19‏/12‏/2017

النشيد الوطني لأحزان الشتاء / قصيدة

النشيد الوطني لأحزان الشتاء / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.................

البَحْرُ يَمُوتُ جُوعاً/ وَعِظَامُ الضَّحايا تُزْهِرُ بَيْنَ الزَّيْتِ والزَّعْتَرِ / والأيتامُ يَجُرُّونَ نُعُوشَ آبائِهِم في حُقولِ البَارُودِ / والفُقَرَاءُ يَرْسُمُونَ خَارِطَةَ الوَطَنِ / بَيْنَ الرَّصاصِ الْحَيِّ والرَّصاصِ المطاطِيِّ / والأراملُ يَنْتَظِرْنَ عَوْدَةَ أبنائِهِنَّ مِنَ الْحَرْبِ / بَيْنَ صَفِيرِ القِطَاراتِ وصَفَّاراتِ الإنذارِ /
أيَّتُها الجثةُ التي تَقضي شَهْرَ العَسَلِ في ثَلاجَةِ الموتى / ماتَ الجنودُ في الخنادقِ / وَبَقِيَ أرشيفُ الضَّحايا في المتاحِفِ/ والصَّدَأُ يَأكلُ الأوسمةَ العَسكرِيَّةَ ومَسَامِيرَ النُّعوشِ / ونَخْلَةُ الدَّمِ تَصْعَدُ بَيْنَ الصَّدى والصَّدَأ / تَنْهَمِرُ أكفانُ الأيتامِ مِثْلَ قَطِيعِ الفَرَاشَاتِ / وشَعْرُ البُحَيرةِ عَلى كَتِفَيْهَا كالنَّهْرِ الْمُتَوَحِّشِ/ ودَمُ الْحَيْضِ يَسِيلُ بَيْنَ عُلبةِ المِكياجِ وعُلبةِ البِيرةِ/ تَلْمَعُ أظافرُ القَتلى في أحلامِ الطفولةِ/ كَمَا تَلْمَعُ عُيونُ الفِئرانِ في مَمَرَّاتِ مَحَاكِمِ التَّفتيشِ / هَل ماتَ قَلبي في حُقولِ الصَّدى أَم ماتت السَّنابلُ في ثُقوبِ جِلْدي ؟ / أنا التَّوازُنُ بَيْنَ بَعْثِ أحلامِ الطفولةِ وقِيَامَةِ الأمواتِ مِنَ القُلوبِ /
افْرَحْ أيُّها المنبوذُ / سَتَمُوتُ وَحيداً فَفيراً مَطْرُوداً مِن ذَاكرةِ القَبائلِ / لَكِنَّ الْحَمَامَ الزَّاجِلَ سَيَبْنِي قَبْرَكَ مِنَ السِّيراميك / كُلَّمَا هَجَمَ المساءُ عَلى قَلْبي كالأسَدِ الجريحِ / رَأَيْتُ وُجوهَ القَتْلى عَلى زُجاجِ النَّوافذِ / كُلَّمَا جَلَسْتُ في مَحطةِ القِطَاراتِ وَحيداً / رَأَيْتُ أقنعةَ النِّساءِ الْمُغْتَصَبَاتِ عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ / فيا أيُّها البَحْرُ الذي يَحْبِسُ جُثةَ البُحَيرةِ في قَلْبِهِ/ أيْنَ طَوْقُ النَّجاةِ ؟/ إِنَّ الذِّئبةَ تَبْني مَجْدَها عَلى مُؤَخِّرَتِها العَريضةِ / وَتَبْني السَّبايا بُورصةَ النِّفْطِ بَيْنَ نُهُودِهِنَّ / وأسعارُ السَّبايا يُحَدِّدُها سِعْرُ بِرْمِيلِ النِّفْطِ / والعَبيدُ يَقِيسُونَ بِقُيُودِهِم حَجْمَ نُهودِ زَوْجَاتِهِم /

كَيْفَ أكُونُ نِدَّاً للنَّهْرِ ؟ / النَّهْرُ أبي الرُّوحِيُّ / لَكِنِّي يَتِيمٌ / رُوحي مَكسورة / وقَلْبي شَظَايا / لِمَاذا نُمَجِّدُ الأحزانَ أمامَ نُعوشِ السُّنونو تَحْتَ رَاياتِ القَبائلِ ؟ / لِمَاذا نَمْدَحُ الغُبارَ على الْجُثَثِ الطازَجةِ ؟ / أحزاني هِيَ البُوصلةُ التي تَدُلُّ الشَّفَقَ عَلى ضَريحي / وعِظَامي هِيَ الْمَنَارَةُ التي تُرْشِدُ القَرَاصِنَةَ إلى جُثمانِ البَحْرِ / فيا أَيَّتُها الحضارةُ القائمةُ على جَمَاجِمِ النِّساءِ / أغشيةُ البَكَارَةِ في حَاوِيَاتِ القُمامةِ / وَدَمُ الْحَيْضِ في حُفَرِ المجاري / أيْنَ تاريخُ الأُنوثةِ ؟ / ضَاعَ الموتى بَيْنَ أُنوثةِ الأكفانِ وأُنوثةِ التَّوابيتِ / وَشَهَادَةُ مِيلادي يَكْتُبُهَا المطَرُ في المقابرِ الكريستالِيَّةِ / دَمِي الأحمرُ عَلى السَّجَّادِ الأحمرِ/ لَكِنِّي لَم أجِدْ أحَدَاً يَسْتَقْبِلُنِي / سَتَنْمُو نباتاتُ الزِّينةِ عَلى جُثمانِ الرِّياحِ / والقَنَّاصُ يُطْلِقُ رَصَاصَةَ الرَّحمةِ على الذِّكرياتِ/ لا أمَلٌ في التَّرَاجُعِ / ولا وَقْتٌ للاستسلامِ / والعَوَاصِفُ تَزْرَعُ اللونَ الأسْوَدَ في كُحْلِكِ وثِيَابِ الحِدَادِ / والنَّوَارِسُ تَرُشُّ مَاءَ البَحْرِ عَلى ضَريحي .