01‏/11‏/2018

متى تنتهي غربة الروح ؟

متى تنتهي غربة الروح ؟

للمفكر والشاعر/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 1/11/2018

.................

( 1 )
     نبحث عن البصيرة في المدن العمياء. قد نجدها، وقد لا نجدها. الحياة غير مضمونة النتائج ، وغير معروفة العواقب . نقضي وقتنا في السباحة على أمل الوصول إلى بَر الأمان . نسبح في المنطقة العميقة، وبَر الأمان بعيد. لكنَّ الأملَ هو قَمَرُنا في ممرات الذكريات الموحشة ، وهو سلاحنا في متاهات القلوب الموحشة .
(2)
     نغرق في الاحتمالات ، لأن الخيارات في بلاد الموت قليلة . وضِفَّتَا نهر الدموع مزروعتان بالأشواك . تُولَد أحزاننا بين الشك واليقين . ونعيش في بلاد تُنكِر وجوهنا ، وتُحطِّم أحلامَنا ، ولا تعرفنا أحياءً ، ولكنها تمدحنا عندما نموت . بلادٌ لا تتذكر الإنسانَ إلا إذا كان ميتًا ، وكأن الموت هو شهادة حُسن السيرة والسلوك اللازمة للحصول على الوظيفة .
(3)
     ننظرُ في المرايا، لكننا نخاف من رؤية وجوهنا. نبحث في لمعان المرايا عن أحلام الطفولة البعيدة. والمرايا هي صورة آبائنا الراحلين بين السراب والصحراء . سيبكي السرابُ على صدر الصحراء في زمن الرصاص . ونحن الأيتام المنسيون . نبحث عن جُغرافيا قلوبنا في تاريخ الحب الضائع .
(4)
     نَحِنُّ إلى الأشياء الغامضة ، ونأمل أنها تحمل لنا الخلاص . ولكنْ لا خلاص لنا إلا بالتحرر مِن الوحوش الساكنة في ذواتنا . نبحث عن السعادة في البيئة المحيطة بنا ، ولكن السعادة تنبعث من دواخلنا . نسعى إلى السلام مَعَ الناس المحيطين بنا ، ولكننا نخوض حربًا طاحنة بيننا وبين أنفسنا .
(5)
     الأبوابُ كثيرة . ولا نزال نبحث عن المفاتيح . كم نحتاج من الوقت لتجربة المفاتيح كي نحصل على المفتاح المناسب ؟ . هل ندرس تاريخ الطريق أَم تضاريس خطواتنا ؟ . لا وقت لآباء الجنود المهزومين كي يدفنوا أبناءهم . ولا مكان للأوسمة الصدئة في أزقة الكوليرا .
(6)
     الصقر الوحيد لَم يجد مَن يَدفنه إلا الوهم. لن يتخلى البشر عن الوهم ، ولن تتخلى الصحراء عن السراب . الوهم طَعْمُه حُلْو ، ولكن تأثيره قاتل . إنه السُّم اللذيذ ، لكنه مُميت .
(7)
     نضحك في طريق الانتحار التدريجي . أُمُّةٌ تُدمِّر نفسها بنفسها . والأعلام مُنكَّسة في حروب القبائل . هُدنةٌ بين القاتل والضحية . لا قانون في ممالك السراب إلا الرمل ، ولا دُستور في مُدن الهزيمة إلا البكاء .
(8)
     أينَ أنتِ أيتها الحضارة ؟ . أشلاؤنا هي جذور الأشجار . والأغصانُ تمتدُّ في عُرُوقنا . نبكي ، ونُخفي دُموعنا . ونضحك كي نضحك على أنفسنا ، وهذا الضَّحِك هو الجزء الظاهر من جبل الجليد ، وما خَفِيَ أعظم .