28‏/06‏/2019

غزالة فارسية في علبة الكبريت / قصيدة

غزالة فارسية في علبة الكبريت / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..............

     تَحِيَّةً لأبي الذي دَمَّرَ حياتي ! / لِوَطني الذي نَسَفني بَيْدراً بَيْدراً / لِزَوْجي الذي قَتَلني في حَريرِ المشانقِ / إِنْ صَبَّتْ مَلامحُ النارِ عَرَقَكِ في عَرَقي تَسَمَّمْتُ / أَصيرُ تُراباً في فِضَّةِ المكانِ النَّازفِ/ يَا صَهِيلَها/ أنتَ ترى بِعَيْنَيْكَ / لَكِنَّكَ لا ترى عَيْنَيْكَ / أنتَ تَسْمعُ غِناءَ البَارودِ / لَكِنَّكَ لا تَسْمعُ دَقَّاتِ قَلْبِها /
     قَلْبي يَنْتحرُ بَيْنَ شَعيرِ النِّسْيان وَصَوَامعِ الحريقِ/ لم يَتزوَّج الميناءُ / لا أَحَدٌ يَستحقُّ حَمْلَ اسْمِه / ولا امرأةٌ تستحقُّ أن تَحتفظَ بأبنائه في رَحِمِها / يَطْرحُ غِيابُ الأُقحوان في الشُّروقِ أسئلةً على الدَّمارِ / لماذا تهاجمُ بَناتُ الفرنجةِ أغشيةَ بكارتهنَّ بالْمَنجنيق؟/ لماذا عُقولُ السَّائحاتِ في أفخاذهنَّ البيضاءِ المكشوفةِ للجماهيرِ الجائعة؟/ لماذا تتمنى الرَّاهبةُ وُجودَ زَوْجٍ عَلى سَرِيرها ؟ /
     أُنشودةٌ حَزينةٌ / والأَسْرى بَعيدون عَن جدائلِ الزَّوْبعةِ / الرِّياحُ خَالتي / ونحنُ نَبْحثُ عَن ضَريحِ أُمِّي / لم أَجْرَحْ قَلْبَ العُشبِ / لأنَّ بِدايةَ الخريفِ نهايةُ شَراييني / استقالةُ الصُّخورِ على مِمْحاةِ الفَيَضانِ / وأولادُ الشَّوارعِ يَتَبَخَّرون في مَوْسمِ هِجْرةِ الطُّيورِ / وَكُلَّ صَيْفٍ / تَحْرِقُ لَندنُ نِساءَها المغْتَصَباتِ في المزْهريات /
     أيْنَ يَختفي اليَتامى في البَنَفْسَجِ المشْتَعِلِ ؟ / تَرْكضُ الشُّموعُ القديمةُ إلى القبورِ المزَخْرَفَةِ / نَجْمعُ أجزاءَ الحُزْنِ في عُلَبِ المِكْياجِ الفارغةِ / ونملأُ صَمْتَنا بأبجدياتِ الغروب / تَنتظرُ الذاكرةُ خَطِيبَها عِندَ حافَّةِ قَبْرِه / لكنَّهُ لم يَأْتِ / وَأَتَت الممرِّضاتُ بَعْدَ انتهاءِ المجزرةِ / تتَّسخُ ثِيابُ الفَراشةِ في أرشيفِ الإِبادةِ الجماعيةِ / والتاريخُ يُوقِفُ سَيَّارته في مَتْحَفِ التَّطْهيرِ العِرْقيِّ /
     صُراخُ بَناتِ الليلِ يَبْلعُ المقابرَ الزُّجاجيةَ / وَحَبْلُ أفكارِي تَرْميه نِساءُ الرَّاعي في البِئْرِ العَمْياءِ / الذِّكرياتُ بُرتقالةُ الإِعدامِ / فَيَا صَفِيرَ القِطاراتِ التي لا تَعُود / لماذا تُزيِّن جُثمانَكَ بِالوُرودِ الصناعيةِ ؟ / كُنْ كَالمِلْحِ سَاكِناً في الخبزِ والدُّموعِ /
     كَأَنَّ خَدِّي لَيْمونةٌ مَنقوعةٌ في بَراميلِ البارودِ/ كَانت أَحْصِنَةُ السَّحَابِ جَديلةً للفَراشةِ الحزينةِ / يَا صِحَابُ / أَيْنَ قُتِلْتُمْ يَا صِحَابُ ؟!/ انكسَرَت الإبرةُ في بُوصلةِ الرُّبَّانِ الْعَائِدِ مَعَ كُلِّ تَوَابِيتِ الفَجْرِ / عُرُوقي خَنْدَقٌ لِلْحِبْرِ السَّجين / تَحِيَّاتُ الدَّلافِينِ فِي كَهْرَمَانِ الْبَوَاخِرِ الْغَارِقَةِ / وأنا الغريقُ في مَعِدَتِي الطَّرِيدَةِ / وَمَا زَالَ الدِّينَامِيتُ يَسْمَعُ وَقْعَ نِعَالِ الْغَابَاتِ فِي الجِنَازَةِ .