19‏/01‏/2021

أوغسطينوس وكتاب الاعترافات

 

أوغسطينوس وكتاب الاعترافات

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.........

     وُلد الفيلسوف النوميدي اللاتيني أوغسطينوس أو أوغسطين(354 م_ 430 م) في طاغاست حاليًّا سوق أهراس بالجزائر، التي كانت مدينةً تقع في إحدى مقاطعات مملكة روما في شمال أفريقيا.

     كانت أُمُّه مونيكا أمازيغية ومسيحية مؤمنة . أمَّا والده، فكان وثنيًّا اعتنق المسيحية على فراش الموت. ورغم نشأته المسيحية ، فإنه ترك الكنيسة ليتبع الديانة المانوية خاذلاً أُمَّه .

     تلقى تعليمه في روما ، وتعمَّد في ميلانو . وعندما بلغ الحادية عشرة من عُمره أرسلته أسرته إلى مداوروش، مدينة نوميدية تقع 30 كم جنوبي طاغاست . وفي عُمر السابعة عشرة ذهب إلى قرطاج لإتمام دراسة علم البيان .

     في شبابه عاش أوغسطينوس حياة استمتاعية ، وفي قرطاج كانت له علاقة مع امرأة ستكون عشيقته لمدة خمسة عشر عامًا . وخلال هذه الفترة ، ولدت له عشيقته ابنًا حمل اسم أديودادتوس.

     كان تعليم أوغسطينوس في موضوعَي الفلسفة وعلم البيان، عِلم الإقناع والخطابة. بعد أن عمل في التدريس في طاغاست وقرطاج ، انتقل عام 383 إلى روما ، لظنِّه أنها موطن خيرة علماء البيان . إلا أنه سُرعان ما خاب ظنُّه من مدارس روما ، وعندما حان الموعد لتلاميذه لكي يدفعوا ثمن أتعابه قام هؤلاء بالتهرُّب من ذلك . وعندئذٍ ، قام أصدقاؤه المانويون بتقديمه لوالي روما، الذي كان يبحث عن أستاذ لعلم البيان في جامعة ميلانو، تَمَّ تعيينه أستاذًا هناك ، واستلم منصبه في أواخر عام 384 . في ميلانو ، بدأت حياة أوغسطينوس بالتحول. من خلال بحثه عن معنى الحياة بدأ يبتعد عن المانوية منذ أن كان في قرطاج ، خاصة بعد لقاء مخيِّب مع أحد أقطابها . وقد استمرت هذه التوجهات في ميلانو . توجَّهت أُمُّه إليها لإقناعه باعتناق المسيحية، كما كان للقائه بأمبروسيوس، أسقف ميلانو أثر كبير على هذا التحول.لقد أُعْجِب أوغسطينوس بشخصية أمبروسيوس وبلاغته، وتأثرَ من مواعظه ، فقرَّر ترك المانوية إلا أنه لَم يعتنق المسيحية فورًا ، بل جرَّب عِدَّة مذاهب وأصبح متحمسًا للأفلاطونية المحدَثة . في صيف 386 ، بعد قراءته سيرة القديس أنطونيوس الكبير وتأثره بها قرَّر اعتناق المسيحية، وترك علم البيان ومنصبه في جامعة ميلانو ، والدخول في سلك الكهنوت. لاحقا سَيُفَصِّل مسيرته الروحية في كتابه الاعترافات .

     قام أمبروسيوس بتعميده وتعميد ابنه في عام 387 في ميلانو . وفي عام 388 ، عاد إلى أفريقيا ، وقد تُوُفِّيت أُمُّه وابنه في طريق العودة ، وقد تركاه دون عائلة .

     بعد عودته إلى طاغاست ، قام بتأسيس دَير . وفي عام 391 تَمَّت تسميته كاهنًا في إقليم هيبو( اليوم عنابة في الجزائر ) .

     أصبح واعظًا شهيرًا ، وقد تَمَّ حفظ أكثر من 350 موعظة تُنسَب إليه ، ويعتقد أنها أصلية . وقد عُرِفت عنه محاربته المانوية التي كان قد اعتنقها في الماضي .

     وفي عام 396 ، تَمَّ تعيينه أسقفًا مساعدًا في هيبو ، وبقي أسقف هيبو حتى وفاته . ورغم تركه الدَّير إلا أنه تابع حياته الزاهدة في بيت الأسقفية. والأنظمة الرهبانية التي حدَّدها في دَيْره أهَّلته أن يكون شفيع الكهنة .

     تُوُفِّيَ أوغسطينوس في 18 آب 430 عن عُمر يناهز السادسة والسبعين، بينما كان الفاندال ( إحدى القبائل الجرمانية الشرقية ) يُحاصرون هيبو . شجَّع أهل المدينة على مقاومة الفاندال ، وذلك لاعتناقهم الأريوسية. ويُقال أيضًا إنه تُوُفِّيَ في اللحظات التي كان الفاندال يقتحمون أسوار المدينة .

     يُلقَّب " القديس أوغسطينوس " بابن الدموع ، نِسبةً إلى دموع أُمِّه التي كانت تذرفها لمدة عشرين سنة رغبةً منها خلال صلاتها أن يَرجع ابنها إلى ديانته الأولى وهي المسيحية .

     إن أوغسطينوس شخصية مركزية في المسيحية ، وتاريخ الفكر الغربي على حد سواء . وقد تأثرَ فكره اللاهوتي والفلسفي بالرواقية والأفلاطونية والأفلاطونية المحدَثة، وخصوصًا فكر أفلوطين مؤلف التاسوعات .

     تعتبره الكنيستان الكاثوليكية والأنغليكانية قديسًا ، وأحد آباء الكنيسة البارزين ، وشفيع المسلك الرهباني الأوغسطيني . ويعتبره الكثيرون من البروتستانت ( خصوصًا الكالفنيين ) أحد المنابع اللاهوتية لتعاليم الإصلاح البروتستانتي حول النِّعمة والخلاص . وتعتبره بعض الكنائس الأرثوذكسية مثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية قديسًا .

     تُعتبَر " الاعترافات" أهم مؤلفات أوغسطينوس على الإطلاق،وهي أول سيرة ذاتية في الغرب، ولا تزال مقروءة في شتى أنحاء العالم . ويحكي فيها عن حياته ، ويُبيِّن كيفية عَرَفَ اللهَ ، وانتقل بعد ذلك إلى الفكر المسيحي . وتتكوَّن من ثلاثة عشر كتابًا ، وهي مكتوبة باللغة اللاتينية في الفترة    ( 397 _ 400 ) .