15‏/03‏/2021

توماس ستيرنز إليوت والأرض الخراب

 

توماس ستيرنز إليوت والأرض الخراب

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

..............

   وُلد الشاعر الإنجليزي من أصل أمريكي توماس ستيرنز إليوت"تي إس إليوت"(1888_1965) بمدينة سانت لويس في ولاية ميسوري . تخرَّجَ من جامعة واشنطن بمدينة سانت لويس ، ثم التحق بجامعة هارفارد، وتخرَّجَ فيها عام 1910 . ثم انتقل إلى باريس ، ودرس الأدب الفرنسي والفلسفة في جامعة السوربون . وعاد بعدها إلى جامعة هارفارد للدراسة العليا في الفلسفة وعلم النفس . ثم التحق بجامعة مابرغ الألمانية عشية الحرب العالمية الأولى ، وسُرعان ما انتقل إلى جامعة أكسفورد لدراسة الفلسفة الإغريقية. كانت قصائد إليوت قليلة للغاية ، وهذا لا يتناسب معَ مكانته العالمية . ومن الواضح أنه كان يُركِّز على النَّوعية، فقد بنى شُهرته العالمية على قصائد معدودة، وكان يكتب قصيدتين أو ثلاث في السنة . لكنَّ هذه القصائد كانت مُدهِشة ومُميَّزة ، وكُلُّ واحدة تُعتبَر عَالَمًا شِعريًّا متكاملاً ، ومنظومةً أدبية فريدة بحد ذاتها .

     في عام 1915 ، ظهرت أولى قصائده " أغنية حب ج. ألفريد بروفروك " في مجلة " شِعر " الأمريكية . وفي نفس السنة ، تزوَّج فتاة إنجليزية تُدعى فيفيان هيغ . اشتغلَ سنة بالتعليم ، ثم انتقل إلى العمل في مصرف لويد في لندن عام 1917 . وفي عام 1927أصبح من أتباع الكنيسة الأنكليكانية ، وحصل على الجنسية البريطانية . وفي عام 1932 ، صار أستاذًا للشِّعر في جامعة هارفارد . تُوُفِّيت زوجته عام 1947 ، وبعدها بسنة حصل على وسام الاستحقاق وجائزة نوبل للآداب ( 1948 ) . نشر إليوت مجموعته الشعرية الأولى " بروفروك وملاحظات أخرى " عام 1917 . وفي هذه المجموعة تتجلى تأثيرات الرمزية الفرنسية. وفي عام 1922 ، نشر إليوت قصيدته " الأرض الخراب " ، وهي تُعَدُّ بإجماع النُّقاد أعظم أعماله الشعرية على الإطلاق ، والقصيدة التي جَلبت له الشهرة العالمية. وقد كُتبت في فترة انهيار زواج إليوت . إنها تُعبِّر عن خيبة أمل جيل ما بعد الحرب العالمية الأولى( 1914_1918)، وانهياره الروحي، وانكساره المادي. وتُصوِّر عَالَمًا كابوسيًّا مليئًا بالخوف والضياع والموت.وفي هذا العالَم المتهاوي الذي ينتظر الخلاصَ، تنتشر الشكوك ، ويغيب اليقين ، وتتساقط المسلَّمات ، ويُصبح الوجود الإنساني على المِحَك . وهي قصيدة حداثية واسعة التأثير ، لَم يُفلِت مِن تأثيرها أيُّ شاعر ، سواءٌ في الشرق أَم الغرب . وقد أصبحت علامة فارقة في الأدب الحديث رغم غموضها، وغرابتها،وتشاؤمها،وكثرة رموزها وأساطيرها ، وتعدُّد أساليب بنائها، إِذْ يتغيَّر الساردُ بشكل مفاجئ. والكلام ينتقل من النبوءة إلى السخرية . وتُعتبَر " الأرض الخراب " مِن أهم وأصعب القصائد في تاريخ الأدب الإنجليزي والعالمي لِعدة أسباب، مِنها: 1_ الاعتماد على عشرات الأعمال الأدبية . 2_ وجود إشارات تضمينية إلى عشرات المؤلفين ، أغلبها فوق مستوى ثقافة القُرَّاء . 3_ الحالة النفسية السوداء التي تُسيطر على ألفاظ القصيدة ومعانيها. 4_ تحوُّل الكآبة إلى فلسفة شِعرية قائمة بذاتها. 5_ عدم تقديم حلول لقضية تدهور الحضارة الغربية . 6_ تحتوي على أبيات بعدة لغات ، مِنها : الفرنسية والألمانية والإسبانية والهندية . وكأنَّ الشاعر يَستعرض عضلاته اللغوية ، ويُريد إظهار معرفته بهذه اللغات لإبهار القارئ وصَعقه ، وإحداث صدمة ثقافية في نفْسه .

     اتَّجه إليوت إلى كتابة المسرحيات الشعرية ذات الطابع الكوميدي.وغالبًا، تنتهي مسرحياته بنهايات تصالحية ، حيث لا غالب ولا مغلوب . وكان يشعر بعد كتابة " الأرض الخراب " برغبة في شكل أدبي جديد وأسلوب جديد .

     قَدَّمَ إليوت إسهامات مهمة في مجال النقد الأدبي ، خصوصًا النقد الحديث الذي دعا إليه في كُلِّ كُتبه ومحاضراته . ورغم أنَّه قَلَّلَ من عمله كناقد ، واعتبرَ أعماله النقدية كتابةً على هامش مشروعه الشعري ، إلا أنه يُعتبَر من كبار النُّقاد في القرن العشرين .

     ومشروع إليوت النقدي يقوم على عدة أفكار مركزية تُمثِّل أركان مدرسة النقد الحديث من وجهة نظره. مِن أبرزها: 1_ضرورة أن يُفهَم الفن ضمن سياق الأعمال الفنية السابقة.2_ محاكمة الفنان أو الشاعر بمقاييس الماضي . 3_ القصيدة تَعني ما تَقوله لكنها تقترح وجود أحكام أخرى مبنية على تعدد القراءات المختلفة . 4_ احتقار الرومانسيين خصوصًا الشاعر الإنجليزي شيلي ، والتركيز على الكلاسيكية والأفكار الدينية . 5_ إحياء الاهتمام بالشعراء الميتافيزيقيين ، باعتبارهم الأكثر خبرة في عملية دمج الفلسفة مع الأحاسيس. 6_ الاهتمام بمصطلح"الْمُعَادِل الموضوعي"، وهو مصطلح نقدي يُشير إلى الأداة الرمزية المستخدمة للتعبير عن المفاهيم المجرَّدة كالعواطف . 7_ ضرورة أن يصنع الشاعر شخصيته الفريدة من خلال عمله الشعري .

     من أبرز أعماله الشعرية : الأرض الخراب ( 1922) . الرجال الجوف ( 1925) . أربعاء الرماد(1930). ومن أبرز مسرحياته: جريمة في الكاتدرائية(1935) . لَم شمل العائلة ( 1939). حفلة كوكتيل ( 1949) . ومن أبرز كُتبه النقدية : الغابة المقدسة ( 1920) . ملاحظات نحو تعريف الثقافة ( 1948) . في الشعر والشعراء ( 1957) .