31‏/08‏/2019

القتال حتى يوم القيامة / قصيدة

القتال حتى يوم القيامة / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...........

     جُمْجُمَةُ النَّهْرِ جَالِسَةٌ عَلَى عَقَارِبِ السَّاعَةِ/ وَظِلالُ الْعَنْكَبُوتِ تَقْضِمُ خَوَاتِمَ الْقَمَرِ/ تَقَيَّأَ الْعُشْبُ ذَهَبَاً أَرْصُفُ بِهِ طَرِيقَ الرِّعْشَةِ / وَفِضَّةً أُخَزِّنُهَا فِي خُبْزِ الْمَطَرِ / إِنَّ نِسْبَةَ الْكُوكَايِينِ فِي دَمِ سُورِ الْمَقْبَرَةِ عَالِيَةٌ / كَأَحْزَانِ قَوَارِبِ الصَّيْدِ الْفَارِغَةِ /
     مُلُوكُ الْوَحْلِ أَشْبَاحٌ / وَمَلِكَاتُ انقِطَاعِ الْحَيْضِ سَبَايَا / يَا مَنْ تَبْنِي أَكْوَاخَ الْبَطِّ فِي شَمَالِ الاكْتِئَابِ/ وَتَنْتَظِرُ امْرَأَةً تَقْتُلُكَ فِي مَحَطَّةِ الْقِطَارَاتِ الْفَارِغَةِ / كَأَنِّي أُرَبِّي النُّمُورَ تَحْتَ أَظَافِرِي/ وَخَلْفَ قُضْبَانِ الرِّيحِ أَسْوَأُ نَوْبَاتِ جُنُونِ حَارِسِ الْكَاتِدْرَائِيَّةِ / وَدُودَةُ الْقَزِّ تَدَّخِرُ الاكْتِئَابَ فِي جَوْرَبِي / صَلَّيْتُ بِالأَشْجَارِ إِمَامَاً / وَأَلْغَيْتُ الرِّمالَ مِن خَرِيطَةِ الْقُلُوبِ/ قِطَّتِي هَرَبَتْ مِنْ أَضْوَاءِ السَّيَّارَاتِ / وَتَشَرَّدَتْ فِي أَدْغَالِ عُرُوقِي/ بَعَثْتُ قَلْبي لِلرِّيَاحِ فِي طَرْدٍ بَرِيدِيٍّ / لَيْتَ دَمْعِي اخْتِصَارُ اسْمِكِ / أَيَّتُهَا الْمَنْفِيَّةُ دَاخِلَ شَراييني الضَّيِّقَةِ / سَيْفُ النَّبِيِّ / وَخُيُولُ الْمَلائِكَةِ / وَأَقْوَاسُ النَّصْرِ / وَمَسَاجِدُ الأَنْدَلُسِ الَّتِي حَوَّلَهَا الْغُزَاةُ إِلَى كَنَائِسَ سَنُحَرِّرُهَا / ونَغْسِلُها بِمَاءِ الوَرْدِ /
     لا أُذُنِي رِعْشَةُ الْعَرُوسِ الَّتِي بَاعَهَا أَهْلُهَا / وَلا جِلْدِي سَجَّادٌ لأَمِيرَاتِ أُورُوبَّا / النَّارُ مَاءُ الرَّجْفَةِ / ازْرَعْنِي فِي الصَّلِيلِ لأَكْسِرَ انْكِسَارِي / خَطِيبَتِي الرِّيَاحُ / وَصَلِيلُ أَحْزَانِي تُوتٌ بَرِّيٌّ / فَلْتَقْطِفْنِي الرُّعُودُ / أَنَا حَمَامَةٌ فِي الشَّفَقِ الْمُحَاصَرِ / لَكِنَّ الصَّهِيلَ يَصْطَادُنِي رِمَاحَاً / وَبَغَايَا شِيكَاغُو يُشَجِّعْنَ الْجُنُودَ الْقَتْلَى فِي فِيتنام/ وَيَنْشُرْنَ نَبِيذَ الدِّيمقرَاطِيَّةِ فِي دِمَاءِ الأُسْطُورَةِ / سَيُرَفْرِفُ عَلَمُ أمريكا بَيْنَ حِذَائِي وَجَوْرَبِي /
     فِي غُرْفَةِ التَّحْقِيقِ مِرْوَحَةٌ حَجَرِيَّةٌ / مِنْ مُخَلَّفَاتِ الدَّيْنَاصُورِ الرُّومَانسِيِّ / صَلاةُ الْعِيدِ فِي زِنْزَانَتِي / خُذُوا رَقْمَهَا مِنْ طُفُولَةِ النَّهْرِ / انْتَظَرْتُ قُرُونَاً / لَكِنَّ أَحَدَاً لَمْ يَزُرْنِي / لا أَطْفَالَ لِي يَخْتَارُونَ مِقْصَلَةَ أَبِيهِم / وَأَخْتَارُ لَهُمْ مَلابِسَ الْعِيدِ / يَا أَيُّهَا النَّمِرُ الَّذِي يَرْضَعُ مِنْ شَمْسِ السِّجْنِ/ كَالشَّبَحِ الأَرْمَلِ/ هَارِبَاً مِنْ أَضْوَاءِ السَّيَّارَاتِ/ وَالْعَوَانِسُ عَلَى الشُّرُفَاتِ / يَنْتَظِرْنَ صَوْتَ الْقِطَارِ /
     يَا مَنْ تَحْمِلِينَ الدُّكْتُورَاةَ فِي الْهَنْدَسَةِ النَّوَوِيَّةِ/ وَتَذْهَبِينَ لِرَعْي الأغنامِ فِي أَنِينِي/ كُونِي قِنَاعَاً لِلْحَنِينِ / لأَرْسُمَ عَلَى نَعْشِي وَطَنَ الْبَجَعِ الْمَنْبُوذِ / مُحَاكَمَةُ الْهَدِيلِ / وَدُمُوعٌ يَتِيمَةٌ عَلَى الْوِسَادَةِ الْوَحِيدَةِ / مِثْلَمَا يَنْطَفِئُ لاعِبُ كُرَةِ الْقَدَمِ تَدْرِيجِيَّاً / لُصُوصُ الآثَارِ فِي نَشِيدِ الصَّدَى صَدَى / وَعُمَّالُ مَحَطَّةِ الْقِطَارَاتِ / يَنْزِفُونَ لَبَنَاً لِمَرَاعِي الطَّاعُونِ / وَحْدَهَا الْبُحَيْرَةُ مَنْ سَتَحْمِلُ اسْمِي / وَتَسِيرُ إِلَى أَعْشَابِ كَلامِ الزَّوْبَعَةِ / يَا كُوخِيَ الرَّاكِضَ فِي شَرَايِينِ الضَّوْءِ السَّحِيقِ / غَابَةٌ مِنَ الدِّمَاءِ الْفِضِّيةِ / وَالأَوْرِدَةِ الْمَقْطُوعَةِ عِنْدَ أَطْرَافِ الضَّبَابِ / وَحِصَانِي يُجَدِّفُ فِي أَمْوَاجِ الشَّفَقِ / سَمِعْتُ أَنِينَ الحقولِ / بَيْنَمَا كَانَ الْقَمْحُ يَحْصِدُنِي / يَا أَيُّهَا الْبُرْتُقَالُ الَّذِي يَكْتَشِفُ فِي مِنَصَّةِ إِعْدَامِي بِئْرَ نِفْطٍ / وَفِي حَبْلِ مِشْنَقَتِي حَقْلَ غَازٍ / وَفِي عَقْلِ ذُبَابَةٍ بَرَارِي السُّلِّ / خَزَّنْتُ فِي نُخَاعِ الْمَطَرِ صَحَارِي الْبَارُودِ / لأَنَّ دَمِي خَرِيطَةُ الرَّمْلِ الأَخْضَرِ / وَبُنْدُقِيَّتِي تُرَفْرِفُ فِي كَبِدِ الْحُوتِ قِطَارَاً سَرِيعَاً / أَشْجَارُ الْيُودِ / وَمَرَاعِي الْمُسْتَحِيلِ /
     أَمْشِي إِلَى ضَوْءِ الْمِشْنَقَةِ مَنْقُوعَاً فِي السِّيَانِيدِ / أَنا مَنْ أَذَّنَ لِصَلاةِ الْجُمُعَةِ فِي الْفَاتِيكَانِ / وَلَحْمِي مَسْجِدٌ لِلأَنْهَارِ تُصَلِّي فِيهِ / لَوْ كُنْتُ مَلِكَ الرُّفَاتِ / لَكَانَ الْحُزْنُ وَلِيَّ الْعَهْدِ / بَيْنَ فَرَاشَاتِي وَعَيْنَيْكِ تَبْنِي النَّيَازِكُ مَجْدِي / وأنا المجدُ الزَّائلُ /
     لِلْجَسَدِ الأَعْزَلِ فِضَّةُ الْمِلْحِ وَذَهَبُ الدُّمُوعِ / وَلِقَلْبِي السَّجِينِ عُبُورُ أَصْدِقَائِي الْقَتْلَى / إِلَى ضِفَّةِ الشَّفَقِ الشَّمْعِيَّةِ / فُرْشَاةُ أَسْنَانِي قِنَاعُ حَبْلِ مِشْنَقَتِي / وَزُجَاجَةُ عِطْرِي مِصْفَاةُ نِفْطٍ لِلسُّنونو / دَخَلَتْ شَرَايِينِي فِي عُزْلَةِ الرِّيحِ النِّهَائِيَّةِ / وَتَارِيخُ عُيُونِي أَعْوَادُ الْمَشَانِقِ / وَانْدِلاعُ السَّوْسَنِ الْجَبَلِيِّ / لا تَأْمُرْنِي يَا بَلاطَ السِّجْنِ أَنْ أُغَنِّيَ / هَلْ يَسْتَطِيعُ الْجَائِعُ أَنْ يُغَنِّيَ ؟ / هَلْ يَقْدِرُ الْمَشْنُوقُ أَنْ يَتَسَوَّقَ فِي أَعْمَاقِ الْبَحْرِ ؟ / كُنْ شَاشَةَ الْيُورَانيُومِ يَوْمَ يَذْهَبُ الْعُشَّاقُ إِلَى السِّينَمَا فِي قَاعِ البُحَيرةِ / قَاوِمْ يَا اسْمَ الْوُرُودِ الْمَائِيَّةِ / لا وَجْهُكَ مَرْقَصٌ لِلأَمِيرَاتِ / وَلا عَمُودُكَ الفِقرِيُّ مِصْعَدٌ فِي الْقَصْرِ الْجُمْهُورِيِّ / كَبِدِي مَخْزَنٌ لِلدِّينَامِيتِ لا الأَلْعَابِ النَّارِيَّةِ / فَلْيَأْتِ الْغُزَاةُ إِلَى عَتَمَةِ تَوَابِيتِهِم / فِي الْمَسَاءِ الْمُشْتَعِلِ /
     اترُكي مِنديلَ الوَداعِ على ألواحِ السَّفينةِ الغارقةِ / لم نَعْرِفْ الْحُبَّ إلا في الموتِ / ولم نَعْرِفْ حَرائقَ قُلوبِنا إلا في الغرَقِ / سَتَضربُ الصاعقةُ الشجرةَ اليَتيمةَ على قِمَّةِ الجبَلِ / سَنَحترقُ في ذِرْوةِ العِشْقِ / فيا مُسدَّسي / لا تملأْ الفراغَ العاطفِيَّ بِدَمْعِ الغروبِ / إِنَّ قُبورَنا هِيَ الفراغُ العاطفيُّ / 
ذاكرتي مَتحفُ القَتْلِ / والموتُ سَيُطَهِّرُها مِن صُوَرِ القَتَلَةِ والضَّحايا / ماتَ الْمُخَلِّصُ / ولم يَجِئ الخلاصُ / مِتْنا قَبْلَ أن نموتَ /
     لا تَبْحَثْ عنِّي أيها الغسقُ / أنا الجسَدُ والتجسيدُ / كلما جاءَ المساءُ توهَّجتْ صُوَرُ الأمواتِ على زُجاجِ نافذتي / كُلما جاءت الشمسُ رَأيتُ دِمائي على أوراقِ الخريفِ / كُلما جاءَ القمرُ رَأيتُ جُثماني في عَرَباتِ قَوْسِ قُزَحَ / أخافُ مِن الشمسِ / وأخافُ مِن القَمرِ .