17‏/03‏/2021

توماس مان وقسوة النازية

 

توماس مان وقسوة النازية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

...........

     وُلد الروائي الألماني توماس مان ( 1875_ 1955) في مدينة لوبيك الألمانية التي تطل على بحر البلطيق ، وتُوُفِّيَ في مدينة زيورخ السويسرية . ينتمي إلى عائلة برجوازية ، فقد كان أبوه من كبار التجار ، وعُضوًا في مجلس الشيوخ . أمَّا والدته فكانت ابنة أحد أصحاب المزارع الكبرى في البرازيل . وأخوه الكبير هو الروائي هنريك مان .

     لَم يهتم بالحياة الدراسية ، وكانت المدرسة بالنسبة إليه سِجنًا لا يُطاق ، فَكَرِهَها ، وهرب من أجوائها الخانقة ، ولَم يحصل على شهادة الثانوية . وكانت سعادته مستمدةً من المسرح البسيط الذي أقامه أخوه هنريك في البيت .

     عِندَما بلغ الخامسة عشرة مِنَ العُمُر تُوُفِّيَ والده، وقامت الأسرة بإغلاق الشركة التجارية التي تركها الأب ، وباعت البَيت بما فيه مِن أثاث . واضْطُرَّت والدته البرازيلية إلى الاستقرار معَ أولادها في مدينة ميونخ عام 1893. والتي كانت العاصمة الثقافية والفنية لألمانيا . وقد أكملَ فيها الشاب توماس تعليمه ، وعمل لفترة بسيطة في شركة تأمين ، ثُمَّ عمل في مجلة أسبوعية كان يُصدرها أخوه . وفي تلك الفترة بدأ يَكتب الشِّعر العاطفي مُتأثِّرًا بالشعراء الألمان الكِبار : غوته وشيلر وهاينه .

     سافرَ مَعَ أخيه إلى إيطاليا ، وأقامَ فيها لمدة عامَيْن ، وبدأ كتابة أُولى رواياته " آل بودنبركس ". ثُمَّ عادَ إلى ميونخ ، واستقرَّ فيها بعد أن أدَّى الخدمةَ العسكرية . تزوَّجَ مِن كاتيا برنغشايم ، وهي امرأة أرستقراطية ، وبذلك صارَ ضِمْن أرقى العائلات في المدينة .

     تُعتبَر رواية " آل بودنبركس " ( 1901) مِن أكثر الكتب مبيعًا ، وهي تُمثِّل اعترافًا عالميًّا بموهبة هذا الكاتب ، وتَكريسًا أدبيًّا لَه ، وسَببًا رئيسيًّا في حصوله على جائزة نوبل فيما بَعْد .

     تُصوِّر الروايةُ تراجعَ عائلة تجارية برجوازية من مدينة لوبيك الألمانية على مدى أربعة أجيال . وقد استلهمَ الكاتب الكثير من تاريخ عائلته . وقد بِيع من الرواية حتى اليوم أكثر من أربعة ملايين نسخة باللغة الألمانية وَحْدَها .

     عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914 ، كان مان أديبًا مُكَرَّسًا ومَشهورًا . وقد استعاد نشاطه الأدبي بعد انتهاء الحرب ، فكتب روايته الشهيرة الجبل السِّحري ( 1924) ، التي تُعتبَر أهم رواية للمؤلف ، وأهم رواية كلاسيكية في الأدب الألماني في القرن العشرين ، وتَمَّت ترجمتها إلى لغات عديدة. وقد احتلت المرتبة الأربعين في "كتب لوموند المئة للقرن " . وهو تَصنيف كُتُب ضَمَّ عِندَ إعداده مجموعة من الكتب يُعتقَد أنها أفضل 100 كتاب صَدر خلال القرن العشرين . وهذه الروايةُ حَقَّقت للكاتب شهرة عالميةً تُوِّجَت بحصوله على جائزة نوبل للآداب عام 1929 .وعِندَما عَلِمَ بِفَوزه بجائزة نوبل، قال بلهجة مُتكبِّرة: (( كُنتُ أنتظر ذلك )). وقد قَدَّم الجائزة لشعبه قائلاً : (( سَأُقدِّم هذه الجائزة العالمية التي تحمل بالصُّدفة اسمي لشعبي ولبلدي )) . وقد تُرجمت كتب توماس مان إلى أكثر مِن أربعين لغة .

     كان نجاح هتلر في الانتخابات عام 1930 كارثةً مُدوِّية في تاريخ ألمانيا، وشَكَّلَ خطرًا حقيقيًّا على حياة عائلة ( مان ) الليبرالية . وقد طالبَ الكاتب بتشكيل جبهة من الديمقراطيين لمواجهة المتشدِّدين . وبعد وصول الحزب النازي إلى الحكم عام 1933 ، أُجْبِرَ على مُغادرة ألمانيا . وقد سُحبت منه الجنسية عام 1936 ، فعاشَ مُتنقِّلاً بين فرنسا وسويسرا ، ثُمَّ هاجرَ إلى الولايات المتحدة ، واستقرَّ فيها مَعَ عائلته حتى عام 1952 . ثُمَّ عادَ إلى أوروبا ، واختارَ مدينة زيورخ لِيُنهيَ فيها حياته بهدوء .

     لَم تكن حياة توماس مان مفروشةً بالورود . لقد عانى في طفولته ، وكَرِهَ المدرسةَ ، ولَم يحصل على شهادة الثانوية . كما أنَّ وفاةَ والده أفقدت العائلةَ توازنها الروحي ، وأثَّرَتْ سَلبًا على وَضعها الاقتصادي ، حتى اضْطُرَّت إلى تغيير مكان إقامتها. ولَم تستقر حياة الكاتب بعد زواجه وانضمامه إلى العائلات الراقية وشُهرته الأدبية ، فقد تلقَّى صَدمةً هائلةً عِندَما انتحر ابنُه كلاوس الذي كان يَتمتَّع بموهبة أدبية خاصة . ثُمَّ جاءت الأحداث السياسية لتزيد معاناته ، فقد طرده النازيون من بلاده ، واعتبروه خائنًا ، وسَحبوا مِنه الجنسية . وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، عانى من المشكلات النفسية التي سَبَّبت له الاضطراب وعدم التوازن، إلا أنه نَجح في قيادة المعركة السياسية وتَطوير أعماله الأدبية . لُقِّبَ توماس مان بالسَّاحر نظرًا لإمكانياته الفكرية الهائلة ، وأسلوبه الأدبي المؤثِّر . وتَمَّ اعتباره أحد أعمدة الأدب الألماني الحديث . وقامت أشهر الجامعات العالمية بتكريمه مثل جامعة أكسفورد البريطانية وجامعة برنستون الأمريكية. وبَقِيَ قَلْبُه مُعَلَّقًا بوطنه وشعبه رغم سنوات الغربة الطويلة .

     مِن أبرز أعماله الأدبية : المهرِّج ( 1898) . آل بودنبركس ( 1901) . الموت في فينيسيا  ( 1912). حُوِّلت إلى فيلم سينمائي عام 1971 يحمل نفس الاسم . الجبل السحري  ( 1924). المختار ( 1951) . البجعة السوداء ( 1954) .