26‏/09‏/2019

الراهبات والماريجوانا / قصيدة

الراهبات والماريجوانا / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.............

     أنا نَهْرُ الأنقاضِ / قُتِلْتُ وأنا أعْزَلُ / لَكِنَّ رِئتي مُسْتَوْدَعَاتُ الأسْمَنْتِ الْمُسَلَّحِ / يَدْخُلُ إِلَيْهَا يُورانيومُ الكَراهِيَةِ / ولا يَدْخُلُ أُكسجينُ الْحُبِّ / خَجَلُ الفَتَيَاتِ في لَيْلةِ الدُّخلةِ / تَجْمَعُهُ الزَّوابعُ في أكياسِ الأسْمَنْتِ / أُزَوِّجُ بَراري السُّلِّ لِذِكْرَيَاتِ الكُوليرا / أحْفَظُ جَدْوَلَ الضَّرْبِ / وأعْرِفُ أرقامَ بَوَّاباتِ المقبرةِ/ وأحْسِبُ عَدَدَ الْحُضُورِ في جِنازتي/ وَالمجزرةُ تتكرَّرُ في أعصابِ المطَرِ / والخِيَامُ مَنصوبةٌ في أشلاءِ الأطفالِ / والرِّيحُ تَسألُ الصَّقيعَ عَن عُنوانِ بَيْتي / أسْكُنُ في الصَّحاري الجليدِيَّةِ / لا ذِكرياتٌ حَوْلَ مَساميرِ نَعْشي / ولا رَاياتٌ للقَبائلِ تُرَفْرِفُ على فِرَاشِ الموْتِ / وَحْدَهُ الموْتُ هُوَ الرَّايةُ التي لا تَنكسرُ/ لا جِنْسِيَّةَ لِي سِوى أسرارِ الياسَمين/ وَتَدُ خَيْمتي هُوَ النَّاطِقُ الرَّسْمِيُّ باسْمي/ وأجنحةُ الجرادِ بَيْنَ أسناني / تَتَوَهَّجُ كالمصابيحِ على أسوارِ المدافِنِ /
     أنا أحزانُ الذبابِ في مَوْسِمِ بَحْثِ الفُقراءِ عَن نُهودِ زَوْجَاتِهِم / فاعْشَقْ شُموعَ المِيناءِ الذي قَصَفَتْهُ الطائراتُ / نَسِيَ الفُقراءُ جُثَثَهُم في مناجمِ الفَحْمِ/ ونَسِيَ الأيتامُ تَوابيتَ آبائِهِم على رَصيفِ الميناءِ/ فاعْبُرْ عَبَرْتُ طَريقاً يَدُلُّ عَلى ضَياعي/ ضِعْتُ في انكساراتِ المرافئِ/ وَجَدْتُ طَريقَ الإبادةِ / أعيشُ في ضَوْءِ التَّوابيتِ / والرُّؤوسُ المقطوعةُ شُموعٌ تَنْزِفُ رَمْلاً للبَحْرِ المشلولِ / الْحُزْنُ الكريستالِيُّ / والغاباتُ البرونزِيَّةُ / اغتالَني حُرَّاسي الشَّخْصِيُّونَ / ثُمَّ حَرَسُوا قَبري /   
     أيَّتُها الفَراشةُ الْمُحَنَّطَةُ في بِرْمِيلِ النِّفطِ / هَل تَعْلَمِينَ أنَّ لَحْمي أُحفورةٌ للأحزانِ القَديمةِ ؟ / يَمشي الذبابُ في طَريقِ المرافئِ الخرساءِ / واكتئابُ النَّوارِسِ هُوَ رَصيفُ المِيناءِ / والبُحَيرةُ تَجْلِسُ عَلى كُرْسِيٍّ مُتَحَرِّكٍ / وَتُرَاقِبُ الدُّودَ وَهُوَ يَأكُلُ جُثماني / فَلْتَكُنْ أشلاءُ السُّنونو أعياداً للقَتلى / يَرْمي الأيتامُ ذِكرياتِ المرافئِ في أفواهِ السَّمَكِ الجائعِ / فيا أيُّها النَّخَّاسُونَ الوَاثِقُونَ مِنَ البِطَاقَاتِ المصْرِفِيَّةِ وأرْصِدَةِ الجماجمِ وحَليبِ السَّبايا / فَرِّقُوا بَيْنَ جُمْجُمتي وَكُرَةِ الغولفِ / تَرْمِي الأرستُقْرَاطِيَّاتُ عُشْبَ الملاجِئِ عَلى المجاعاتِ القُرْمُزِيَّةِ / والدِّيدانُ تُعَانِقُني في حَفْلةِ الوَدَاعِ / كأنَّني عَارٍ/ والعارُ ثِيابي/ اصْدُقْني القَوْلَ أيُّها الدَّمارُ/ هَل وَجْهي وَجْهُ البَحْرِ أَم قِناعُهُ ؟ / جِسْمي سِجْني / فَأَيْنَ المِفتاحُ يا سَجَّاني ؟ / الأحزانُ مُديرةُ أعمالي التي تَتحرَّشُ بِي / نَحْنُ عَاشِقَانِ / والانتحارُ التَّدْرِيجِيُّ يَعْشَقُنا / لَحْمي مَفتوحٌ للجَرَادِ الفِضِّيِّ / والنَّمْلُ يَسْحَبُ جُثماني بِاتِّجاهِ البَحْرِ الحزينِ / أنا سِوَايَ / وأنظرُ في المرايا فلا أرى غَيْرَ جُثةِ أبي / أمشي إلى احتضارِ الأُكسجينِ في رِئتي / أنا غَيْري / وأمضي إلى مَطَرِ الْجُرُوحِ وَحيداً /
     تَبيعُ الرَّاهباتُ الماريجوانا على إشاراتِ المرورِ / وأنا أتعَاطَى الذِّكرياتِ في أزِقَّةِ الشَّفقِ الجريحِ/ والجرادُ يُسيطرُ على مُعَسْكَرَاتِ الجنودِ / فيا جُرْحَنا الخشَبِيَّ الذي يَنْزِفُ تِلالاً وبُرتقالاً / أيُّها الألَمُ الوَهَّاجُ بَيْنَ العَرائسِ والكنائسِ / بَيْنَ الدَّبابيسِ والكَوابيسِ / رَبطةُ العُنُقِ هِيَ حَبْلُ المِشنقةِ / وصَدْري ألواحٌ للتَّوابيتِ الْمُزَخْرَفَةِ / وَالقَنابلُ الضَّوئيةُ تَرْقُصُ في مَساءِ الوَدَاعِ / بُكائي بِطَعْمِ الأناناسِ / وأحزاني بِطَعْمِ الفَراولةِ / وأنا أُرَتِّبُ النُّعوشَ كَصَنَاديقِ الْخُضارِ / وأشتري الفَاكِهَةَ مِن غُرفةِ الإعدامِ بالكُرْسِيِّ الكَهْرَبَائِيِّ / وأضَعُ جُثمانَ أبي في حَقيبةِ السَّفَرِ وَأُسَافِرُ / وأضَعُ جُثمانَ أُمِّي في حَقيبةِ المدرسةِ وأموتُ / 
     الْجُثَثُ النُّحاسِيَّةُ مُزَيَّنةٌ بالأزهارِ البلاستيكِيَّةِ / تتبادلُ السَّبايا الرَّسائلَ العَاطِفِيَّةَ مَعَ الجنودِ الهارِبِينَ مِنَ المعركةِ / سَتَعْشَقُ الضَّحِيَّةُ قَاتِلَهَا / قَتَلَت الأغنامُ الرَّاعي / وانتخبتْ أشلائي / وَتَوَّجَتْ دَمِي مَلِكَاً عَلى بَراري الكُوليرا / أدْفِنُ جُثَثَ أصدقائي في رِمَالِ البَحْرِ / كَمَا تَدْفِنُ السَّلاحفُ بُيُوضَها في رِمَالِ الشَّاطئِ / فَيَا أيَّتُها الغريبةُ / لماذا تَضْحَكِينَ في الغُروبِ ؟ / السَّائِلُ الْمَنَوِيُّ عَلى فُرْشَاةِ أسنانِكِ / وأنتِ بُحَيْرَةٌ بِلا أسنانٍ ولا تَجاعيد /
     خُذي جُثماني أيَّتُها الذبابةُ الْمُضيئةُ طَابَعَ بَريدٍ تِذْكَارِيَّاً / خُذي أشلائي أيَّتها الأمواجُ تِذْكاراً للحُبِّ الضَّائعِ / الرُّؤوسُ التي تَتَدَحْرَجُ عَلى الْجُسُورِ تَعْرِفُ جِنسِيَّةَ الموْجِ المشنوقِ / والأكفانُ مَفروشةٌ عَلى الأثاثِ الْمُسْتَعْمَلِ / وفِرَاشُ الموْتِ مُمَدَّدٌ على طَاولاتِ المطاعِمِ / لا أعْرِفُ وَجهي في مَرايا الخريفِ / والانتخاباتُ الْمُزَوَّرَةُ هِيَ شَمْعَةُ عِيدِ مِيلادي في مَوْسِمِ انتحاراتي / والرِّيحُ أطْفَأت الشُّموعَ / وَلَم تَتْرُكْ فُرْصَةً لِتُجَّارِ الأسلحةِ لِتَصْفِيةِ حَسَابَاتِهِم /
     انطفأَ العَالَمُ / لكنَّ الجثامينَ تَتَوَهَّجُ / جِئْتُ في زَمَنِ الانكسارِ / فلا تَسْأل الْمُخْبِرِينَ عَن بَلاطِ الزَّنازين / دَمُ الحيْضِ على رَاياتِ القَبائلِ / وعِظَامُ الضَّحايا مَغسولةٌ بِدِمَاءِ الشُّعوبِ الخرساءِ / تَعْمَلُ المقاصلُ بالطاقةِ الشَّمسيةِ / والبَقُّ يَأكلُ خُدودَ الصَّبايا في عُرْسِ الدِّماءِ / رَمَى البَحْرُ عَمُودَهُ الفِقرِيَّ في حَاوية القُمامةِ / وانتحرَ في أحضانِ البُحَيرةِ / وَطَني على كُرْسِيٍّ مُتَحَرِّكٍ / اكتشفتُ جِيناتِ حَبْلِ المِشْنقةِ / والمِشْنقةُ مُعَدَّلَةٌ وِرَاثِيَّاً / هَذِهِ بِلادي امْرَأةٌ بَاعَتْ غِشَاءَ بَكَارَتِهَا للقَراصنةِ /
     السَّنَاجِبُ تَتَشَمَّسُ على أشجارِ المقابرِ / ورَاقصةُ الفلامِنغو مَقتولةٌ في حَلَبَةِ مُصَارَعَةِ الثِّيرانِ / سَيَتَحَوَّلُ اسْمُ السَّجينِ إلى رَقْمٍ / أنا أرقامُ قَطَرَاتِ المطَرِ عِندَ السَّحَرِ / لَم أجْمَعْ دَمْعِي في عُلَبِ المشروباتِ الغازِيَّةِ / تَرَكْتُ نَدَمِي كَي أَندَمَ / وَعَلَّمْتُ تُرابَ حَديقتي أن يَبْكِيَ عَلَيَّ / وأنا أضَعُ رَأْسي على صَدْرِ الرِّيحِ وأبكي /
     الشَّجَرُ السَّجَّانُ / وَجَسَدي هُوَ سِجْني / عَلَّمْتُ البُكاءَ أن يَبْكِيَ عَلى ألواحِ صَدْري/ نُزَيِّنُ جُدرانَ غُرفةِ التَّحقيقِ بالأشلاءِ الْمُلَوَّنةِ / تَحْبِسُني هَذِهِ الغابةُ في مَداراتِ فَاكِهَةِ الإعدامِ / الصَّنوبرُ شَاهِدٌ على اغتيالِ السُّنونو/ وقَبْرُ الأمطارِ بِلا شَاهِدٍ / وَسَوْفَ تَبْقَى هُناكَ تُفَّاحةٌ شَاهِدَةٌ عَلى انتحارِ البُرتقالِ / وفي بَراري ذَبْحِ الوَطَنِ يُولَدُ وَطَنٌ /   
     أحْمِلُ عَلى ظَهْري سَكاكينَ مَطْبَخِ بَيْتِنا في الأندلسِ / وأحْمِلُ جُثةَ أبي في كِيسِ الْخُبْزِ الفَارغِ / الحقولُ الجرداءُ تنتشرُ في عُروقي / أنا مَلِكُ عَصْرِ الانحطاطِ / ولا أسْقُطُ إلا في دِماءِ العصافيرِ السَّجينةِ / دَمُ الحيْضِ في آبارِ القُرى المهجورةِ / وجُمْجُمتي هِيَ عَرْشي الذي أضَعْتُهُ في ليالي المرفأ الخريفيِّ / مَذبوحةٌ أنتِ يا أحلامَ الطفولةِ / مَقتولٌ أنتَ أيُّها الْحُلْمُ عَلى سُطوحِ الْمُسَدَّساتِ الْمَطْلِيَّةِ / بِرِعشةِ اليَمامِ وغَاباتِ الدَّمْعِ / أسْمَعُ صَهيلَ عِظَامي في الليلِ السَّحيقِ فلا أنامُ / والبَحْرُ يُجَامِعُ الرِّياحَ على قَشِّ الإسْطَبْلاتِ / ستنمو الأزهارُ في المجاعاتِ / والجِيَاعُ يَشْرَبُونَ دَمَ الحيْضِ لِبَناتِ آوَى / ويَأكُلُونَ نُهودَ نِسَائِهِم / والفُقراءُ وَحْدَهُم يَرْكُضونَ عُراةً في ذَاكرةِ الموْجِ الحافي / نَتَزَوَّجُ رِمَالَ القَلْبِ المنثورِ عَلى خَريطةِ الرِّئةِ المثقوبةِ / انقَرَضَتْ قَبَائِلُ البَجَعِ / الرَّاياتُ مُنَكَّسَةٌ في الزَّوابعِ البَنفسجِيَّةِ / وَكُرَيَاتُ دَمي البَيْضَاءُ عَلى الرَّايةِ البَيضاءِ /
     في الوَحْلِ النُّحاسِيِّ / سَقَطَتْ ضَفَائِرُ اليَتيماتِ الذهبيةُ / الكُحْلُ رَصاصٌ حَيٌّ يَتساقطُ في الذِّكرياتِ الميْتَةِ / وخُدودُ الأراملِ أرشيفٌ للانقلاباتِ العَسكرِيَّةِ / لَم أجِدْ أحَداً يَنقلِبُ عَلَيَّ سِوى رَقْمِ زِنزانتي / فانقلبتُ على قَلبي / رُموشي تَوابيتُ نُحَاسِيَّةٌ للفُقراءِ الذينَ ماتوا / ولا يَمْلِكُونَ أُجْرَةَ حَفَّارِ القُبورِ / كَسَرَ الغروبُ قِيثارتي / وذِكرياتي تَرْكُضُ إلى الغيومِ الخضراءِ / قَلبي مَهْجُورٌ / رِئتي مُوحِشَةٌ / وحُزْني مُتَوَحِّشٌ / كَأنَّني أُطْلِقُ عَلى قِطَطِ الشَّوارعِ الرَّصاصَ الْحَيَّ / مَعَ أنَّني أموتُ عَلى صَدْرِ قَلْمِ الرَّصاصِ / تَصْرُخُ أحزانُ القَمَرِ في السَّحَرِ / فيا ضَوْءَ المسدَّساتِ النَّقِيَّ / خُذ أجنحةَ الفَراشاتِ التي تتساقطُ مِن شَراييني زَفيراً / واتْرُك الغريبَ للغريبةَ / كُلُّنا غُرَباءُ في بَراري الْجُثَثِ المجهولةِ الْهُوِيَّةِ / سَنمشي في مَساءِ الرُّعْبِ إلى النَّهْرِ / كَي نُشَرِّحَ جُثَّتَهُ / ونَبْنِيَ مَملكةَ السَّرابِ بَيْنَ الحواجزِ العَسكرِيَّةِ وصَفَّاراتِ الإنذارِ / سَيَخْتَرِعُ الغرباءُ طُقوساً جَديدةً لِزَواجِ البَحْرِ مِنَ البُحَيرةِ/ الثلوجُ على نافذةِ الخريفِ/ والعَواصِفُ تَقْصِفُ قِرْمِيدَ الأكواخِ بِدِمَاءِ الشَّاعرِ المنبوذِ / والطائراتُ تَقْصِفُ شَواهِدَ القُبورِ في مِيناءِ الذاكرةِ / يَا وَحْشَةَ عُروقي في مَمالِكِ سُعالي / مَا لَوْنُ المطَرِ النَّائِمِ عَلى سَطْحِ البُحَيرةِ الأرْمَلَةِ ؟/ وَحيدٌ أنا في أسماءِ الضَّحايا/ مَنبوذٌ أنا في أرقامِ الضَّحايا / وَبَيْنَ الأسماءِ والأرقامِ تُولَدُ الذِّكرياتُ في مُدُنِ الإبادةِ /
     مَكانٌ سِرِّيٌّ لِحِفْظِ رَمَادِ الْجُثَّةِ بَعْدَ حَرْقِها / وَكُلُّ الغُزاةِ الذي مَرُّوا عَلى صَابُونِ الفَنادقِ الرَّخيصةِ رَحَلُوا/ وَأنا الغازي أُهَاجِمُ قَلْبي بِلا رَحمةٍ / أنا المقتولُ بِلا جُثةٍ / أنا الفَراشةُ بِلا أجنحةٍ / والموْتُ الرَّحيمُ لا يَرْحَمُ /
     أرْعَى قَطيعَ الدَّمعاتِ في القلوبِ المهجورةِ وَمُدُنِ الفَراغِ / تَجْدُلُ المرأةُ حَبْلَ مِشْنَقَتِهَا أو ضَفَائِرَهَا / فَكُن نَشيدَ الوَداعِ في الدُّوَيلاتِ اللقيطةِ / أنتَ الرَّاعي الأخيرُ للقَطيعِ السَّائرِ إلى هَاويةِ الصَّدى / فَكُن واثقاً مِن حَافَّةِ الجبَلِ / لِتَزْرَعَ وَرْدةَ الاحتضارِ في شُموسِ المعنَى/ سَتَنْبُتُ زَهْرَةٌ في قَلْبِ الصَّخْرِ / أجسادُ الشَّحَّاذِينَ مَزْهَرِيَّاتٌ أمامَ مَرايا الضَّجَرِ / ولَم أتَذَكَّر اسْمي إلا حِينَ رَأيتُ حَفَّارَ قَبري / انتحارُ البَحْرِ هُوَ مُديرُ أعمالِ الشَّاطِئِ/ تَركضُ حُقولُ المطرِ إلى جَبيني الْمُشَقَّقِ تَحْتَ قَمَرِ الخريفِ/ وأنا المهاجرُ في أشلائي / أعتنقُ الكِفَاحَ الْمُسَلَّحَ لأُفَكِّكَ عُقدي النَّفْسِيَّةَ / أنا الخريفُ الخائفُ مِنَ الأمطارِ الفِضِّيةِ/ أحزاني مُشَفَّرَةٌ/ والمساءُ الرِّيفيُّ يَفُكُّ شِيفرةَ حَبْلَ مِشْنقتي / والاحتراقُ بالْحُبِّ أجْمَلُ مِنَ الْحُبِّ / والمطَرُ يَزْحَفُ كالجنودِ على شَظايا الغروبِ الخشِنَةِ / عَصيرُ الذِّكرياتِ بِطَعْمِ الشُّوكولاتةِ / فَاذْكُرْني في طَريقِ البَحْرِ / صَفيرُ القِطَاراتِ يَذهبُ ولا يَعُودُ / وصَفَّاراتُ الإنذارِ تُولَدُ تَحْتَ أظافري / والسُّجناءُ يَحْرُثُونَ خُدودَهُم بَحثاً عَن ذَاكرةِ البَحْرِ وخُبْزِ الأُمَّهاتِ / الثلجُ على نوافذِ الخريفِ / والسَّجَّانُ يَبكي على صَدْرِ زَوْجَتِهِ / كُلُّنا سُجَناءُ في ليالي الجليدِ / وَحْدَهُ الرُّعْبُ يَتَزَلَّجُ على أشلائِنا / فَلْيَكُنْ لَحْمُكَ هُوَ النَّشيدَ الوَطَنِيَّ بَعْدَ مَوْتِ الوَطَنِ / سَيَصِيرُ فِرَاشُ الموْتِ لَوْحَةً زَيْتِيَّةً في مَتْحَفِ المنفَى/فاذْكُرْ جُمْجُمةَ أُمِّكَ بَيْنَ الزَّيْتِ والزَّعترِ في ليالي الشِّتاءِ / فيا أُمَّنَا القاتلةَ / فَرِّقي دِماءَ أبنائِكِ عَلى بَناتِ آوَى /
     الجِنْسُ مِزَاجٌ / وَمِزاجي مُتَعَكِّرٌ مُنذُ وِلادتي حَتَّى انتحاري / أبيعُ قَفَصي الصَّدْرِيَّ في السُّوقِ السَّوداءِ / لأشتريَ قَفَصَاً للعَصَافيرِ / أبيعُ شَظايا جُثماني في سُوقِ الرَّقيقِ الأبيضِ / لأشتريَ نَعْشاً لأبي الذي تَفَرَّقَ دَمُهُ بَيْنَ القَبائلِ / قُماشُ أكفاني أجنبيٌّ / لَكِنِّي أدْعَمُ الصِّناعةَ الوَطَنِيَّةَ / فَقَدْتُ ثِقتي في رُومانسِيَّةِ بَناتِ آوَى/ وَتَزَوَّجْتُ بَناتِ أفكاري/ ألْقَى النَّهْرُ مَعِدَتَهُ في حَاوِيةِ القُمامةِ/ وأنا مَملكةُ المجاعاتِ القُرْمُزِيَّةِ / أنامُ في الأرَقِ / وَأَبْني مَملكةَ السَّرابِ عَلى تِلالِ الجماجمِ / لَم يُفَرِّق الْخُلَفَاءُ بَيْنَ قُمصانِ النَّوْمِ للسَّبايا وقَميصِ عُثمان/ كَتَبْتُ وَصِيَّتي الأخيرةَ وأنا في بَطْنِ أُمِّي / وكانت رِحْلتي رُومانسِيَّةً مِنْ بَطْنِ أُمِّي إلى بَطْنِ الأرضِ/ قَرْقَعةُ عِظامِ الضَّحايا بَيْنَ أسناني / وأشلاءُ العَبيدِ مُعَلَّقَةٌ في سَقْفِ حَلْقي كالقَناديلِ / أسْمَعُ صُراخَ الدِّيدانِ في ثُقوبِ جِلْدي في المساءِ السَّحيقِ / كأنَّني أُعَلِّقُ سَاعةَ الحائطِ في زِنزانتي / لَكِنَّ زِنزانتي بِلا حِيطان /
     كأنَّ حَيَاتي سَاونا في مُنْتَصَفِ الليْلِ / الرِّيحُ تُهاجِمُ الكافتيريا على الطريقِ الصَّحراويِّ / ونَحْنُ نَشربُ قَهْوَةَ الذِّكرياتِ على حُدودِ الدُّوَلِ الْمُنهارةِ / دَمُ الحيْضِ عَلى أعلامِ القَبائلِ / والعَبيدُ يَهْتِفُونَ بَيْنَ أفخاذِ الملِكاتِ / 
     كالسِّنجابِ الأعْمَى الذي يَتَوَكَّأُ عَلى عُكَّازةِ أبي المقتولِ/ كانتْ نَوافِذُ بَيْتِنا في قُرْطُبة / فاحْفَظْ وَصايا قَاطِعِ الطريقِ / كَي تَعْرِفَ الطريقَ إلى البَحْرِ الأخيرِ / لا بَحْرَ بَعْدَ اليَوْمِ / خُضْتُ حَرْبَ اسْتِنْزَافٍ في ذِكرياتي / فَخَسِرْتُ قَصْري الرَّمْلِيَّ / وأنا الملِكُ المخلوعُ في نَشيدِ الرِّمالِ / لاجِئٌ أنا في دِمائي / مَنبوذٌ أنا في ضجيج الأمواجِ / خَسِرْتُ آخِرَ مَعَاقِلِي / ولَم تَسْمَحْ لِي أُمِّي أن أعيشَ في قَلْبِها / سَلَّمْتُ لِجَيْشِ دُموعي مَفاتيحَ قِلاعي / لَكِنِّي لَم أبِع الأندلسَ / أنا القائدُ المكسورُ / خَانَتْني الأغاني الوَطَنِيَّةُ في المنافي / هَرَبَ جُنودي مِنَ المعركةِ كَي يُضَاجِعُوا السَّبايا / ولَم يَبْقَ مَعي في المعركةِ غَيْرُ الذبابِ الذي سَيَحْرُسُ نَعْشي / أبْحَثُ في سُعالِ اليَتامى عَن عَرْشي / أظافري رَايةٌ بَيضاءُ تُرَفْرِفُ عَلى قَارورةِ الحِبْرِ الأخيرةِ / وَحَّدَت الهزيمةُ بَيْنَ وَجْهي وقِناعي / وستظلُّ الهزائمُ تاريخَ الوَحْدةِ بَيْنَ الأضدادِ / لا سَكاكينَ في مَطْبَخِ بَيْتِنا في حِصَارِ سَراييفو / جَسَدي زِنزانتي / والمِفتاحُ ضَائعٌ / رُموشي دَولةٌ بُوليسِيَّةٌ للسُّنونو والأمطارِ / فَكَيْفَ أهْرُبُ مِن رُموشي ؟ / جَوَارِحي مُخْبِرُونَ/ فَكَيْفَ أثِقُ بِقَلْبي؟/ فِرَاشُ الموْتِ مُمَدَّدٌ بَيْنَ دَقَّاتِ قَلبي ودَقَّاتِ السَّاعةِ/وجُثمانُ أبي مَنْسِيٌّ بَيْنَ عَقاربِ السَّاعةِ وعَقاربِ الصَّحراءِ / والإعصارُ يَبْني إمبراطُورِيَّةَ الوَهْمِ بَيْنَ جُفوني ورُموشي/
     أتعَاطَى الذِّكرياتِ بالْحُقَنِ / وَيُنَقِّبُ قُطاعُ الطُّرُقِ عَنِ النِّفطِ في نُهودِ زَوْجَاتِهِم / والفِئرانُ تَخْرُجُ مِن ثُقوبِ جِلْدي / وأجنحةُ الجرادِ تتساقطُ في كُرَيَاتِ دَمي / فاسْتَثْمِرْ ما تساقَطَ مِن أُنوثةِ العَواصِفِ / في نَشيدِ عِظَامي الْمُتَحَارِبَةِ / وَاشْكُر الأعاصيرَ لأنَّها عَقَدَتْ هُدنةً بَيْنَ قَلبي ورِئتي /
     عَشَاءٌ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ / تَحْتَ حِرَاسةِ البَنادقِ الآلِيَّةِ / ذَهَبَ العُشَّاقُ إلى الموْتِ / وصارَ الشَّايُ بَارِداً / ذَهَبَت الرُّومانسِيَّةُ إلى فِرَاشِ الموْتِ / وَبَقِيَ عَصيرُ البُرتقالِ على الطاولةِ وَحيداً / الذاكرةُ مَلِكَةُ السَّبايا التي تَوَّجَهَا الطوفانُ عَلى عَرْشِ الأضرحةِ / نَزرعُ القَمْحَ في النَّيازكِ / والنَّهرُ قُتِلَ رَمْياً بالرَّصاصِ / دِفَاعاً عَن شَرَفِ البُحَيرةِ / أمشي عَلى رِمَالِ المعنَى المكسورِ / ودَمْعي هُوَ الوَجْهُ السَّابعُ في حَجَرِ النَّرْدِ / وكُلُّنا نَحتفِلُ بِعِيدِ مِيلادِ حَفَّاري القُبورِ /
     كَعُودِ الثِّقابِ لَيْلَةُ الدُّخْلةِ / شُعْلَةٌ مُؤقَّتةٌ ثُمَّ انطفاءٌ أبديٌّ / كُلُّ شَيْءٍ يَنطفِئُ / يَتحدَّثُ السَّجَّانُ باسْمي في غُرفةِ التَّحقيقِ/ وأنا أتحدَّثُ بِاسْمِ أرقامِ الزَّنازين/ فُزْتُ في انتخاباتِ الرَّقيقِ الأبيضِ / وَشَكَّلْتُ حُكومةَ الإِمَاءِ وقُطَّاعِ الطُّرُقِ /
     يَقُولُ لِي سَجَّاني/ لا تَقْلَقْ هُناكَ ضَوْءٌ في آخِرِ النَّفَقِ/ لَكِنِّي أسألُ وَحْلَ الشَّوارعِ أيْنَ النَّفَقُ ؟ / صِهْري اليُورانيومُ / وأنا اليَتيمُ / شَجَرَةُ نَسَبِي زَيْتُونةٌ مَنْسِيَّةٌ في مَقبرةٍ قَديمةٍ / فاذْهَبْ إلى حفَّارِ القُبورِ / سَأُوَفِّرُ لَكَ الدَّعْمَ اللوجِسْتِيَّ/ المرفأُ المحروقُ بالأمطارِ الصَّفراءِ/ والشُّطآنُ تَتَزَوَّجُ ذُهولَ اليَتامى أمامَ جَثامينِ أُمَّهَاتِهِم / فيا أيُّها الوَطَنُ المنثورُ عَلى طَاوِلاتِ الْمُقَامِرِينَ / ارْمِ الوَرَقَةَ الأخيرةَ في جِنازةِ البَجَعِ / سَأَرْمي أوْرِدَتي في آبَارِ عَرَقِي /
     بَناتُ مُديرِ الْمُخَابَرَاتِ العَوَانِسُ / يَتَزَوَّجْنَ الْمُخْبِرِينَ في مَقاهِي السُّلِّ / فابْنِ قَبْرَ الجنديِّ المجهولِ بَيْنَ النَّخَّاسِ والمهرِّجِ / اتْبَعْني يَا رَمْلَ البَحْرِ في حَياتي / اتْبَعِيني يَا ضَفائِرَ البُحَيرةِ في مَماتي / أنا الرُّبَّانُ الذي أغْرَقَ السَّفينةَ / كُلُّ أشلائي تَمضي إلى البَحْرِ البَعيدِ / أجْلِسُ عَلى صَخْرةِ الأحزانِ في شَاطِئِ الخريفِ / أغْمِضُوا أعْيُنَكُم أيُّها السَّجَّانونَ والسُّجَناءُ / كَي أرَى نِيابةً عَنْكُم / الدَّولةُ صَارَتْ مَزْبَلَةً / وأعلامُ القَبائلِ صَارَتْ أغْشِيَةَ البَكَارَةِ / كُلُّنا نَبْحَثُ عَنِ الشَّرَفِ في وَطَنٍ بَاعَ شَرَفَهُ للنَّخَّاسِين / كُلُّنا نَبْحَثُ عَنِ المجدِ في بَحْرٍ بَاعَ مَجْدَهُ للقَرَاصِنَةِ /
     أعْطَيْتُ ظَهْري لِبَناتِ الملوكِ / وَتَزَوَّجْتُ بَناتِ آوَى / والعَبيدُ لا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ أثداءِ الملِكاتِ وأثداءِ البَقَرَاتِ / فيا أيُّها المساءُ الخريفيُّ / إِنْ كُنتَ صَديقَ الأمواتِ / فَتَذَكَّرْ بَرِيقَ عُيونِ الأراملِ عَلى فَأسِ الذِّكرياتِ / أفَكَارُ أشجارِ المدافِنِ مِطْرَقَةٌ / وأجفانُ العاصفةِ مَساميرُ / لَم أزْرَعْ جَدائِلَ أُمِّي في رُموشِ الرِّيحِ / حَديقتي أضاعتْ عُنوانَ قَبري/ وجُثماني مَنْسِيٌّ في صُندوقِ البَريدِ/ والزَّوابعُ خَبَّأتْ جُثَثَ الأطفالِ في الحقائبِ المدرسِيَّةِ / الجيوشُ البَدَوِيَّةُ هَرَبَتْ مِنَ المعركةِ / وَلَم يَعْرِفْ قَمَرَ الأندلسِ غَيْرُ جَيْشِ الجواري / اعْتَزَلْتُ العِشْقَ / فلا تَعْشَقِيني يا مَساميرَ نعشي / ذِكرياتي مَساميرُ في ألواحِ السُّفُنِ الغارقةِ / وهذا جِلْدي نَجَّارٌ مُبْتَدِئٌ / وقَلْبي حَبَّةُ كَرَزٍ مُسَيَّجَةٌ بالأسْمَنْتِ الْمُسَلَّحِ/
     حَاصِرْ ضَوْءَ اليَاسَمِينِ في المِشْنَقةِ المشنوقةِ / تَجِدْني حَوْلَ جِنازةِ أَمَةٍ مَوْؤُدةٍ بِلا تُرابٍ/ فَيَا وَحْلاً يَتَزَوَّجُ كُحْلَ العَرائسِ / لا تُصَدِّقْ هَزيمةَ الأسْفَلْتِ في ذَاكرةِ الجنودِ / كُلُّنا هَرَبْنا مِنَ المعركةِ / ونَحْنُ سَائرونَ إلى ليالي الخريفِ / تَرْحَلُ الأشجارُ في المساءِ مِنَ المقابرِ إلى القُلوبِ / والفَيَضَانُ يَسْكُبُ الأسْمَنْتَ في رِئتي / وشَراييني مُعَبَّأةٌ بِعَصيرِ الليمونِ الذي تَرَكَهُ العُشَّاقُ وماتوا / والسُّجناءُ زَرَعُوا أرقامَهُم في أراجيحِ حَديقةِ السِّجْنِ / فَعِشْ في نوافذِ الشِّتاءِ التي تُطِلُّ عَلى ضَريحي / كَي تَموتُ لامِعاً بَيْنَ لَمَعَانِ الفُؤوسِ ولَمَعَانِ المسدَّساتِ / أنتَ العَاصِفَةُ أو العَاطِفَةُ / فلا تُشْفِقْ عَلَيَّ / لَسْتُ الأسيرَ الوَحيدَ في قَلْعةِ الذِّكرياتِ / كُلُّنا أسْرَى / ودَمْعُ أُمَّهَاتِنا في المساءِ يَأْسِرُنا / كانتْ أظافِرُنا تَرْكُضُ إلى أحلامِ الطفولةِ الضَّائعةِ / وكانَ الْمُخْبِرُونَ يُرَاقِبُونَ أحلامَنا مِن أبراجِ الحمَامِ .