31‏/03‏/2021

جان بول سارتر ومأزق الوجودية

 

جان بول سارتر ومأزق الوجودية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.............

     وُلد الفيلسوف والأديب الفرنسي جان بول سارتر ( 1905_ 1980) في باريس.

     كان والده يعمل بالجيش ، ونشأت والدته في عائلة من المفكرين والمدرِّسين . لَم يتعرَّف سارتر إلى والده الذي مات بعد خمسة عشر شهرًا من ولادته ، ومع ذلك فقد كان حاضرًا من خلال جَدِّه. وهو رَجل ذو شخصية قوية ، قام بتربيته حتى التحق بالمدرسة العامة ، وهو في العاشرة من عُمره. اكتشف سارتر القراءة في مكتبة البيت الكبيرة ، وفضَّلها على مُصادَقة الأطفال في سِنِّه . وانتهت هذه الفترة السعيدة عام 1917 ، عندما تزوَّجت والدته بمهندس بحري ، كان سارتر يُبغضه كثيرًا . بدأ حياته العملية أستاذًا . درس الفلسفة في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية . وحِين احتلت ألمانيا النازية فرنسا، انخرط في صفوف المقاومة الفرنسية السرية . عُرف سارتر واشْتُهر لِكَونه كاتبًا غزير الإنتاج، ولأعماله الأدبية وفلسفته المسمَّاة بالوجودية ، والتحاقه السياسي باليسار المتطرِّف .

     لَم يكن سارتر مؤلفًا مسرحيًّا محترفًا ، وبالتالي فقد كانت علاقته بالمسرح عفوية طبيعية . وكان يفتقر إلى القدرة التي يتمتَّع بها المحترِف بالربط بين أبطاله . كما كان يفتقر إلى قوة التعبير الشاعري بالمعنى الذي يَجعل الْمُشَاهِد يُلاحق العمق الدرامي في روح البطل. وقد تميَّزت شخصياته بالانفصال عنه ، وبَدت وكأنها موضوعات جدال وحوار أكثر مِنها مخلوقات بشرية .

     تميَّزت موضوعات سارتر الدرامية بالتركيز على حالة أقرب إلى المأزق أو الورطة . ومسرحياته " الذباب " ، " اللامَخْرَج " ، " المنتصرون " تدور في غرف التعذيب ، أو في غرفة في جهنم . أو تحكي عن طاعون مصدره الذباب . وتدور معظمها حول الجهد الذي يبذله المرء ليختار حياته وأسلوبها كما يرغب ، والصراع الذي ينتج من القوى التقليدية في العالَم ، الذي يُوقع البطل في مأزق ، ويحاول محاصرته ، والإيقاع بِه ، وتشويشه ، وتشويهه . وإذا كان إدراك الحرية ووعيها هو الخطوة الأولى في الأخلاقية السارترية ، فإن استخدامه لهذه الحرية وتصرُّفه بها ( التزامه ) هو الخطوة الثانية . فالإنسان قبل أن يَعِيَ حُريته ويستثمر هذه الحرية هو عدم أو مُجرَّد شَيء ، أقرب إلى الأشياء مِنه إلى الكائن الحي . إلا أنه بعد أن يَعِيَ حُريته يُمسي مشروعًا له قيمته المميَّزة .

     في ستينيات القرن العشرين ، تدهورت صحة سارتر بسرعة . أحرقَ نَفْسَه من خلال نشاطه الأدبي والسياسي الزائد ، ومن خلال استهلاكه للتَّبغ والكحول بكميات كبيرة .

     وكان يوم 10 ديسمبر 1964 ، هو اليوم الأكثر دَوِيًّا في العالَم، عندما رفض سارتر جائزة نوبل للآداب ، فهو يعتبر أنه لا يستحق أي شخص أن يُكرَّم ، وهو على قيد الحياة . كما رفض أيضًا وسام جَوقة الشَّرف في 1945 ، وندوة في كوليج دو فرانس .

     كانت هذه التكريمات بالنسبة إليه تقييدًا لحريته ، لأنها تجعل من الكاتب مؤسسةً . وظلَّ هذا الموقف شهيرًا ، لأنه يُوضِّح مِزاج المثقف الذي يُريد أن يكون مستقلاًّ عن السُّلطة السياسية .

     بعدما وصل لآخر سنوات حياته ، اهتمَّ سارتر " بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي " . وكان يُندِّد بالأحوال المعيشية السَّيئة التي يعيشها الفلسطينيون ، " التي تُبرِّر اللجوء للإرهاب " ، مُعترفًا بشرعية " دولة إسرائيل " .

     وفي عام 1976 ، قبل سارتر تكريمًا وحيدًا في حياته ، وهو الدكتوراة الفخرية من جامعة أورُشليم العبرية ، وقد تلقَّاها من سفارة إسرائيل بباريس . لقد قَبِلَ هذه الجائزة فقط لأسباب سياسية ، " لخلق رابط بين الشعب الفلسطيني الذي أتَبَنَّاه وإسرائيل صديقتي ".

     تُوُفِّيَ سارتر في 15 أبريل 1980. وقد أثارَ خبر وفاته ضجة كبيرة . وفي 19أبريل 1980، هرع خمسون ألف شخص إلى شوارع باريس للسَّير في موكب الدفن ، ولإعطائه التكريم المناسب لشخصه .

     دُفن سارتر في مقبرة مونبارناس بباريس ( الحي 14) في 14 أبريل 1986 . ودُفنت عشيقته سيمون دي بوفوار لاحقًا معه في نفس القبر. وكُتب عليه" جان بول سارتر( 1905_ 1980) ، وسيمون دي بوفوار ( 1908_ 1986) " .

     مِن أبرز أعماله الفلسفية : التَّخَيُّل ( 1936) . تخطيط لنظرية الانفعالات ( 1939) . الوجود والعدم ( 1943) . الوجودية مذهب إنساني ( 1946) . نقد العقل الجدلي ( 1960).

     ومِن أبرز أعماله الأدبية : الغثيان ( 1938). الذباب( 1943) . الغرفة المغلقة ( 1944) .