23‏/12‏/2017

الحمام الزاجل يوصل الرسائل للمحكوم بالإعدام / قصيدة

الحمام الزاجل يوصل الرسائل للمحكوم بالإعدام / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

............

افْرَحْ أيُّها المحكومُ بالإِعدامِ/ سَيَأكُلُ البَقُّ خَشَبَةَ الإِعدامِ/ أنتَ وَحْدَكَ الحيُّ في الأرضِ الخرابِ/ أنتَ حَبَّةُ الكَرَزِ اليَتيمةُ في الحقلِ المحروقِ / الرِّيحُ تَنْشُرُ أجنحةَ الفَراشاتِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / وَبَنَاتُ آوَى تَأكُلُ حَبْلَ مِشْنَقتي / فَأَصِيرُ رُومانسِيَّاً كالجرادِ / انسَ اسْمِي في أرشيفِ الضَّحايا / وَاحْفَظْ رَقْمَ زِنزانتي / أسماءُ السُّجَنَاءِ هِيَ أرقامٌ / والمرأةُ الغامضةُ تَحُلُّ مُعَادَلاتِ الرِّياضياتِ في لَيالي الشِّتاءِ / وَدُمُوعُ اليَتيماتِ أمامَ مَوْقَدَةِ الخريفِ / تَزِيدُ مَنْسُوبَ المِلْحِ في شَراييني النُّحاسِيَّةِ / وَأشِعَّةُ القَمَرِ تَبكي بَيْنَ أرقامِ الزَّنازينِ وأرقامِ القُبورِ / مَقْبَرةٌ قَديمةٌ بِلا بَوَّابةٍ / لَكِنَّ البَحْرَ هُوَ البَوَّابُ / الذي يَحْرُسُ مَوْتَ السَّنابلِ في أوردةِ الغَيْمِ /
بُقَعُ النِّفْطِ عَلى جُلودِ السَّبايا / والأكفانُ نظيفةٌ بَيْنَ عُلَبِ السَّرْدِينِ وَعُلَبِ المِكياجِ / ذَهَبَتْ أُمِّي إلى الموتِ / وَبَقِيَتْ ضِحْكَتُهَا في الْمَمَرَّاتِ البَاردةِ / نَكْتُبُ أرقامَ الضَّحايا عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ/ والرِّيحُ تَكْتُبُ وَصَايَا الأشجارِ عَلى حِيطانِ الزَّنازين / نَذْبَحُ الذِّكرياتِ بالخناجرِ / وَنَطْعَنُ ظِلالَ القَتلى بأحلامِ الطفولةِ / تَزَوَّجَ النَّهْرُ بَنَاتِ أفكاري / وأنا العَانِسُ الأخيرُ في مُدُنِ الكُوليرا / يُغَسِّلُ الليلُ جُثةَ البُحَيرةِ بِدُمُوعِهِ / جَسَدُ الزَّوابعِ كَالغِرْبَالِ مِن أثَرِ الرَّصاصِ / والأطفالُ يَجْمَعُونَ الرَّصاصاتِ كَطَوَابِعِ البَرِيدِ النَّادرةِ / والفَراشةُ تَغْسِلُ مَسَامِيرَ نَعْشي بِمِلْحِ دُمُوعِهَا /
قَلْبي حَاكِمٌ عَسكريٌّ عَلى القِطَطِ الشَّريدةِ في قُرى الملاريا / وَجُثتي هِيَ مَحكمةُ أَمْنِ الدَّولةِ / لَكِنَّ الدَّولةَ مَاتتْ / وَاكْتَشَفْنَا جُثمانَ الوَطَنِ في الأغاني الوطنيةِ / أنا الْمَنْفِيُّ في شَراييني المعدنيةِ /   لا دَوْلَةٌ وَرائي / وَلا رَايةٌ أمامي / والتَّوابيتُ الضَّوئيةُ تَتساقطُ كالذبابِ البلاستيكيِّ / فَكُنْ يَا حَفَّارَ قَبْرِي شَاهِدَاً عَلى مَوْتِ أُغْنِيَاتي/ كُوني يَا أشجارَ المقبرةِ حَاجِزَاً عَسكرِيَّاً / بَيْنَ الرُّومانسيةِ والكِفَاحِ الْمُسَلَّحِ / الْجُثَثُ مُتَنَاثِرَةٌ في الشَّوارعِ / وعُمَّالُ النَّظافةِ يَسْحَبُونَ جُثتي مِن حُفَرِ المجاري / وَتَمْشي الرَّاقصاتُ في الجِنازةِ العَسكرِيَّةِ /
القَنَّاصُ في بُرْجِ الكَنيسةِ / والأسماكُ تَسْبَحُ في دِمَاءِ الرَّاهباتِ / كَسَرَ الإعصارُ قَارورةَ الحِبْرِ عَلى فِرَاشِ الموْتِ / ذَهَبَتْ أُمِّي إلى الموْتِ / لكنَّ ضَفَائِرَها تَتَوَهَّجُ في مَمَرَّاتِ الصَّقيعِ / ذَهَبَ أبي إلى الموْتِ / لَكِنِّي أشُمُّ رَائحةَ عِطْرِهِ في أرشيفِ الضَّحايا /

أيُّها الحِصَانُ الجامحُ في بَراري الدَّمِ / سَيَقْتُلُكَ ضَوْءُ القَمَرِ في ليالي الخريفِ / حَفَّارُ القُبورِ مَشغولٌ بِحَفْرِ قُبورِ الغرباءِ / ولا يَعْرِفُ مَن سَيَحْفِرُ قَبْرَهُ عِندَما يَمُوتُ .