشةٍ / عَرَفْتُ أنها مَاتتْ / سَيَقْتُلُكَ البَحْرُ يا صَديقي / وَلَكِنْ / ابْقَ عَاشِقاً لَهُ /

     تكتحلُ أراملُ الجنودِ بالبارودِ / والحشَراتُ تُغطِّي جُثمانَ قَوْسِ قُزَحَ / والْحُبُّ هُرُوبُنا الأبَديُّ وعَذابُنا اللذيذُ / فَاهْرُبْ مِن الْحُبِّ كي نلتقيَ في متاهةِ اللوزِ / واخْتَرْ رَقْمَ قَبْرٍ مُمَيَّزاً / كَي تُحِبَّكَ ابنةُ حفَّارِ القُبور .