02‏/10‏/2017

ياروسلاف سيفرت والطرد من الحزب الشيوعي

ياروسلاف سيفرت والطرد من الحزب الشيوعي

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 2/10/2017

...............

     وُلد الشاعر التشيكي ياروسلاف سيفرت ( 1901_ 1986) في العاصمة براغ لأسرة عُمَّالية. كانت والدته كاثوليكية مُتحمِّسة ، ووالده مناضلاً اشتراكِيًّا .
     عَرف سيفرت _ خلال سنوات حياته الأولى تحت الإمبراطورية النمساوية المجرية _ الفقرَ الذي ضرب عائلته ، كحال جميع سكان الأحياء العُمَّالية في براغ ، وخاصَّة ( حي جيجكوف ) ، حيث وُلد . ولهذا له مكانة بارزة في التَّشكل الاجتماعي ، كما أنه عالَم البؤس والاستغلال والخطيئة ، وكذلك عالَم الطبقة العاملة والمراقص الشعبية والحانات .
     وعلى الرغم مِن إرادة والديه _ الذي كان يُحبهما بإخلاص _ غادرَ الثانوية قبل حصوله على البكالوريا ، لِيُخصِّص وقته للشِّعر والثورة الاشتراكية ، التي هَزَّت العالَمَ بعد انحدارها من الحرب العالمية الأولى . وفي الثامنة عشرة من عُمره، بعد أن شاركَ لفترة قصيرة في الحركة الفوضوية ، نشرَ أُولى قصائده في صحيفة ( حق الشعب ) الاشتراكية الديمقراطية .
     في عام 1921، نشرَ أول دواوينه " مدينة الدموع " ، يومها كان يَعتبر نفسه شاعرًا بروليتارِيًّا ، وهي لافتة تَجَمَّع تحتها العديد من كبار الشعراء في عشرينات القرن العشرين .
     وقد عَبَّرَ في قصائده عن موقفه البروليتاري مِمَّا يجري حوله ، وعن تطلعاته الثورية . أمَّا في ديوانه الثاني " حُب بِحُب " ( 1923) ، فقد امتدحَ التطور التقني الحضاري التشيكي ، واللذة الحسية، والسَّفر إلى أمكنة بعيدة مجهولة، وجماليات تفاصيل الحياة اليومية . وقد شَكَّلَ هذا الديوان على صعيد الشكل والمضمون نقلةً نوعية في شِعر سيفرت نحو المذهب الشِّعري ، الذي تجلى في ديوانه " على مَوجات الأثير " ( 1925) .
     وبعد إقامته مدة عام تقريبًا في الاتحاد السوفييتي السابق ، نشرَ في عام 1926ديوان " غِناء عندليبك لا يُطرِب " ، الذي تناولت قصائدُه مسائل اجتماعية شائكة ، أدَّت إلى جانب مواقفه السياسية المنفتحة على الآخر ، إلى طرده من الحزب الشيوعي التشيكي عام 1929.
     وفي دواوينه اللاحقة ، مِثْل : " تفاحة مِن الغصن " ( 1933) . " وداعًا للربيع"( 1937)، التفتَ إلى موضوعات الوطن والطفولة وبيت الأسرة ، ولا سَيَّما موضوع الأم ، ودور المرأة في بناء المجتمع. وبسبب مواقفه الصريحة من خطر النازية على الوطن ، ومِن فاشية موسوليني وفرانكو، عادَ التقارب بينه وبين الحزب الشيوعي ، ولكن إلى حين .
     في أثناء الاحتلال النازي لوطنه ، نشر سيفرت المجموعة الشِّعرية " مروحة بوجني نيمكوفي " (1940) ، التي أكَّدت قصائدها على الوحدة الوطنية ، وعلى ضرورة تَوطيد الثقة بالنَّفْس في مُواجهة الطغيان من أجل التحرير . وفي عام 1945، صدرت له مجموعة " خُوذة مِن تراب " ، التي مَجَّدَ في قصائدها انتفاضة مدينة براغ ، وتحرُّر بلاده من الاحتلال النازي .
     في أثناء الستينات ، نشر سيفرت " كونسرت في الجزيرة " ( 1965) ، و " مُذنَّب هالي "    ( 1967) ، اللذين حملت قصائدُهما الكثير من سمات السيرة الذاتية بصدق حياتي مُؤثِّر وشعرية نفَّاذة ، فلُقِّبَ سيفرت " شاعر الأُمَّة التشيكية " . لكنَّه عندما عارضَ غزو الجيش السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا عام 1968، لإسقاط ما سُمِّيَ آنذاك " ربيع براغ " ، طُرد مُجَدَّدًا من الحزب الشيوعي ، وأُلْقِيَ عليه وعلى أعماله ستار من الصمت والتهميش ، مِمَّا دفعه إلى نشر دواوينه الجديدة في ألمانيا الغربية . وقد هيمنت على دواوين السبعينات والثمانينات موضوع الشيخوخة ومواجهة الموت ، كما في " عمود الطاعون " ( 1981) ، و " أن تكون شاعرًا " ( 1983) .
     حصل سيفرت على جائزة نوبل للآداب عام 1984. ووفقًا لموقع جائزة نوبل الرسمي ، فقد حصل على الجائزة : (( لأشعاره التي تُغطِّيها العذوبة وثروة الابتكارة ، مِمَّا يُقدِّم صورة مُتحرِّرة عن رُوح الإنسان وبراعته التي لا تُقهَر )) .
     ورأى بعضُهم أن الجائزة تكريم لجيل طويل من أولئك الكبار في الشِّعر التشيكي الحديث . وكان سيفرت الوحيد الذي لا يزال على قَيد الحياة بينهم. وفي بيان الجائزة ، جاءت عبارة اللجنة على النحو الآتي : (( أكبر شاعر وجداني خلال ألف سنة في الأدب التشيكي ، كما أنه مُعلِّم كبير مِن مُعلِّمي الشِّعر العالمي )) .
     في ديوانه الشِّعري الأخير " أن تكون شاعرًا " ( 1983) ، يعود الشاعرُ إلى مراهقته ، وإلى حُبِّه الأول :

     (( عَلَّمَتْني الحياة / مُنذُ زمنٍ طويل / أن أجمل الأشياء التي يمكنها مَنحنا إيَّاها / الموسيقى والشِّعر / إِن اسْتَثْنَيْنَا الحب طَبْعًا )) .