26‏/10‏/2017

المدن الخائفة من المرايا ( قصيدة )

المدن الخائفة من المرايا ( قصيدة )

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 26/10/2017

.....................

     لَيْتَنِي أتحرَّرُ مِنْ طَيْفِ الفَراشاتِ / كَي أرى ظِلالي في مَزْهَرِيَّاتِ الشِّتاءِ / أبكي تَحْتَ المطَرِ لِئَلا تَرى الكِلابُ البُوليسِيَّةُ دُمُوعي / الرَّعْدُ شَاهِدٌ عَلى دُمُوعي/ وَالبَرْقُ يُضِيءُ مَساميرَ نَعْشي/ وَالْمَوْجُ يَكتبُ النَّشيدَ الوطنِيَّ لِجُثماني / وَالعَواصِفُ تَكتبُ دُستورَ الوَحْدةِ الوَطنيةِ في خِيَامِ المجزرةِ /
     الأسرارُ العاطفِيَّةُ للضَّبابِ الأشقرِ / وَدَهْشَةُ الفَراشاتِ في الجِنَازةِ العَسكرِيَّةِ / فَاخْرُجْ مِن حَياةِ الزُّمُرُّدِ /
تَبِيضُ المشانقُ في دَلْوِ البِئْرِ الجافَّةِ / وَاللبُؤاتُ تَنْقُلُ دُمُوعَهَا في شَاحِنَاتِ الغروبِ / أنا مِرْآتُكِ أيَّتُها الشُّطآنُ / لِمَاذا تَهْرُبِينَ مِن وَجْهي ؟ / لِمَاذا تُهَرِّبِينَ أشلائي في عُلَبِ السَّرْدِين ؟ /
     لا تَحْزَنْ أيُّها الموْجُ / اعْتَبِرْنِي أبَاكَ الرُّوحِيَّ / وَلْتَكُن السُّفُنُ الغارقةُ هِيَ أُمَّنَا القَاسيةَ / لا تُحَاوِلْ أيُّها الشَّاطئُ اغتيالَ الذكرياتِ / أنا والبَحْرُ والزَّبَدُ اشْتَعَلْنَا مَعَاً وانطَفَأْنا مَعَاً / خُذْني رِئةً للفَراشةِ الْمُصابةِ بالزَّهايمر/ تَقَاعَدَ حَفَّارُ القُبورِ / فَتَعَالَوْا نُهَنِّئ الأموات /
     لِمَاذا تَكْرَهُني يَا مَطَرَ الأبجديةِ ؟/ لَم أَجْرَحْ شُعورَكَ / أَبْذُرُ أعضاءَ الموْجِ في تُربةِ البُكاءِ/ فَتَنْمُو القصيدةُ الأخيرةُ في جُثمانِ النَّهْرِ/ أنا حُزْنُ التِّلالِ وتِلالُ المطَرِ القديمِ / أنا والزَّلازِلُ ننامُ في فِرَاشٍ وَاحدٍ / الجماجِمُ هِيَ حَبَّاتُ الفَراولةِ عَلى قِطَعِ الْحَلْوَى / سَتَعْرِفُ أيُّها المساءُ أنَّني أَسِيرٌ أبَدِيٌّ / وَعِندَما أَمُوتُ سَأَتَحَرَّرُ /
     احتضاري هُوَ النَّقْلَةُ الأخيرةُ في لُعبةِ الشِّطْرَنجِ / وأنا الدِّيكُ الأخيرُ تَحْتَ أذانِ الفَجْرِ في قُرْطُبَة/ تَسْتَجْوِبُني مَرايا الزَّرنيخِ / وأَسْتَجْوِبُ البُحَيرةَ العَمْياءَ / لِمَاذا لَم نُدَافِعْ عَن حُبِّنَا ؟ / يَرْقُصُونَ في حَفلةِ الإعدامِ/ ولا يَعْرِفُونَ لِمَاذا يَرْقُصُونَ / لا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ خَشَبَةِ الْمَسْرَحِ وخَشَبَةِ الإعدامِ / فِئرانُ التَّجَارُبِ تُقَدِّسُ الأصنامَ البَشَرِيَّةَ/ امْرَأةٌ تَرْمي ضَفَائِرَهَا في وَادي الجثامِين / وَتَتْرُكُ سَجَّانَها يَعيشُ نِيَابَةً عَنها / ولا تَعْرِفُ لِمَاذا تَمُوتُ /
     حَرِّرِيني مِنْ عَيْنَيْكِ / فُكِّي قُيُودي كَي تَأكُلَ أسماكُ الشَّفَقِ ذَاكرةَ النَّيازكِ / مِقْصَلَتي بالْحَجْمِ العَائِلِيِّ / أُزَيِّنُ بَيْتِي كَي يَبْتَلِعَهُ الطوفانُ / أُنَظِّفُ عِظَامي مِن حَشائشِ الْمَدَافِنِ / كَي تَأكُلَ جُثماني النُّسورُ/ أكفانُ الزَّنابقِ بَيْنَ أعوادِ الثِّقابِ / لَم تَعُدْ للنَّارِ ظِلالٌ / فَقَدَ الغَيْمُ عَائِلَتَهُ في الحرْبِ / وَطَنُ اليَاقُوتِ هُوَ مَنْفَى الزُّمُرُّدِ / أهدابي أقواسُ النَّصْرِ / لَكِنِّي الخاسِرُ في الْحَرْبِ والسَّلامِ /

     أنا الْمَنْسِيُّ في قَائمةِ عُشَّاقِ البُحَيرةِ / أنا التِّلالُ في سَاعةِ السَّحَرِ / أنا الجثامينُ الطازَجةُ في لَحْظَةِ الغروبِ / أَتعذَّبُ بالْحُبِّ لأعْرِفَ مَعناه / أَمْشِي ولا أَصِلُ / أخافُ مِن بُرودةِ بَيْتِي الفَارغِ / لا شَيْءَ في غُرفةِ الضُّيوفِ سِوى الكُرْسِيِّ الكَهْرَبائيِّ / عَذابُ الْحُبِّ أجْمَلُ مِنَ الْحُبِّ / عِشْ في ذِكرياتِ النَّخيلِ العابِرِ في الغروبِ / أعيشُ في حَقيبةِ السَّفَرِ/ فلا تَقْتُلْني يَا وَطَناً مَنقوعاً في سُعالِ الأطفالِ الْمُتَسَوِّلِينَ عَلى إِشاراتِ المرورِ / تَرْكُضُ أدغالُ الحِبْرِ إلى تَابوتِ المطَرِ / والغاباتُ تَمشي إلى كُوخي / والليلُ الذي يَسِيرُ عَلى أظافِرِ الفَيَضَانِ هُوَ اسْمٌ للشَّفَقِ / ولا أَجِدُ مَنْ يُشْفِقُ عَلَيَّ في هَذِهِ الشَّوارعِ المزروعةِ بالحواجزِ العَسكرِيَّةِ .

19‏/10‏/2017

إدموند هوسرل ومتاهة الظاهراتية

إدموند هوسِّرل ومتاهة الظاهراتية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 19/10/2017

..................

     لقد ارتبطَ اسم الفيلسوف الألماني إدموند هوسِّرل ( 1859_ 1938) بالفينومينولوجيا ، والتي تُعرَف بالظاهراتية أو الظاهريات . وكلما ذُكر اسم هذا الفيلسوف ذُكرت معه هذه الفلسفة التي قام بتأسيسها، وقضاءِ حياته في تثبيت دعائمها، والانتصار لها، وحشد البراهين لشَرعنتها ، وإيجاد مشروعية لها داخل الفكر الفلسفي ، والبحث عن حاضنة اجتماعية لها . فصار الفيلسوف وفلسفته وجهين لعملة واحدة ، لا انفصال بينهما . يُوجدان معًا ، ويَغيبان معًا .
     وُلد هُوسِّرل في مُورافيا لأبوين يهوديين ، لكنه تنصَّر في عام 1886 ( على المذهب البروتستانتي ) مثل الكثيرين من اليهود . واليهودُ الألمان كانوا يُعتبَرون عناصر شاذة في المجتمع ، يُنظَر إلَيهم بِعَين الرِّيبة، ويتم تصنيفهم كطابور خامس . لذلك كان الكثيرون منهم يَتنصَّرون للحصول على مصالح شخصية ، ومزايا وظيفية. ومن أجل إبعاد المشكلات عن حياتهم ، وتقديم أنفسهم كمواطنين صالحين يعيشون في قلب المجتمع ، ولا يَعيشون على هامشه .
     درس هُوسِّرل الرياضيات في فيينا ، وحصل على شهادة الدكتوراه عام 1883. ثُمَّ درس الفلسفة على يد فرانز برنتانو . قام بالتدريس في جامعة هاله ( 1887_ 1901) ، ثُمَّ في جامعتَي جوتنجن وفرايبورج (1906 _ 1916) ، حتى تقاعد عام 1929. والجديرُ بالذِّكر أن هوسِّرل هو أستاذ مارتن هايدغر . وفي عام 1933 قام النظام النازي بتجريده من مكانته العلمية ومزاياه الأكاديمية. وبعد معاناة مع المرض ، تُوُفِّيَ في فرايبورج عام 1938 .
     مِن أبرز مؤلفاته : فلسفة علم الحساب ( 1891) . بحوث منطقية ( 1900_ 1901) . أفكار : مقدمة عامة لفلسفة ظاهرية خالصة ( 1913) . المنطق الصوري والمتعالي ( 1929) . تأملات ديكارتية ( 1932) . أزمة العلوم الأوروبية والظاهريات المتعالية ( 1936) . التجربة والحكم ( 1939) .
     إن حياة هوسِّرل الفكرية مرَّت بمرحلتين : الأولى _ التأثر بالاتجاه النَّفسي ( السَّيكولوجي ) في الفلسفة . والذي يَعني النظر إلى مضامين المعرفة وحقائق الواقع باعتبارها كيانات ذاتية فقط ، لا وجود لها إلا باعتبارها ظواهر نفسية . والثانية _ الاتجاه إلى المعاني والماهيات ، والإيمان بأن التجربة هي مصدر جميع المعارف . ففي كتابه ( بحوث منطقية ) ، نفى أن تكون العلاقات المنطقية خاضعة للتأثيرات النَّفسية ، واعتبرَ العلاقاتِ المنطقية تنتمي إلى عالَم خاص ( الماهيات ) المستقلة عن العقل البشري . وهذه الماهيات بمثابة حقائق ثابتة تجعل الأفرادَ يتَّفقون حَوْلها ، فيُصدرون أحكامهم الصالحة لكل زمان ومكان ، مثل : 1+1= 2 . وهذه الماهيات ( الحقائق الثابتة ) لَيس نتيجةً للشُّعور ، وإنما يتَّجه إلَيها ويَقصدها . وهنا تبرز فكرة " القَصْدية " التي تُعتبَر النواة المركزية في الظاهراتية . وتُعرَّف القصدية بأنها " خاصية كُلِّ شعور أن يكون شعورًا بشيء " ، ولَم يحصرها هوسِّرل في دائرة الأحكام المنطقية ، بَل جعلها فكرةً عامةً لتشمل العواطفَ والقِيمَ والانفعالات .
     ومعَ أنَّه بدأ حياته متأثرًا بالاتِّجاه النَّفسي ( السَّيكولوجي ) ، إِلا أنه انقلبَ عليه سريعًا . وهذا الانقلاب الجذري يُشير إلى قلقه الذهني ، وتفكيره المستمر ، وعدم رُكونه إلى أفكار محددة أو مُسلَّمات جامدة. فهو يُغيِّر رَأْيَه إذا ظهرت له قناعة أخرى ، ويَنقلب على نفْسه وأفكاره إذا آمنَ بعدم صِحَّتها. وهذا التغير الفكري نتيجة طبيعية للعصف الذهني .
     لقد أدركَ هوسِّرل مُبكِّرًا أن الفلسفة والرياضيات عِلْمان مترابطان ومُتشابهان . وهذا لَيس غريباً . فهذان العِلْمان يَعتمدان على فكرة واحدة ، وهي التفكير المنطقي المتسلسل . وهوسِّرل   _ بالأساس _ عالِم رياضيات ، وهذا أفاده كثيرًا في حياته التي كرَّسها بالكامل لتشييد فلسفته الخاصة ( الظاهراتية ) ، وتقديمها كَعِلْمٍ متكامل قائم بذاته ، يهدف إلى الدقة والصدق في وصف الظواهر ، وتنسيقها بشكل تراتبي مُحكَم ، وشرح المعاني الإنسانية في العلوم .
     لقد اعتبر هوسِّرل الفلسفةَ منهجًا جديدًا للبحث عن الحقيقة . ووفق هذا المنظور ، قامَ بوضع مبدأين رئيسَيْن : الأول _ رفض كُل رأي سابق إلا إذا كان مُبَرْهَنًا وقائمًا على دليل واضح . والثاني _ النظر إلى الأشياء بذاتها كما هي في الشعور ، وهذه العملية تُسمَّى " الرجوع إلى الذات" التي تعني الرجوعَ إلى الوعي، مِمَّا يُنتِج وَعيًا خاصًّا (حَدْسًا ) بظواهر العالَم وماهياته . وعندئذٍ ، يَبدو العالَم ظاهرةً للشعور الخالص ، ويُواجِه الشعورُ الحقائقَ الداخلية والخارجية . وهذه هي فكرة قَصْدية الشعور عند هوسِّرل . فالشعورُ قائم على فكرة القَصْد ( الاتجاه ) . وبالتالي ، فإِن المعرفة _ عند هوسِّرل _ هي دراسة المواضيع ( الماهيات / الظواهر ) كما تبدو ظاهرةً في الشعور . وفي هذا السياق تبرز مهمة " الفينومينولوجيا " كوصف بنية الشعور في علاقته بمواضيع العالَم ، واستنباطِ معنى الظواهر / الماهيات ، بإعادتها إلى البنية المقابلة لها في الشعور . وحَسَبَ هذه الرؤية، يتحدَّد معنى الفلسفة : " العِلْم الشمولي القائم على المعرفة بالماهيات وخصائصها الثابتة " .

     ويمكن تلخيص فلسفة هوسِّرل في أمرَيْن : 1_ التشديد على الترابط بين الذات والموضوع. 2_ اعتبار الشعور شيئًا مُركَّبًا من الشعور الإنساني والشيء ذاته ، وليس عواطف وانفعالات.

02‏/10‏/2017

ياروسلاف سيفرت والطرد من الحزب الشيوعي

ياروسلاف سيفرت والطرد من الحزب الشيوعي

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 2/10/2017

...............

     وُلد الشاعر التشيكي ياروسلاف سيفرت ( 1901_ 1986) في العاصمة براغ لأسرة عُمَّالية. كانت والدته كاثوليكية مُتحمِّسة ، ووالده مناضلاً اشتراكِيًّا .
     عَرف سيفرت _ خلال سنوات حياته الأولى تحت الإمبراطورية النمساوية المجرية _ الفقرَ الذي ضرب عائلته ، كحال جميع سكان الأحياء العُمَّالية في براغ ، وخاصَّة ( حي جيجكوف ) ، حيث وُلد . ولهذا له مكانة بارزة في التَّشكل الاجتماعي ، كما أنه عالَم البؤس والاستغلال والخطيئة ، وكذلك عالَم الطبقة العاملة والمراقص الشعبية والحانات .
     وعلى الرغم مِن إرادة والديه _ الذي كان يُحبهما بإخلاص _ غادرَ الثانوية قبل حصوله على البكالوريا ، لِيُخصِّص وقته للشِّعر والثورة الاشتراكية ، التي هَزَّت العالَمَ بعد انحدارها من الحرب العالمية الأولى . وفي الثامنة عشرة من عُمره، بعد أن شاركَ لفترة قصيرة في الحركة الفوضوية ، نشرَ أُولى قصائده في صحيفة ( حق الشعب ) الاشتراكية الديمقراطية .
     في عام 1921، نشرَ أول دواوينه " مدينة الدموع " ، يومها كان يَعتبر نفسه شاعرًا بروليتارِيًّا ، وهي لافتة تَجَمَّع تحتها العديد من كبار الشعراء في عشرينات القرن العشرين .
     وقد عَبَّرَ في قصائده عن موقفه البروليتاري مِمَّا يجري حوله ، وعن تطلعاته الثورية . أمَّا في ديوانه الثاني " حُب بِحُب " ( 1923) ، فقد امتدحَ التطور التقني الحضاري التشيكي ، واللذة الحسية، والسَّفر إلى أمكنة بعيدة مجهولة، وجماليات تفاصيل الحياة اليومية . وقد شَكَّلَ هذا الديوان على صعيد الشكل والمضمون نقلةً نوعية في شِعر سيفرت نحو المذهب الشِّعري ، الذي تجلى في ديوانه " على مَوجات الأثير " ( 1925) .
     وبعد إقامته مدة عام تقريبًا في الاتحاد السوفييتي السابق ، نشرَ في عام 1926ديوان " غِناء عندليبك لا يُطرِب " ، الذي تناولت قصائدُه مسائل اجتماعية شائكة ، أدَّت إلى جانب مواقفه السياسية المنفتحة على الآخر ، إلى طرده من الحزب الشيوعي التشيكي عام 1929.
     وفي دواوينه اللاحقة ، مِثْل : " تفاحة مِن الغصن " ( 1933) . " وداعًا للربيع"( 1937)، التفتَ إلى موضوعات الوطن والطفولة وبيت الأسرة ، ولا سَيَّما موضوع الأم ، ودور المرأة في بناء المجتمع. وبسبب مواقفه الصريحة من خطر النازية على الوطن ، ومِن فاشية موسوليني وفرانكو، عادَ التقارب بينه وبين الحزب الشيوعي ، ولكن إلى حين .
     في أثناء الاحتلال النازي لوطنه ، نشر سيفرت المجموعة الشِّعرية " مروحة بوجني نيمكوفي " (1940) ، التي أكَّدت قصائدها على الوحدة الوطنية ، وعلى ضرورة تَوطيد الثقة بالنَّفْس في مُواجهة الطغيان من أجل التحرير . وفي عام 1945، صدرت له مجموعة " خُوذة مِن تراب " ، التي مَجَّدَ في قصائدها انتفاضة مدينة براغ ، وتحرُّر بلاده من الاحتلال النازي .
     في أثناء الستينات ، نشر سيفرت " كونسرت في الجزيرة " ( 1965) ، و " مُذنَّب هالي "    ( 1967) ، اللذين حملت قصائدُهما الكثير من سمات السيرة الذاتية بصدق حياتي مُؤثِّر وشعرية نفَّاذة ، فلُقِّبَ سيفرت " شاعر الأُمَّة التشيكية " . لكنَّه عندما عارضَ غزو الجيش السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا عام 1968، لإسقاط ما سُمِّيَ آنذاك " ربيع براغ " ، طُرد مُجَدَّدًا من الحزب الشيوعي ، وأُلْقِيَ عليه وعلى أعماله ستار من الصمت والتهميش ، مِمَّا دفعه إلى نشر دواوينه الجديدة في ألمانيا الغربية . وقد هيمنت على دواوين السبعينات والثمانينات موضوع الشيخوخة ومواجهة الموت ، كما في " عمود الطاعون " ( 1981) ، و " أن تكون شاعرًا " ( 1983) .
     حصل سيفرت على جائزة نوبل للآداب عام 1984. ووفقًا لموقع جائزة نوبل الرسمي ، فقد حصل على الجائزة : (( لأشعاره التي تُغطِّيها العذوبة وثروة الابتكارة ، مِمَّا يُقدِّم صورة مُتحرِّرة عن رُوح الإنسان وبراعته التي لا تُقهَر )) .
     ورأى بعضُهم أن الجائزة تكريم لجيل طويل من أولئك الكبار في الشِّعر التشيكي الحديث . وكان سيفرت الوحيد الذي لا يزال على قَيد الحياة بينهم. وفي بيان الجائزة ، جاءت عبارة اللجنة على النحو الآتي : (( أكبر شاعر وجداني خلال ألف سنة في الأدب التشيكي ، كما أنه مُعلِّم كبير مِن مُعلِّمي الشِّعر العالمي )) .
     في ديوانه الشِّعري الأخير " أن تكون شاعرًا " ( 1983) ، يعود الشاعرُ إلى مراهقته ، وإلى حُبِّه الأول :

     (( عَلَّمَتْني الحياة / مُنذُ زمنٍ طويل / أن أجمل الأشياء التي يمكنها مَنحنا إيَّاها / الموسيقى والشِّعر / إِن اسْتَثْنَيْنَا الحب طَبْعًا )) .