04‏/07‏/2019

كشمير تلبسني / قصيدة

كشمير تلبسني / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.............

     رَائحةُ المطرِ تَغْلي في عِظامي / يا نَشيداً أَقْوى مِن ضَوْءِ الرَّحيلِ / وَأَجْمَلَ مِن رَقصةِ الخريفِ على جَبينِ الرُّمْحِ/ كَشْميرُ يَاقوتةٌ في كَفِّ النَّهْرِ/ وِشاحُكِ يُغْرِقُني في إِيقاعات السِّكين / يَا لَكِ مِن زُمُرُّدةٍ حَمْراءَ أبراجاً ! / قُتِلْتِ ألفَ مَرَّةٍ وَمَا زِلْتِ تَمْشين / جَدِّفي في شَهيقي حتى فِلِسْطين / لأني سَأُغنِّيكِ فَجْراً للعَواصفِ / وَأَنتِ سُلالةُ أقمارٍ / حُذِفَ الاغتصابُ مِن قَاموسها / تَوَضَّئي بِمَاءِ عُيوني المقْذُوفَتَيْن في غَاباتكِ / قَالَت: (( دَعْنا نَتَيَمَّمْ وَنُصَلِّ رَكْعَتَيْن )) / وَرَكِبْنا أشرعةَ الضَّبابِ / كَانَت جَدائلُكِ تَرتفعُ عَلى الحواجزِ الأمنيةِ عِنْدَ نَخيلِ الغروبِ / أتخيَّلُ جِلْدي كَشْميرَ / وَكَشْميرُ هِيَ أنا في رِعْشةِ الجهاتِ /

     يَوْمَ أضاءَ حِجَابُكِ في دُنيا القَمرِ/ كَانَ الناسُ سَلَّمُوا مَفَاتيحَ عُيونهم للنُّعاس / لَكِنِّي انتظرْتُكِ لآخُذَ عِن خُدودكِ أنهارَ السَّفَر/ رَكَضْنا في حَدائقِ المِشْنقةِ / لأنَّ التَّعبَ زَرَعَ رُموشَنا عَلى سُطوحِ القِطاراتِ / أَنْفُكِ يُشْبِهُ أَنْفِي / لَمْ يَبْقَ إِلا وَجْهان طَرِيَّان / بَنى الصَّخَبُ بَيْنهما سُوراً مِن الفَراشاتِ الرَّافضةِ / زِئْبقٌ في عُيونِ المنْفَى / وَأَنتِ وَجْهي حِينَ يَنصهرُ المساءُ / في حماقاتِ الهديلِ أيَّامَ شَبابه / دَفاترُ اليَتيماتِ مِن صُوفِ النِّعاجِ / والشُّوكولاتةُ تَنصهرُ عَلى زُجاجاتِ العِطْرِ / هِيَ صَباحٌ كَشميرُ أو دَمُ المجرَّة / أُحِبُّ الشِّعْرَ لأَكْرَهَ السَّلاطين / وأتوقَّعَ خِياناتِ الشَّاطئِ الهارِبِ / أُسَمِّي عَظماتي بَأسماءِ تِلالكِ / وَأَنظرُ في مَرايا عَيْنَيْكِ كَي أُصَفِّفَ شَعْري / وأُرتِّبَ ثِيابَ القِتالِ المغسولةَ / وأُجَهِّزَ التَّوابلَ للقَتلى القَادمين مِن الشَّفقِ/ ذَاكِرتي حَجَرٌ أَنقى مِن الأحجارِ الكَريمةِ/ فَاذْكُرِيني طِفْلاً بَاكياً بَينَ رُومانسيةِ الغُموضِ وَغُموضِ الجثثِ الضَّوْئيةِ / أَنتِ عُشِّي/ وَأنا الصَّقْرُ الذي يَنْهَشُني عِشْقُكِ / كُنتُ مُتعَباً مِن الإِبحارِ في ضَفائرِكِ / فَحَمَلْتُ جُثَّتي عَلى ظَهْري المشقَّقِ / وَتَنَقَّلْتُ في حِنَّاءِ كَفَّيْكِ الناعمتَيْن / شَرِيدٌ لَحْنُ وَريدِكِ / وأنا شَرِيدٌ / كَأَنَّ الرُّفاتَ على شَفِتي بُركانٌ وَحِيد / 

     مُشْتاقاً إِلى نَسيمِ نَبَضاتكِ الممْلوكةِ/ حَاصِريني بالقُبُلاتِ العَابرةِ / تلتصقُ يَدَانا / وَيَنْسابُ رَمْلُ البحرِ بَيْنهما / وَبِرَكُ السِّباحةِ في دِمَاءِ الشُّهداءِ / سَرَقَت حِصَّتنا مِن حُزْنِ الأنهارِ / عِشْتُ مَوْتي في الشَّرايينِ اليابسةِ  / كَمَوْجَةٍ تَبْحثُ عَن جُثةٍ تتناولُ العَشاءَ في عُرْسِها/ هَشَّمَ رَبيعُ الأشلاءِ بَراويزَ لقائنا/ فَصِرْتُ بَعْدَكِ بِرْوازاً لِتِذْكاراتِ السُّنونو/ هَل رَأيتِ أجفاني خارجةً مِن إِشبيلية في السَّحَر ؟/ جُثةُ فَتاةٍ في بِئْرِ التاريخِ / مَثَّلَ بها المساءُ الضَّيقُ / أَحزانُ الطريقِ مَخَدَّةٌ للعَرائسِ في الكنيسةِ / الدَّمْعاتُ شَجَرتي اليتيمةُ/ وجُروحي أحصنةُ المنبوذين / وَضَرَبَ الصَّمْتَ البنفسجيَّ الحقولُ المنْكَسِرةُ / فَلْتَكُن ثِيابُ الحِدَاد جَاهِزةً عَلى حَبْلِ الغَسيلِ / حُموضةُ الذِّكرياتِ على فَأْسِ الوَداعِ / أَسْتَلُّ مِن لَحْمِ القَمرِ قِطْعةً / وَيُشْرِقُ الحطبُ في جَبينِ يَمامةٍ / وَيَأْسِرُني شَوْقٌ إِلى شَيْءٍ غَامِضٍ/ الأمسُ المسْتَقْبَلِيُّ/ وَالرِّيحُ الجريحةُ تَصْرَعُ اسْمَها/ كَيْفَ مَشَتْ حِيطانُ السِّجْنِ إِلى مَناديلِ الصَّبايا؟/ 
     أُنادي عَلى الشَّوارعِ القَتيلةِ / فارغةٌ أَنتِ إِلا مِن الضَّحايا والعَصافيرِ / وَغَابَت الحقولُ عَن مُؤتمرِ الصُّلْحِ بَيْنَ السَّرابِ والضَّبابِ / أَدُورُ عَلى أَبوابِ الأراملِ المذْبوحاتِ / تَصْعَقُ جِسْمي قَناديلُ الصَّحراءِ / والشَّفقُ يُنْزِلُ دَلْواً ممتلئاً بِسُعالي إِلى قَاعِ أحزاني / وَالنَّارُ لا تَعْلَمُ أَنَّ جَنينَ الرَّمادِ سَيَقْتُلها /
     لِي سِيرةٌ ذَاتيةٌ خَاليةٌ مِن أَوْسمةِ الحطبِ / لِي مِلَفٌّ في دَوائرِ الأَمْنِ السَّاكنةِ في أعصابِ الحشراتِ / يُرتِّبُ أوراقَه شَوْكُ الطريقِ / لِي أصدقاء أَمْعاؤهم على قَائمةِ الاغتيالاتِ / وَوُجُوهُهم تُطاردها مَرايا النِّسيان / لِي بَلابلُ كَسَرَتْ بَابَ القَفصِ / وَخَرَجَتْ إِلى البَارودِ الصَّافي / لِي كَبِدٌ تَثْقُبُ الصَّوْلجانَ / لِي قَارورةُ عِطْرٍ تَرى فِيها الرِّماحُ وَصَاياها / وَللسُّنونو ثُكناتٌ عَسْكريةٌ مِن رُخامِ المرافئِ الغارقةِ /
     فِي آخِرِ صَرخاتِ النَّدى غَاباتٌ مِن أحلامٍ / مَطارٌ عَسْكريٌّ للحَمَامِ / دِيكُ جَارتنا الوحيدُ هُوَ ذَاكِرةُ الخناجرِ / اذْهبي أَطْرافي حَتَّى آخِرِ جِراحِ النَّخيلِ/ لا أَنيني قِيثارةٌ/ولا أَسْنانُ التِّمْساحِ استراحةٌ لِلبَلابلِ الْمُتْعَبَةِ /
     سأُقاتِلُ حَتَّى آخِرِ غَيْمةٍ مِن دَمِي/ حَتَّى آخِرِ شَجَرةٍ مِن دُموعي/ حَتَّى آخِرِ شَاطِئٍ مِن لَحْمي / حَتَّى آخِرِ زِلْزَالٍ مِن كَبِدي/ حَتَّى آخِرِ فَراشةٍ مِن جُمْجمتي / حَتَّى آخِرِ قَطْرَةٍ مِن قَلْبي / حَتَّى آخِرِ بُرْكانٍ مِن عِظامي / حَتَّى آخِرِ شُبَّاكٍ مِن أظافري / حَتَّى آخِرِ نَبْعٍ مِن مَعِدتي / حَتَّى آخِرِ شِرْيانٍ مِن بُندقيتي / حَتَّى آخِرِ بِرْميلٍ مِن عَرَقي / حَتَّى آخِرِ بَرِّيةٍ مِن جِلْدي / حَتَّى آخِرِ شَلالٍ مِن غَضَبي / حَتَّى آخِرِ رَصَاصةٍ مِن شَفَتي / حَتَّى آخِرِ إِعْصارٍ مِن سِجْني/ حَتَّى آخِرِ حَجَرٍ مِن أَنفاسي/ حَتَّى آخِرِ غَابةٍ مِن طُحالي / حَتَّى آخِرِ نَبْضَةٍ مِن خُطواتي / حَتَّى آخِرِ جُرْحٍ مِن عُمري / حَتَّى آخِرِ عُصفورٍ مِن عَضَلاتي / حَتَّى آخِرِ نَبْتةٍ مِن زَمَني/ حَتَّى آخِرِ خَيْطٍ مِن جُرْحي / حَتَّى آخِرِ بُسْتانٍ مِن قَفَصي الصَّدْرِيِّ / حَتَّى آخِرِ رُمْحٍ مِن سُعالي / حَتَّى آخِرِ مَدِينةٍ مِن عَمُودي الفِقرِيِّ / حَتَّى آخِرِ لَوْنٍ مِن أمعائي / حَتَّى آخِرِ حَقْلٍ مِن خَيْمتي .