12‏/07‏/2019

عشت غريبًا ومت غريبًا / قصيدة

عشتُ غريبًا و مِتُّ غريبًا / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     لَمْ تَقْدر التَّنورةُ فَوْقَ الرُّكبةِ/ عَلى قَتْلِ الحزنِ في عَيْنَيْكِ / رَميتُ السِّجنَ خَلْفَ قُضبانِ قَفَصي الصَّدْريِّ / أنا القتيلُ الأنيقُ في حَضاراتِ السَّرابِ/  لأني مَا كَتبتُ الشِّعْرَ تحت شُرفاتِ العاهراتِ / لأني ما قَدَّمتُ قصائدي لبغايا بني إسرائيل / لأني لم أُصاحِب اليَهودياتِ الثرياتِ في مَكاتبِ الشَّركاتِ في نيويورك / لأني مَا كَتبتُ رَسائلَ الغرامِ للملكةِ فكتوريا / لأني لم أُنَسِّق صَفَقاتِ الرَّقيقِ الأبيضِ في البَيْتِ الأبيض / لأني لم أُهَرِّبْ أفخاذَ المراهِقاتِ في حَقيبةِ الأزرارِ النَّوويةِ / لأني مَا صَوَّرْتُ المرْقَصَ عَلى طَوابع البريدِ/ لأني فَضحتُ الكَهَنةَ وَهُم يَتحرَّشون جِنْسياً بالرَّاهباتِ / لأني لم أَبِعْ سَائلي المنَوِيَّ في زُجاجاتِ الشَّمبانيا /
     لِلْجَسَدِ بَصْمةٌ كالبُرتقالِ / تَشُقُّ الغَمَامَ وَفِضَّةَ الهاويةِ / تَطيرُ العُقبانُ باتجاه جَسدِ السَّجين / يَكسرُ القمحُ جِرَاحاتِ السُّنونو كَقِطَعِ الشُّوكولاتة/ هَرَبْتُ مِن أغلالِ الزُّمردِ إلى قُيودِ الكَهْرمان / صَعَدْتُ مِن فَيْروزِ المذْبحةِ / أَحْضُنُ عُزلةَ القَمرِ / والأرصفةُ تَستثمرُ أعضائي في البُورصة / والذِّكرياتُ لَيْمونةُ الأسرى / لَيْتَ حُبِّي للبحر يَرْجمني بأجنحةِ الفَراشاتِ / كَي تُطَهِّرَ جَدائلُ البُندقيةِ عِظامي مِن الدُّودِ والاكتئابِ / سَيْفي مَرْهونٌ عِندَ المجرَّة / لَن يُباعَ في المزاد العَلنيِّ / بِيعوا جِلْدي للباعةِ المتجوِّلين / كَي تَفرحَ الغَجرياتُ في مَناجمِ الفَحمِ /
     الموْجُ عَامِلُ نَظافةٍ / يُنقِّبُ عَن الطحالبِ في دِمَائي / والبحرُ سَائقُ شَاحنةٍ في أزقةِ الخريفِ / سَأَصْهرُ مِشْطَ الرِّيحِ في حَوْضِ الأسماكِ / يا قُيوداً تُفرِّخُ الذِّكرياتِ في بُلْعومِ الصَّاعقةِ / إِنَّ الخناجرَ في الحناجرِ / ألهثُ في المساءِ الخالي مِن حُلْمي شَريداً كَخِيَامِ الغَجرِ / لَسْتُ المسْرَحِيَّةَ المسْرَحَ الممثِّلَ الْمُخْرِجَ القاعةَ السَّجادةَ الحمراءَ في المطارِ / يَا مَجَرَّةً مَقْتولةً عَلى مِعْصَمِ الكَوْنِ / بَيْننا أُغنياتُ الصَّبايا اللواتي ذَهَبْنَ إِلى الموْتِ حَافياتٍ/ وَعَرَباتُ نقلِ المحكومين بالإِعدام تَغْرقُ في الحبوبِ المنوِّمةِ/
     رَكَضْنا في القَبْو أنهاراً مَثقوبةً / وَغُموضُ المطرِ يَجْذِبُ أشلائي / فَاضْحَكي يَا فَراشةَ الموْتِ / وابْتَسِمي أيتها الحضارةُ العَمياءُ / سَيَكونُ حَبْلُ مِشْنقتي مِن خُيوطِ الذهبِ / ومِقْصلتي مِن الفِضَّةِ / تُهاجرُ الشُّموسُ إِلى مَغاراتِ الحزنِ / وطَريقي لا يَتَّسعُ لأهدابي / سَتُنادي عَلَيَّ مُعَلِّمتي القديمةُ / عُدْ أيها الوَلدُ اليتيمُ فنحن نُحِبُّكَ / يَنحرفُ قِطاري عَن السِّكةِ / فَأَصِلُ إِلى قُبور العُشَّاقِ/ وَرُبَّما أَصِلُ إِلى شَهْقةِ المِلْحِ / أو شَجرةٍ سَجينةٍ في سَراديبِ قَلْعةٍ غَامضةٍ / سَأبقى العاشقَ المنبوذَ تَحْتَ المطرِ / صَوْتي يَنبعثُ مِن رَمْلِ البَحر / وَتَحْشُدُ الصَّفحاتُ البَيضاءُ سُطورَها / في كُرياتِ دَمي البَيضاءِ / جُمْجمتي بِطاقةُ دَعْوةٍ إِلى عُرْسِ الغَيماتِ / طِفلٌ جَديدٌ يَمشي نَحو مَجْزرةٍ جَديدةٍ / وأنا أُفتِّشُ عَن مِرْآتي / كَم مَرَّةً قُتِلْتُ في حَياتي ؟ / وَحْدَها أُمِّي تَعْبأ بِسُؤالي / وأسئلةُ الصَّحراءِ تُجيبُ عَنها سُفنُ القَراصنةِ /
     حَفَّارُ قَبري عَيَّنه أصدقائي/ وقَاضي المحكمةِ عَيَّنه أعدائي / فما فائدةُ الرُّومانسيةِ بَيْنَ أضرحةِ اللازَوَرْدِ ؟!/ يَشُقُّني البكاءُ بِمِنشارِ الجنونِ / نَباتاتُ الزِّينةُ حَوْلَ حَقيبةِ السَّفَرِ / لكنَّ رَصيدي في بَنكِ الجثثِ / لا يَكْفي لِشِراءِ الهدايا / قُطعت الكهرباءُ عَن أوردتي / وأنا الغريبُ / أَمنحُ القَشَّ حَقَّ كِتابةِ سِيرتي الذاتيةِ / أثناءَ تَحوُّلي إلى جُثةٍ مَشْهورةٍ /
     مَا رَائحةُ الحطبِ في أجفانِ الصَّبايا ؟ / هَل تَشتاقُ الإسطبلاتُ إِلى ضَجرِ الحِصانِ المشْلولِ ؟ / عَرَقي هُوَ المِصْيدةُ والطُّعمُ / يَقتحمُ الغَسقُ تفاحَ المنفَى سُجوناً بِلا أرقام / وفي صَهيلِ الأنهارِ / وُلِدْتُ وأضحكني بُكاءُ السُّنونو / وهناكَ / مِتُّ وأبكاني ضَحِكُ التِّلالِ /
     غُموضي لا يَكتملُ إِلا بِمَوْتي/ أنامُ مَعَ جُثةِ الرياح / تَركضُ أوردتي عَلى أوراقِ الخريفِ / وأَبْكي كَقَارورةِ العِطْرِ / وأَحكي ما جَرى لِلْحُلْمِ فَوْقَ طَعَناتِ الشَّهيقِ الأخيرِ / آهاتي كُسِرَتْ حِينَ سَمعتُ الصَّباحَ يَقولُ للدَّمعةِ : (( أنتِ طَالِقٌ ! )) / للنُّعوش نَبَضاتٌ كَقَلْبِ العاصفةِ / والمشنوقون أبناءُ الظِّلالِ / مَهْما يَكُن مِن نَعْشٍ / فالأعشابُ تتجوَّلُ بَين القُبور / فيا أيتها الصَّبايا المختبئاتُ وراءَ السَّتائرِ المعدنيةِ / في تِلكَ المقبرةِ الأُرجوانيةِ نِساءٌ أَندلسياتٌ / وبَناتُ قُرْطبةَ مُتأخِّراتٌ عَن بَاصِ المدرسةِ/ والتَّوابيتُ الأنيقةُ صَارَتْ فَساتينَ للعَرائسِ / حَضَنَتْني ذِكْرياتٌ / اشتبكتُ مَعَ عُروقي المفْتوحةِ لأنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحيِّ / وصَدْري يَعُجُّ بِدماءِ السُّنونو التي غَسَلتْ بَوَّاباتِ التاريخِ / شَوْقُ المذبوحِ إلى الذابحِ / امرأةٌ تنامُ مَعَ تابوتِ زَوْجها / وَالجراثيمُ تتشمسُ على أكفانِ الفراشاتِ / وَالشَّاطئُ يُعْلِنُ انتصارَ الرِّمالِ على الرِّمال / أَحْرُسُ عِظامَ القَراصنةِ مِن الأمواج / عُنفُ الألوانِ في مَناديلِ القَتيلاتِ / أَقِيسُ مَنْسوبَ دَمي في سُدودِ بِلادي / بِحَنْجرةِ بَجَعَةٍ تَموتُ بَيْنَ غَدِها وَلُغتها / لا زَوْجةٌ تُغسِّلني إِن مِتُّ / ولا إِمامُ مَسْجدٍ يُصلِّي عَلَيَّ / فالأئمةُ مُعْتَقَلُون في قِلاعِ النُّبلاءِ / تَقْرَعُ بَناتُ آوَى ألواحَ صَدْري / يُقلِّدُ الرَّمادُ الكُونتيسةَ وِسامَ الخِيانةِ الزَّوجيةِ / الوطنُ عُلْبةُ مِكْياجٍ لِعَشيقةِ الكَاردينال/ وقَلْبي يَتفجَّرُ أزقةً وزَيْتوناً / وَصِيَّتي تَكتبني بِدُموعِ النَّخْلِ / والنَّيازكُ تَنشرُ غَسيلَ السُّجناءِ على المريخِ / تَركضُ الأشجارُ في طَريقِ جُرْحي / وأجنحةُ العَصافيرِ مُبْتلةٌ بِبَوْلِ الضِّباعِ / سَيُلْغي الليمونُ حَظْرَ التَّجولِ في وَرِيدي / اختلفتْ رَبطاتُ العُنقِ / لكنَّ القاتِلَ واحدٌ / والضَّحيةَ واحدةٌ /
     جُلودُنا مَفتوحةٌ للعَصافيرِ المهروسةِ / مَملكةُ الضَّحايا / وأقفاصُنا عُروشُنا / صِرْتُ واثقاً من زَفيري / يَشُقُّ الضحايا حَناجرَهم / كَما يَشُقُّ النهرُ مَجْراه في جَدائل الصَّبايا المغتَصَبَاتِ / رَائحةُ خَشبِ النُّعوشِ / والموكيتُ الجديدُ لِخِيامِ اللاجئين / طَارت الضفادعُ في حَواجبي / فيا إمبراطورَ الزَّبدِ / سَنَختارُ أحكامَ الإِعدامِ البطيء / كما نَختارُ البطاطا المقْليةَ في مَطَاعمِ الوَجَباتِ السَّريعةِ / إِنْ تُفرِجوا عَن أجنحةِ العُقبانِ تَصْلبوا خَوْخَ المجازرِ / تَعْشقني الديدانُ العائشةُ في قَميصي المعلَّقِ على قَانونِ الطوارئِ / وَضُبَّاطُ المخابَراتِ يُعَيِّنون القُضاةَ / فلا تَحزنْ يا خَطَّ الاستواءِ المصْلوبَ عَلى خُطوطِ جِلْدي/ سَتُصبح دِماؤنا غِرْبالاً غَيْرَ مَثقوبٍ/
     وُلِدْتُ بَين التَّوابيتِ / لكني أَسْمَعُ الأنينَ الأُنثويَّ في شَوارعِ القَمرِ / وَشَمْسُ غَرْناطةَ طَرَدت الخلفاءَ مِن نوافذِ قُصورهم / الذِّكرياتُ زَبَدٌ / والشُّطآنُ تَغرقُ في دِماءِ المصابيحِ / وَالدَّلافينُ تَقودُ المظاهَراتِ في قِيعانِ المحيطات / طُيوري تُنَظِّمُ العِصيانَ المدنِيَّ عَلى أسلاكِ الكَهْرباء / الدَّمُ الرَّمليُّ زِيرُ نِساءٍ غامضٌ / وَصَدِيقي الأعمى مُتَّهمٌ بِخَطْفِ الطائراتِ / والأطفالُ في الأزقةِ المهْجورةِ / يُخطِّطون لِقَلْبِ نِظامِ الحُكْمِ / فَيَا ضَوْءَ الشُّموعِ / شَاطِئاً مَنْسِيَّاً أُسَمِّيكَ / وقاتلاً مأجوراً تُسَمِّيني /
     طُرد البركانُ مِن عَمَله / وتَقاعدت الأدغالُ / حَزينٌ أنا / لأنَّ الزلازلَ مَاتتْ في سُعالي / اسْتقالت الشَّوارعُ / سَافرَ النَّهرُ إِلى الخارجِ لإِكْمالِ دِراسته / والنَّوارسُ تُعاني من البَطالةِ / إِسْطبلاتٌ في قَاموسِ اليَنابيع / جُرْحي مَصْنعٌ لِتَكْريرِ الدَّمْعِ الفائضِ عن الحاجةِ / سَتَرْتاحُ أعصابُ الشَّفقِ في صَليلِ أجنحةِ الفَراشةِ / والنهارُ قَد أَغلقَ ذَاكرته بمفاتيحِ الحزنِ / يَعْصِرُني نُعاسُ المطرِ كالشَّظايا / رَمْلُ البَحرِ طَبيبٌ للفُقراءِ / الذين لَم يَسْتفيدوا من خَريطةِ الجِيناتِ التي اكْتشفها الأغنياءُ /
     أَغْرقُ في سُعالِ الشَّجرِ صُداعِ الأرصفةِ / وأسألُ الضبابَ الأزرقَ / مَن هذه المرأةُ التي تبكي أثناءَ إِعدامي ؟ / نعتني بأجسامنا في إِسطبلاتِ الخليفةِ / والجليدُ يَفرضُ عَلَيْنا الإقامةَ الجبريةَ / تَخجلُ الرياحُ من أزهارِ اللهبِ / والحديقةُ تَسيرُ إِلى الدمارِ / نَقرأُ حِكاياتِ اغتيالنا لِلهُدْهدِ قَبْلَ نَوْمه / سيأتي يَوْمٌ تَصيرُ فِيه مَشانقُنا وَرَقاً أَبيضَ تُلَفُّ بِه الفَطائرُ / وتَصيرُ أشلاؤنا رُسوماً مُتحركةً على عُلَبِ حَليبٍ / تَشتريها الأمهاتُ الخائفاتُ عَلى حَجْمِ أثدائهنَّ /
     نَقاءُ العاصفةِ في لَحظةِ مِيلادها / وَطَنٌ لا يَحْضُنُ إِلا قَاتلينا / بِلادٌ تَحْتَ رِمالِ المحيطاتِ بِحَجْمِ عُودِ الكِبْريتِ / أَعيشُ في مِلْعقةِ الصَّهيلِ / الطرقاتُ مأتمٌ / والشَّظايا أضرحةٌ / غَرِقت المِياهُ الجوفيةُ في وِشاحِ الحِدَادِ / وثِيابُ القتيلاتِ تُحْرَقُ بالمطرِ / شَعْبٌ لِلبيعِ في غُرفةِ العِنايةِ المركَّزةِ / بِلادٌ تَرفعُ فَخْذَيْها إكليلَ غارٍ / ولم نَعرفْ لُغةَ ظِلالنا / قِرْميدُ أكواخنا يُراوِدُ نَخْلةً عَن نَفْسها / وَالخرابُ المزَرْكَشُ يُنصِّبُ القُرصانَ مَلِكاً عَلى الشَّرايين المغلَقةِ / نَحْقِنُ خِيامَ اللاجئين بِزَفيرِ الأرصفةِ / والصحراءُ تُدافعُ عَن العناكبِ المبْحِرةِ في لُعابي/ الأسفلتُ رِوائيٌّ فاشلٌ / وحِكاياتُ العِشْقِ انتهتْ تَحْتَ مَقاصلِ البَلوطِ / وَسَوْفَ يَخرجُ الوَحلُ الباكي مِن أجندةِ الصَّاعقةِ / كأنني رَضِعْتُ مِن نُهودِ المنافي/ مُذكَّراتُ القُبطانِ قَبْلَ غَرَقه في نَشيدِ الخِيانةِ الزوجيةِ / الرِّمالُ عُروشُ القَراصنةِ / والملوكُ المخلوعون يَبيعون العِلكةَ عَلى الإشاراتِ الضَّوئيةِ / وإبِرةُ البُوصلةِ تَركضُ إلى نَصْلِ مِقْصلتي / وَمَا دَامت الشُّعوبُ تَلتقي في الملهى الليليِّ / فَلا خَوْفَ عَلى الوَحدةِ الوَطنيةِ /
     كُن حَجَراً كَرِيماً لِتَعْرفَ حِجارةَ ضَريحكَ / لَن تَرْسُمَ الحشراتُ قَلبي على الرُّخامِ / وَجْهُ الرِّياحِ اختفى في وُجُوهِ الأراملِ / وأمعاءُ الطوفان في سَلَّةِ القُمامةِ / إشاراتُ المرورِ أعوادُ مَشانق / والأيتامُ يَبْحَثُون عَن أعوادِ الكِبْريتِ / لِكَي يَطْبُخوا أحزانهم في شَظايا الموْجِ / فَيَا إِخوتي اللصوص / لا تَتعجَّبوا مِن اغتيالي في لمعانِ الكَرَزِ / حَياتي نَظرياتُ كِيمياء في لُعابِ أسماكِ القِرْشِ / فَيَا أيها النَّملُ الذي يَدْعَمُ السلامَ في عِظامي / تَلْمَعُ الشُّطآن كأصابعِ الفُقراءِ / والأَسرى يُغازِلون الأسيراتِ في مَسَاءِ الانقلاباتِ العَسكريةِ/ يَا أُنشودةً تَجْلِسُ بَين بُكائي وسُورِ مَقْبرتي / اجْمَعي نُقوشَ الحِنَّاءِ في قَاموسِ الصَّحاري / إِنَّ رائحةَ المجاري تتسلقُ جَدائلَ الأرستقراطياتِ/
     في مَقهى جُباةِ الضَّرائبِ / تجلسُ النساءُ على صُوَرِ الزَّعيمِ / يَنْطَفِئْنَ في دُخانِ السِّيجارِ المصنوعِ مِن خِيَامِ اللاجئين / تتوحَّشُ أحلامهنَّ أبراجاً مِن الياقوتِ المزوَّرِ / سَيَكتبُ العُشَّاقُ أسماءهم على جُمجمةِ الغروب/ والدُّيوكُ المشرَّدةُ تَوارَتْ في سُرَّتي/ نَسكنُ في بُكائنا/ بَعد أن هَدَمتْ بُيوتَنا دُموعُنا / وَصُرَاخُ القَناديلِ يَقْتلعني مِن نُخاعِ عَظْمي / لأنَّ المجاعاتِ فَرَّتْ إِلى خِيَاناتِ الرَّصيفِ / يَغْرَقُ العُشَّاقُ في البَحرِ البعيدِ / الرِّمالُ رَسائلُ الجنودِ / والوَحْلُ نَشيدٌ وَطنيٌّ للفُقراءِ / كُلُّ دَمعةٍ مَنفَى / والأمواجُ القادمةُ مِن الضَّحايا كُوخٌ للسَّيافين/ وأنا ضَحِيَّةُ نَفْسي / أسألُ حَضارةَ الرَّماد/ هل سَيُصبِحُ شَعْرُ إِبطي عُشْباً لملاعبِ كُرةِ القَدمِ ؟ /
     أيها القَمَرُ الشَّاهِدُ على انتحارِ العُشَّاقِ / في مَساءاتِ الشَّاطئِ البَعيدِ / الْتَقِطْ لِي صُورةً تِذكاريةً قُرْبَ جُثتي / ذَلِكَ الضَّوْءُ الجارِحُ هُوَ أنا / فَتَحْتُ أبوابَ سُعالي للأعاصيرِ / أنا وَجْهُ الأضْرحةِ لا القِناعُ .