16‏/03‏/2019

الحزن ومعنى الحياة

الحزن ومعنى الحياة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 16/3/2019

...................


1

     هل الحزنُ خشبة المذبح التي تتمدَّد عليها أجسادُنا ، أَم عملية تطهير لأرواحنا الغارقة في فوضى الاستهلاك الخانقة ؟. نعتبر الحزن وحشًا كاسرًا ، ونحاول أن نهرب منه، لكن هذا الوحش ساكن فِينا. والهربُ مِنه كالهرب مِن ظلالنا . ولا أحد يهرب مِن ظِلِّه . ينبغي تحويل الحزن من نقطة ضعف إلى نقطة قوة، ومِن عقبة في طريق أحلامنا إلى وقود لتحريك قطار أعمارنا نحو القمة.

2
     نبحث عن معنى أرواحنا في حُطام قلوبنا. ونُفتِّش عن جدوى حياتنا بين الأنقاض . لكن الحياة مستمرة بكل آلامها ومصاعبها ، لأن الإنسان كائن متأقلم مع كل الظروف ، وقادر على العَيش في البيئات المعادية . والإنسانُ سيشعر بأهمية عُمره عندما يُحوِّل النقمة إلى منحة ، والذكريات إلى كيان محسوس ، والخيال إلى واقع ملموس .

3
     أين نجد ذواتنا في زحمة الوجوه وضجيج الأصوات ؟. تسيل أعمارنا بين أصابعنا ، كما يسيل المطر بين شقوق جُلودنا. ونظل نركض وراء الظلال الغامضة في زوايا قلوبنا . كأن أوردتنا طرقات مُغطاة بالثلوج الوهَّاجة . ولن يأتيَ أحد لمساعدة أحد .


4
     اللغةُ هي وعاء الأحلام ، ومخزن الذكريات ، ومستودع الأسرار . ولن تقوم قائمة للإنسان إلا إذا بنى وجوده على اللغة . والقوةُ الرمزية في اللغة هي شرعية الوجود الإنساني فرديًّا وجماعيًّا . وكلما تعاملنا مع اللغة باعتبارها كيانًا معرفيًّا قادرًا على منحنا الخلود ، خلود اللحظة وخلود الذكرى ، أدركنا أن الألفاظ والمعاني أكبر من دائرة الخِطاب ووسائل الاتصال .

5
     عندما تنتقل الأحلامُ البشرية من إطار الحتمية إلى فضاء الاحتمالية ، تنفتح المعاني الوجودية الإنسانية على الوعي والوعي المضاد . وهذا يضمن تكوين معادلة متوازنة من الفكر والنقد . وعلى الإنسان أن يَسعى لمعرفة وجهة النظر المخالفة لوجهة نظره ، لأن الاكتفاء بوجهة النظر الشخصية، هو تخندق في زاوية ضيقة، وغرق في فكر أحادي معزول عن باقي التيارات الفكرية . وهذا الأمر في غاية الخطورة ، لأنه يُوهم الإنسان بأنه يمتلك الحقيقة المُطْلقة ، ويحتكر الحق الكامل . وهذا الغرور هو مقبرة الإبداع ، ونهاية الفكر الإنساني الراقي .

6
     كلما وَجد الإنسانُ نَفْسَه وَجد الآخرين . وإذا أضاعَ الإنسانُ نَفْسَه أضاعَ الآخرين . وهذا يعني أن النفس الإنسانية الشخصية هي المحور المركزي في العلاقات الاجتماعية ، والركيزة الأساسية في الروابط المعرفية . وأية عملية تغيير في المجتمع ، ينبغي أن تنطلق من الذات الفردية باتجاه الذوات الجماعية ، لأن الفرد المُبدِع هو صاحب المبادرات ، وهو الذي يرمي الحجر في الماء الراكد ، وهو الذي يُعلِّق الجرس . وجرسُ الإنذار قد يُشيع الخوف لفترة زمنية قصيرة ، ولكنه وسيلة فعَّالة للحفاظ على الحياة ، وضمان البقاء في الظروف الصعبة . وهكذا ، يكون الخوف سبيلاً للسلامة ، وطريقًا للنجاة . ومَن خوَّفك حتى تلقى الأمنَ ، أفضل مِمَّن أمَّنك حتى تلقى الخوفَ. ومَن أبكاك بقول الحقيقة وصدمك بالحق ، أفضل مِمَّن أضحكك بقول الأكاذيب ، وأنعشكَ بالوهم .