28‏/02‏/2021

بيرل باك ورفض التنصير

 

بيرل باك ورفض التنصير

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

............

     وُلدت الأديبة الأمريكية بيرل باك ( 1892_ 1973) في ولاية فرجينيا الأمريكية، لأبوين يَعملان في مجال التنصير ( التبشير )، وسافرت معهما إلى الصين وهي في شهرها الخامس ، وعاشت سنوات طويلة في الصين ، حيث تعلمت خلالها اللغة الصينية ، وفهمت عادات الشعب الصيني وتقاليده . وقد حاولت جاهدةً أن تجعل رواياتها جسرًا بين الثقافة الأمريكية والثقافة الصينية، رغم الاختلافات الفكرية ، والتناقضات الثقافية.

     لم تكن باك تنتمي لأسرة من الْمُنصِّرين ( المبشِّرين بالمسيحية ) فَحَسْب ، بَل كانت هي أيضًا مُبشِّرة ، عملت في صفوف هيئة الإرساليات التبشيرية . وتأثرت بتجارب والدَيْها ، فقد كانت أُمُّها راوية بارعة للقصص ، خصوصًا القصص المتعلقة بالحرب الأهلية الأمريكية . كما أن جولات والدها التبشيرية في الأرياف والمناطق المنعزلة وَفَّرت له رَصيدًا هائلاً من القصص ، التي كان يرويها لأولاده عِند عَودته ، وقد تركت أثرًا عميقًا في نفْس ابنته بيرل .

     ومن الأحداث الصادمة في حياتها وحياة عائلتها ، نشوء جمعية صينية سرية في عام 1900 ، قادت ثورةً لطرد الأجانب ، وطالبت الصينيين الذين تنصَّروا بالعَودة إلى دياناتهم الأصلية . وهذا الأمر اضطرها هي وعائلتها للهروب مِن منزلهم إلى ساحل البحر ، للنجاة من هذه الثورة . ورغم هذه المعاناة ، إلا أن باك كانت تعتبر الثورة نتيجة منطقية للاستغلال الغربي ، وما عاناه الصينيون مِن ظُلم الغرب وحِقد أبنائه . فقد كان التنصير وسيلة للسيطرة على الشعب الصيني ، وإخضاعه للثقافة الغربية . وفي عام 1910 ، سافرت باك إلى أمريكا ، للالتحاف بكلية راندولف للبنات ، وهناك واصلت الكتابة في المجلات والصحف، وفازت بجائزتين أدبيتين . الأولى لأحسن قصة تكتبها طالبة، والثانية لأفضل قصيدة . وقد عانت كثيرًا في الكلية ، إذْ ظَهرت الاختلافات بينها وبين زميلاتها، بسبب أفكارها وطريقة تربيتها ، وتَمَّ اعتبارها غريبة الأطوار ، لكنَّها استطاعت أن تعيد تشكيل حياتها لتنسجم مع الحياة الغربية في طريقة الحياة والحديث واللباس .

     حصلت على  ليسانس الآداب من كلية راندولف ماكون للبنات عام 1914 ، ثُمَّ عملت مُدرِّسة للفلسفة في نفْس الكلية لمدة سنة واحدة ، وبعدها عادت إلى الصين ، للاعتناء بوالدتها المريضة . وفي الوقت نفْسه ، قامت بتدريس اللغة الإنجليزية للطلاب الصينيين . كما استغلت وقت فراغها لدراسة المؤلفات الصينية بشكل أكثر عُمْقًا .

     والجديرُ بالذِّكر أنَّ الاسم الحقيقي لهذه الكاتبة هو"بيرل سيدينستريكر"،ولكنَّها عندما تزوَّجت حَملت اسم عائلة زوجها " جون لوسينج باك " ، وهو خبير زراعي عيَّنته هيئة الإرساليات البروتستانتية لتعليم الصينيين طرق الزراعة الأمريكية ، وهكذا تحوَّل اسمها إلى " بيرل باك".

     سافرت باك مَعَ زوجها في أنحاء الصين ، وشاهدت عن قُرب النِّزاعات الاجتماعية في المجتمع الصيني ، وتفكك الأُسرة ، والصراعات النفسية التي تسيطر على حياة الصينيين ، ورأت مشاعر التمزق بين القديم والحديث ، والصِّدام بين النظام الأبوي الصارم والحياة المتحررة للفرد . فقد انتشر في المجتمع الصيني التدخين على نطاق واسع ، وازداد الاختلاط بين الجنسين ، وانتشر الرقص الأمريكي ، وبَرزت فكرة التمرد ضد السُّلطة الأبوية ، وصار الشابُّ يتَّخذ قرار الزواج بعيدًا عن أُسرته ، وقد كانت الأُسر الصينية تختار الزوجات لأبنائها ، وتتولى تزويجهم . وفي ظل هذه الظروف ، ظَهرت الدعوات إلى الشيوعية ، كرد فعل مضاد لفلسفة الحياة الغربية .

     في عام 1925 ، سافرت إلى أمريكا من جديد، لعلاج ابنتها كارول التي كانت تعاني من التخلف العقلي ، ولكنْ تَبَيَّنَ أنها ستظل مُعاقة طيلة حياتها . وفي عام 1933 ، كتبت باك مقالاً انتقدت فيه المنصِّرين ( المبشِّرين ) الذي يحرصون على زيادة أعداد الداخلين في دِينهم عن طريق ابتزازهم واستغلال جهلهم وفقرهم ، ودُون مُراعاة ظُروفهم الإنسانية .

     أدى نشر المقال لاستقالتها من هيئة الإرساليات التبشيرية، فكان طلاقًا أبديًّا بينها وبين المؤسسة التي عملت في صفوفها وانتمت إِلَيها . وفي عام 1935 ، طَلَّقها زوجها جون لوسينج باك ، وتزوَّجت في العام نفْسه ريتشارد جون والش ، رئيس شركة جون داي للطباعة والنشر ، ورئيس تحرير مجلة آسيا ، وأقامت معه في أمريكا حتى وفاته عام 1960 .

     تعلمت باك الصينية قبل الإنجليزية ، ثُمَّ تعلمت الإنجليزية ، وهذا وَفَّرَ لها ثَروة لغوية هائلة ، وجعل أسلوبها الأدبي قويًّا ومتماسكًا . وقد انكبَّت على قراءة القصص مُنذ نعومة أظفارها ، وهي كاتبة غزيرة الإنتاج . وقد لُقِّبت بالكاتبة الصينية لأن معظم كتاباتها مُستوحاة من الحياة في الصين.

     حصلت على جائزة بوليتزر ( 1932) عن روايتها الأرض الطيبة ، وحصلت أيضًا على جائزة نوبل للآداب عام 1938 ، لتكون بذلك أول كاتبة أمريكية تفوز بهذه الجائزة العالمية .

     من أبرز رواياتها: الأرض الطيبة ( 1931).بيت منقسم ( 1935). جناح المرأة ( 1946) . الموجة الكبيرة ( 1948) . رسالة من بكين ( 1957). الموت في قلعة ( 1965) .