05‏/02‏/2018

لا تلهث وراء الحب

لا تلهث وراء الحب

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد 

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 5/2/2018

............

 [1] لا تَلْهَثْ وَراءَ الْحُبِّ . اتْرُك الْحُبَّ يُفَتِّشْ عَنكَ .
     كُن طَبيعيًّا وتِلقائيًّا . لا تَحْصُرْ تفكيرَك في الحبِّ ، ولا تُفكِّر في كَيفية العُثور عَلَيه . عِشْ حياتَك بشكل طبيعيٍّ . سَيَظهر لَكَ الحبُّ بشكل غَير مُتوقَّع في المكان والزمان الغَرِيبَيْن ، كما يَظهر الضَّوءُ في غابةٍ كثيفة الأشجار . كما يَظهر لَكَ صَديقٌ قديمٌ انقطعتْ أخبارُه مُنذُ مُدَّةٍ بَعيدة. فَتِّشْ عَن الحبِّ في داخلك ، ولا تُفَتِّشْ عَن الحب في الخارج . الحبُّ في دَاخلك يحتاج إلى تَنقيب مستمر وبحث دائم ، أمَّا الحبُّ الخارجيُّ فَسَوْفَ تَحْمِلُه لَكَ الأيامُ عَاجِلاً أو آجِلاً . اشتغِلْ بالعَمَلِ، ولا تُفكِّر بالنتيجة .
[2] مَنْ يُؤلِّف الكُتبَ كَي يُصبحَ مَشهورًا ، سَيَبْقَى مَغمورًا .
     لا مَعْنَى للركض وراء الشُّهرة . الشُّهرةُ مَجْدٌ زَائلٌ . اهْرُبْ مِنَ المجدِ يَتْبَعْكَ المجدُ . لَوْ خَطَّطَ الإنسانُ للشُّهرةِ بالوَرقةِ والقَلَمِ ، فَلَن يَحْصُلَ عَلَيها ، لأنَّها أمرٌ خارجٌ عَن إرادته . وظيفةُ الإنسانِ أن يَمشيَ في الطريقِ، ولَيْسَتْ وظيفته أن يَصِلَ. مُطَالَبٌ أنتَ بالعملِ الدَّؤوبِ،ولَسْتَ مُطَالَبًا بالنتيجة.
[3] جَرَّبْتُ كُلَّ الْمَنَافي الأرضيةِ فَأُصِبْتُ بالْمَلَلِ . أُرِيدُ مَنْفًى في كَوْكَبٍ آخَر .
     كَيْفَ يَهربُ المحكومُ بالإعدامِ وَهُوَ مُحاصَرٌ بِقُضبان الزِّنزانة ؟. كَيْفَ يَهربُ الإنسانُ مِنَ الموتِ والموتُ يَطْلُبُهُ ؟ . الأنا هُوَ الآخَر ، والآخَرُ هُوَ الأنا . الوطنُ هُوَ المنفَى ، والمنفَى هُوَ الوَطنُ . والإنسانُ وُلد غريبًا ، وسيظلُّ غريبًا .
[4] الْخُطوةُ الأُولَى في طَريقِ الإبداعِ أن تُؤْمِنَ أنَّكَ مُخْتَلِفٌ .
     أنتَ مُمَيَّزٌ . لَيْسَ بِمَعنى أنَّكَ أفضلُ مِنَ الآخرين ، ولكنْ بِمَعنى أنَّ لَدَيْكَ شيئًا لا يَمْلِكُه الآخرون، وهو بَصمتك الشخصية . كُن نَفْسَكَ ، ولا تُقَلِّد الآخرين . ارْفُض الذَّوَبان في الآخرين. أقصرُ طَريق للعبقرية أن تَكون نَفْسَكَ ، ولا شَيْءَ آخَر . لَن يَحترمَك الناسُ إذا كُنتَ الصَّدى . كُنْ أنتَ الصَّوْتَ لِتَفْرِضَ احترامَكَ على الناسِ. حَتَّى لَوْ كُنتَ صَوتًا مَبحوحًا. إنَّ الصَّوت المبحوح أفضلُ مِنَ الصَّدى النقيِّ . لا مُقَارَنة بين الأصل والنُّسخة المزوَّرة . لا تَتْرُك الآخرين يُفكِّرون نِيابةً عَنْكَ، اصْنَعْ حَيَاتَكَ بِنَفْسِكَ، وضَعْ بَصْمَتَكَ الشخصيةَ. إِنْ بَقِيتَ ساكتًا، فإِنَّ الآخرين سَيَتَحَدَّثون باسْمِكَ ، ويَسرقون حَياتكَ مِنْكَ .
[5] عَدُوِّي الموجودُ في دَاخِلي أكثرُ خُطورةً مِن عَدُوِّي الخارجيِّ .
     مَن الذي سَيَأكلُ الغَنَمَ : الرَّاعي أَم الذِّئبُ ؟. عَدُوِّي الكامنُ في دَمي أكثرُ خُطورةً لأنَّهُ يَعيشُ في شَراييني ، ويَرى أحلامي ، ويُشاهِدُ ذِكرياتي ، ويَطَّلِعُ عَلى مشاعري . إنَّهُ مُطَّلِعٌ على نقاط قُوَّتي ونقاط ضَعْفي . سَأُغْلِقُ بابَ بَيتي أمامَ عَدُوِّي الخارجي ، أمَّا عَدُوِّي الداخلي فيعيشُ مَعي .
[6] مُشكلةُ بَعْضِ الأُدَباءِ أنَّهم أكبرُ مِن بِلادِهم .
     يَصِلُ بعضُ الأدباء إلى رُتبةٍ سَامِيَةٍ مِنَ الفِكْر والإبداع والتأثير العالميِّ . والْمُفارَقةُ تَبْرُز إذا كانوا يَنتمون إلى دُوَلٍ فاشلةٍ لا تأثير لها على الساحة الدَّولية . وعندئذٍ ، يُصبح هذا الأديبُ أكبرَ مِن وَطنه . وهذا أمرٌ غَريبٌ يُشَكِّلُ أزمةً رُوحيةً عميقةً في النَّفْسِ البشرية .
[7] سَتَصِيرُ حَيَاتُكَ بَالغةَ الصُّعوبةِ عِندَما تَكُونُ ذَكِيًّا بَيْنَ الأغبياءِ .
     عِندَما تَكونُ بَصيرًا بَيْنَ العُميانِ ، مِنَ الطبيعيِّ ألا يُصَدِّقُوا أنَّكَ بَصيرٌ . البَصيرُ بَيْنَ العُميانِ كالأعمى بَيْنَ الْمُبْصِرِين . والعَالِمُ بَيْنَ الْجُهَّالِ كالجاهلِ بَيْنَ العُلَماء . لا يَعْرِفُون قَدْرَهُ ، وسَوْفَ يَقْضُون على مُستقبله . ومَهْمَا كانَ الإنسانُ عَبقريًّا، ويَمتلك قُدراتٍ خارقة ، فهو مَحصورٌ في الزمان والمكانِ ، ومُحَاطٌ بالناسِ ، سَوَاءٌ أحَبَّهم أَم كَرِهَهُم . لَن يَتحرَّرَ مِنَ الناسِ ، حتَّى لَوْ عَاشَ في مَغارةٍ مُنعزِلة عَن العالَم. والذكاءُ الحقيقيُّ هُوَ التَّكَيُّفُ مَعَ المحيطِ الاجتماعيِّ تَأثُّرًا وتأثيرًا . والذكاءُ الاجتماعيُّ لَيْسَ نِفاقًا أو مُجَامَلةً ، وإنما هُوَ تَحويلُ الشَّخصِ الفاشلِ إلى ناجحٍ ، وتَحويلُ الناجحِ إلى أُسطورة .
[8] شَيْءٌ مُؤْسِفٌ أن تَهْزِمَ أعداءَكَ الحقيقيين وَتَنهزمَ أمامَ عَدُوٍّ وَهْمِيٍّ اخترَعَهُ خَيَالُكَ المريضُ .
     الوَهْمُ هُوَ العَدُوُّ الأكثرُ شَراسةً ، إِنَّهُ نِهايةُ الإنسانِ ، وانتهاءُ الحضارةِ . نَحْنُ مَرْضَى بالوَهْمِ . حَياتُنا تَنظيرٌ وصُراخٌ وبَحْثٌ مستمر عن المجدِ الضَّائع . لأنَّنا فاشلونَ في الحاضر ، نَهربُ إلى أمجادِ الماضي التي صَنَعَها أجدادُنا . نَحْنُ عِظَامِيُّونَ لا عِصَامِيُّون . نَبني أمجادَنا الشَّخصيةَ الوهميةَ على عِظام آبائنا . نُحَوِّلُ هَزائمَنا في المعاركِ إلى انتصاراتٍ في الأغاني الوَطنية على شَاشةِ التلفاز . وإذا هَزَمْنا أعداءَنا على أرضِ الواقع، فإنَّنا نَجْلِدُ ذَواتنا، ونُشكِّك في قُدراتنا، ونَخترع أوهامًا تَغتالُ أحلامَنا ، وتَكسر أقواسَ النَّصرِ . إنَّ حياتَنا هي الوَهْمُ الْمُعَلَّبُ في عُروقنا . ولَن نستطيع الهربَ مِن دِمائنا .
[9] عَدَمُ كَسْرِ الأبوابِ والنوافذِ لَيْسَ دَليلاً عَلى انعدامِ السَّرقةِ .
     هُناك لُصوصٌ شَعْبِيُّون أصحاب ثِيابٍ رَثَّة، مُوَزَّعُون في الحافلات والأسواق الْمُزْدَحِمَة. وَهُناك لُصوصٌ يَرْتَدُون رَبطاتِ العُنُقِ ، يَظهرون على التِّلفاز ، ويُنَظِّرُون في العدالةِ الاجتماعية والوَحْدةِ الوطنية ومُحارَبةِ الفساد . نَبْحَثُ عَن اللصِّ ذِي الثِّيابِ الرَّثةِ . ولا نَبحثُ عَن اللصِّ صاحب رَبطة العُنُقِ الأنيقة . اللصوصُ يَسْرِقُون الملايين ، وهُم جالسون وَراءَ مكاتبهم التي تُزَيِّنُها الأعلامُ الوَطنيةُ وصُوَرُ القادةِ والزُّعَماء . الوطنُ صَفقةٌ تجارية . والشُّعوبُ فِئران تجارب . يُلقي لُصوصُ الوَحدةِ الوطنيةِ أحاديثَ الشرفِ والمجد عَلى الجماهير الْمُخَدَّرَةِ اللاهثةِ وراء رغيف الخبز ، ثُمَّ يَسْرِقُونها بِاسْمِ الوطن والمستقبَل الْمُزدهِر .
[10] اللغةُ هِيَ خَطُّ الدِّفاعِ الأوَّلُ عَن الْهُوِيَّةِ والحضارةِ .

     سِرُّ اللغةِ كامنٌ في طاقتها الرَّمزية . وهذه الطاقةُ هي الحاملةُ لشرعيةِ الإنسانِ ، ومشروعيةِ الجماعةِ ، ومَشروعِ الحياة بِكُلِّ تفاصيلها . والرَّمْزُ هُوَ العُنصرُ القادرُ على مُواجَهة الخرافاتِ المتوحِّشةِ والأساطيرِ الْمُوحِشة . اللغةُ هِيَ الجسدُ ، والأبجديةُ هِيَ شَمْسُ الرُّوحِ . اللغةُ وَمضةٌ ضَوئيةٌ أوْ شَرارةٌ ناريةٌ في غاباتِ الْحُلْمِ .  تُصْبِحُ الأبجديةُ مَعشوقةً تُداوي جُروحَ القلب. ونحفر خنادق أحزاننا في رياح اللغة لننتزع الفرحَ من عيون الفقراء والأيتام والضَّحايا . كُلُّ وَمْضٍ جَسَدٌ . والْحُلْمُ يُولَد مِن احتضار الزَّمَكَان . والزَّمانُ والمكانُ شَبَحَان يُخيِّمان على تفاعلات الأنساق البشرية .