22‏/11‏/2019

سأعيش سرًّا غامضًا / قصيدة

سأعيش سرًّا غامضًا / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.................

     سَأعيشُ سِرَّاً غَامِضاً/ والموْتُ يَفُكُّ شِيفرةَ ذِكْرياتي / ذَهَبَت الذِّكرياتُ إلى الاحتضارِ / وفِرَاشُ الموْتِ على الأثاثِ الْمُسْتَعْمَلِ/ وألعابُ الأطفالِ تَحْتَ أنقاضِ البُيوتِ/وجُثماني هُوَ بَيْتُ العَنكبوتِ/
     أنا الحاجِزُ العَسكريُّ بَيْنَ الرُّومانسيةِ والكِفَاحِ الْمُسَلَّحِ/ أنا الرَّصاصةُ الْمَنْسِيَّةُ بَيْنَ شُيوخِ القَبائلِ ومُلوكِ الطوائفِ / أنا النَّشيدُ الوَطنيُّ بَيْنَ الفَراغِ العاطفيِّ والفَراغِ السِّياسيِّ /
     كَسَرَتْ أحزانُ الطفولةِ أجنحةَ الذبابِ / والأمطارُ تَعيشُ في دَمِي النُّحاسيِّ أشجاراً / ونَحْنُ اليتامى / بِعْنا دِمَاءَ آبائِنا في السُّوقِ السَّوداءِ / وانكَسَرَتْ جَدائلُ أُمَّهاتِنا في صَوْتِ الرَّصاصِ / ونَصْعَدُ إلى هَاويةِ اللازَوَرْدِ حَبْلَ غَسيلٍ أوْ حَبْلَ مِشْنقةٍ /
     وُلِدَ قَلبي في الخريفِ / وماتَ في الشِّتاءِ / لَكِنِّي مُحَاصَرٌ بأزهارِ المقبرةِ / ولا أعْرِفُ مِن أيْنَ سَيَأتي الموْتُ / وأوراقُ الخريفِ لا تَعْرِفُ مِن أيْنَ سَيَأتي الشِّتاءُ / انكسرَ جَسَدُ المرأةِ / وضَاعَت الْجُغرافيا / وانكَسَرَت الدَّولةُ / وضاعَ التاريخُ / لا امرأةٌ ولا دَولةٌ / لا جُغرافيا ولا تاريخ /
     أيُّها البَحَّارةُ/ كُونوا رُومانسِيِّينَ كَمَنَادِيلِ الوَداعِ/ إِنَّ السَّفينةَ تَغْرَقُ/ اعْشَقُوا نَوَارِسَ الغروبِ / ارْمُوا جُثةَ الرُّبَّانِ في البَحْرِ / ارْفَعُوا أعلامَ القَبائلِ على جُلودِ فِئرانِ السَّفينةِ / وَدِّعُوا بَعْضَكُم / إنَّهُ فِرَاقٌ لا لِقَاءَ بَعْدَهُ/ أكَلَ الإعصارُ الذِّكرياتِ/ والنِّساءُ وَاقفاتٌ على رَصيفِ المِيناءِ/ يَنْتَظِرْنَ ثِيَابَ الحِدَادِ والجِنازةَ العَسكرِيَّةَ والأغاني الوَطنيةَ / ونَسِيَ العُشَّاقُ عَصيرَ البُرتقالِ عَلى طَاوِلاتِ المطاعمِ/ وذَهَبُوا إلى الموْتِ / والعَناكبُ تَتساقطُ في عَصيرِ البُرتقالِ / أكَلَ البَقُّ خَشَبَ الطاولات / وأكَلَ سَرَطَانُ الثَّدْيِ صُدورَ البَنات / ماتت الذِّكريات / وَكُلُّ شَيْءٍ مات /
     لماذا تَكْرَهُوني يا مُلوكَ الطوائفِ ؟ / النُّعوشُ مُرَتَّبَةٌ تَحْتَ رَاياتِ القَبائلِ الْمُنَكَّسَةِ / وجَدائلُ النِّساءِ مَصْفُوفةٌ كالتَّوابيتِ على سُطوحِ القِطَاراتِ / أخذتُ الجِزْيةَ مِن مُلوكِ أُورُوبَّا / وتَصَدَّقْتُ على البَدْوِ الرُّحَّلِ / الذينَ سَكَبُوا السَّائِلَ الْمَنَوِيَّ في آبارِ النِّفْطِ / والعصافيرُ تَقِفُ على صَفَّاراتِ الإنذارِ في مَملكةِ السُّلِّ / وتَرْمي الفَتَيَاتُ مَناديلَ الوَدَاعِ في صَفيرِ القِطَارات / وَكُلُّ شَيْءٍ مَات /
     أنا دَليلٌ سِيَاحِيٌّ في مَقابرِ الملوكِ / أنا بَائعٌ مُتَجَوِّلٌ في مَوَانِئِ الرَّحيلِ / جُثماني مَعروضٌ للبَيْعِ في السُّوقِ السَّوداءِ/ وأشلائي تُزَيِّنُ حِيطانَ المتاحفِ / وعُكَّازةُ أبي تُباعُ في الْمَزَادِ العَلَنِيِّ / وأنا المنبوذُ/ أبيعُ النَّعناعَ أمامَ المحاكمِ العَسكرِيَّةِ / وتَضْحَكُ الغَجَرِيَّاتُ أمامَ مَحكمةِ أمْنِ الدَّولةِ / ويَرْحَلْنَ إلى نَشيدِ الغروبِ / مَاتت الدَّولةُ / وماتت الأُغْنِيَات / وَكُلُّ شَيْءٍ مات .