25‏/06‏/2019

ذاكرة بين الشفق والقبور / قصيدة

ذاكرة بين الشفق والقبور / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..............

     لا أَجِدُ مَا أُفْطِرُ عَلَيْه / أَعْطاني الشَّفقُ سَبْعَ تَمراتٍ / طِرْتُ فَرَحاً كأجفانِ الكَهْرمان / ذَهبتُ إلى المقبرةِ كَالوَرْدةِ التي شَنَقتْ عِطْرَها / وَجَلَسْتُ بَيْنَ القُبور / انتظرتُ المطرَ كَي يُفْطِرَ مَعي لكنه لَم يَأْتِ/ وانتظرتُ أَبي لكني تذكرتُ أنه ماتَ/

     كُلُّ الفَتَياتِ اللواتي أحببتهنَّ تَزَوَّجْنَ غَيْري/ وَذَهَبْنَ إلى شُققِ الأحياءِ الرَّاقيةِ / وأنا أمسحُ القُبورَ مِن ياقوتِ المذابحِ/ وأُنظِّفُ الغبارَ مِن عَرَقِ الأعشابِ السَّامةِ / أُحِبُّ الموْتى وَهُم يُحِبُّونني / أَعْرفُ أبجديةَ الأمواتِ / ولا أَعْرفُ أبجديةَ الأحياءِ /

     وفي عِيدِ الأحزانِ / يَأْتي الأغنياءُ على أجنحةِ الفراشاتِ / أراهم مِن بَعيدٍ / ولا أقتربُ مِنهم لِكَيْلا يظنوني شحَّاذاً / لا أَمْلِكُ إلا ثَوْباً واحداً / وعِندما يتَّسخُ أَغْسِلُه بماءٍ مَلِيء بِدَمْعي/ وَخَالٍ مِن الصَّابونِ / أَضَعُه على حَائطِ المنفى / وأختبئُ في القَشِّ/ لَسْتُ نَعَامةً / كان الأطفالُ يَأْتون مَعَ أَهْلهم/ وَيَلْعبون بِكُرياتِ دَمي الخضراءِ/ يَرْكبون على ظَهْري/ ويقولون: (( امْشِ أيها الحصانُ )) / ويَرْحلون / لَهُم أَهْلٌ / وَلَيْسَ لِي أهلٌ إلا الأموات / حَتَّى الأحصنةُ لها إِسطبلاتٌ تَعيشُ فيها /

     لا تَقْتليني / إِنَّكِ قَتَلْتِنِي ولم تَدْفعي دِيَتِي/رُموشي قَوافلُ مِن البَدْوِ الرُّحَّلِ/ التُّرابُ المشرَّدُ وَدُموعي / وَعُمَّالٌ يَموتون وَهُم يَحْفِرون قَناةَ السُّويسِ / بَوَارِجُ تمرُّ مِنها لِتَحْرِقَ الجوامعَ / وَتَخْطُفَ خُبزي وَكُوفِيَّةَ أبي/ لا تقتليني / عَيْناكِ تَرْسمان في لَيْمونةِ نزيفي ظِلالاً للرُّمْحِ اليتيمِ / الأنينُ القادمُ مِن أهدابكِ يُكَهْرِبُني / اقْرَئي الفاتحةَ على جُثماني / وَالسَّلامُ عَلَيْنا / انظري إلى دُبِّ الباندا/ يُحاوِلُ مُواساتي وَهُوَ في القَفَصِ / وكِلانا في القَفَصِ / تَذْهبين مَعَ الصُّخورِ المذهَّبةِ إلى نَشيدِ اللوْزِ / كُوني مُخْلِصَةً لَهُ / 

     كِتاباتُ الصَّبايا على أعقابِ البَنادِقِ / يَا صَاحِبِي / أَنْتَ أَجْمَلُ مِنْ رُسُومَاتِ الضَّبَابِ عَلَى أَجْفَانِ الْخَنْجَرِ / النِّصَالُ تَأْكُلُ السُّطُورَ فِي دَفْتَرِ الرِّيَاضِيَّاتِ / لِلضَّوْءِ عَشِيرَتُهُ / أَخْرِجْنِي مِنْ حِسَابَاتِ الدُّمُوعِ الْبَرِّيةِ / وَخُيُولِ الدَّوْلَةِ الْبُولِيسِيَّةِ / لأُمْسِكَ شَكْلَ اسْمِي فِي مَرَايَا الْوُجُوهِ السَّرِيعَةِ / حِينَ تَعْبُرُ ازْدِحَامَ الْقَتْلَى الْمَارِّينَ فِي الأَسْوَاقِ /

     لا أَطْلُبُ مِنْكِ سِوَى خُبْزِ الذِّكرياتِ وقَهْوةِ الإعدامِ / لا تَضْرِبي القِطَّةَ العَمْياءَ / لأنها تُحِبُّني / وأُحِبُّ وَجَعَ النيازكِ / وَقُولِي للبكاءِ ألا يُلوِّثَ حَناجرَ الزَّيتونِ بالصَّليلِ المالحِ .