08‏/01‏/2021

أنطون تشيخوف وزعامة القصة القصيرة

 

أنطون تشيخوف وزعامة القصة القصيرة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

..............


     وُلد الكاتب الروسي أنطون تشيخوف ( 1860_ 1904) في تاغانروغ ، وهو ميناء على بحر آزوف جنوب روسيا . كان والده ابن أحد العبيد السابقين ، ويُدير بقَّالة . وكان يعتنق الأرثوذكسية الشرقية ، ويُوصَف بأنه كان أبًا تعسفيًّا . بَل نظر إليه بعض المؤرِّخين على أنه نموذج في النفاق في التعامل مَعَ ابنه . أمَّا والدته فكانت راوية ممتازة في حكايتها الترفيهية للأطفال عن رحلاتها مع والدها تاجر القُماش في جميع أنحاء روسيا. ويقول تشيخوف : (( حصلنا على مواهبنا مِن آبائنا ، أمَّا الروح فأخذناها مِن أُمَّهاتنا )) .

     كان تشيخوف عاشقًا للمسرح وللأدب مُنذ صِغَره ، وحضر أول عرض مسرحي في حياته عندما كان في الثالثة عشرة مِن عُمره . ومنذ تلك اللحظة أضحى عاشقًا للمسرح، وكان يُنفق كل مُدَّخراته لحضور المسرحيات .

     في عام 1876، أعلن والد تشيخوف إفلاسه بعد إفراطه في الحصول على التمويل كي يبنيَ منزلاً جديدًا. وغادرَ إلى موسكو كي يتجنب السجن بسبب دُيونه غَير المدفوعة . وعانت عائلته من الفقر في موسكو ، وكانت والدته مُدمَّرة عاطفيًّا وجسديًّا . ولَم يبقَ أمامه إلا بيع ممتلكات الأسرة وإنهاء تعليمه . كان تشيخوف مُجْبَرًا على دفع تكاليف التعليم الخاصة به ، حيث نجح في وظائف كَمُعلِّم خُصوصيٍّ ، وفي اصطياد وبيع طُيور الحسون ، والرسومات التخطيطية للجرائد. وفي عام 1879، أتَمَّ تشيخوف تعليمه ، وقُبِل في كلية الطب في جامعة موسكو .

     في عام 1884، تخرَّجَ كطبيب . وقد اعتبرَ الطب مهنته الرئيسية ووظيفته الأساسية . وأحرزَ القليل مِن المال مِن هذه الوظيفة ، وكان يُعالج الفقراء مَجَّانًا . ورغم تمسُّكه بمهنة الطب ، إلا أنه لَم يترك الكتابة ، وكان يقول : (( إن الطب هو زَوجتي ، والأدب عشيقتي )) .

     وفي عام 1887، فازت مجموعة تشيخوف القصصية " في الشفق " بجائزة بوشكين لأفضل إنتاج أدبي مُتميِّز بقيمة فنية عالية . وفي هذه السنة ، أُصيب تشيخوف بالإرهاق واعتلال الصحة .

     وفي عام 1897، تعرَّضَ تشيخوف لِنَزيف كبير في الرئتين بينما كان في زيارة لموسكو . وأُقنِع بصعوبة لكي يذهب إلى العيادة، حيث قام الأطباء بتشخيص حالته، وتَبَيَّن لهم أنه مُصاب بمرض السُّل في الجزء العلوي مِن رئتيه ، وأدَّى هذا المرض إلى تغيُّر نمط حياته . وبعد وفاة والده في عام 1898، اشترى تشيخوف قطعة أرض في ضواحي مدينة يالطا ، وبنى فيها فيلا . وانتقلَ إليها مع والدته وشقيقته . وقام بزراعة الأشجار والزهور في يالطا ، وحافظَ على الكلاب ، واستقبل الضُّيوف مثل ليو تولستوي ومكسيم غوركي. وكان يشعر دائمًا بارتياح عند تركه لسيبيريا الساخنة ، مِن أجل السفر إلى موسكو أو إلى الخارج . وفي عام 1901 ، تَزَوَّج تشيخوف مِن أولغا كنيبر .

     بحلول مايو 1904، كان تشيخوف مُصَابًا بمرض السُّل ، وأشارَ شقيقه إلى أن " جميع مَن رَأوْهُ شعروا بداخلهم أن نهايته ليست ببعيدة " .

     تعلَّمَ الكثيرُ مِن كُتَّاب المسرحيات المعاصرين مِن تشيخوف كيفية استخدام المزاج العام للقصة والتفاصيل الدقيقة الظاهرة ، وتجمُّد الأحداث الخارجية في القصة ، لإبراز النفسية الداخلية للشخصيات . وقد تُرجمت أعمال تشيخوف إلى لغات عديدة .

     يُعتبَر تشيخوف أعظم كُتَّاب القصص القصيرة على مدى التاريخ ، ومِن كبار الأدباء الروس . كتبَ المئات مِن القصص القصيرة التي اعْتُبِر الكثير منها إبداعات فنية كلاسيكية ، كما أن مسرحياته كان لها تأثير عظيم على دراما القرن العشرين .

     كان تشيخوف يكتب في البداية لتحقيق مكاسب مادية فقط، ولكن سُرعان ما نمت طموحاته الفنية، وقام بابتكارات رسمية أثَّرت بدورها على تطوير القصة القصيرة الحديثة ، وتتمثل أصالتها بالاستخدام المبتكَر لتقنية تيار الشُّعور الإنساني الداخلي ، اعتمدها فيما بعد جيمس جويس ، والكُتَّاب الْمُحْدَثُون .

     مِن أبرز مسرحياته : أغنية البجعة ( 1887) . غابة الشيطان ( 1889) . الأخوات الثلاث  ( 1901) . بستان الكرز ( 1904) .

     مِن أبرز قصصه : وفاة موظف ( 1883) . الحرباء ( 1884) . الصَّيادون ( 1885) . الراهب الأسود  ( 1894) . سيدة مع الكلب ( 1899) . الكهنة ( 1902) .