05‏/03‏/2021

تزفيتان تودوروف والفكر النقدي الإنساني

 

تزفيتان تودوروف والفكر النقدي الإنساني

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.........


     وُلد الفيلسوف الفرنسي _ البلغاري تزفيتان تودوروف ( 1939_ 2017 ) في مدينة صوفيا البلغارية . غادرَ إلى فرنسا لاجئًا سياسيًّا عام 1963 ، وعاشَ فيها حتى وفاته .

     كتب عن النظرية الأدبية ، وتاريخ الفكر، ونظرية الثقافة واهتمَّ بالنقد الأدبي ، ولفت الأنظار مِن خلال كتابه الأول " نظرية الأدب ، نصوص من الشكلانيين الروس " ( 1965 ) . ثُمَّ جاء كتابه " الأدب والدلالة "        ( 1967 ) الذي ساهمَ في شُهرته كمُفكِّر وباحث ، وخوَّله الالتحاق بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي عام 1968. ومِن خلال هذه المؤسسة العريقة، تكرَّست شُهرة تودوروف، وذاعَ صِيته خلال عَقْد السبعينيات ، كواحد مِن أبرز أقطاب المدرسة البنيوية في النقد الأدبي .

     ركَّزت اهتمامات تودوروف التاريخية حول قضايا حاسمة مِثل:غزو الأمريكيتين، ومعسكرات الاعتقال النازية، والستالينية. كما تناولَ موضوع التأثير السياسي على الحريات الفردية. وعمومًا ، يُعَدُّ تودوروف واحدًا مِن أهم مُنظِّري الفكر النقدي ذي النَّزعة الإنسانية .

     عمل تودوروف أستاذًا زائرًا في عِدة جامعات ، منها هارفارد ، وييل ، وكولومبيا . وحصل على جائزة الأكاديمية الفرنسية ، وجائزة أمير أستورياس للعلوم الاجتماعية .

     يُعتبَر أعظم إسهام لتودوروف ، هو إنشاء نظرية أدبية جديدة ، عرضها في أكثر من كتاب، وبالتحديد في كتابه " مدخل إلى الأدب العجائبي " ( 1970 ) .

     في كتابه " الحياة المشتركة " ( 2001 ) ، أكَّد على مقولة أن الإنسان كائن اجتماعي ، وتساءلَ عن عواقب هذا الإقرار العادي ، بعدم وجود أنا مِن دون أنت، وبالنسبة إلى الفرد، أين يكمنُ الإكراهُ في ألا يشهد سوى حياة مشتركة . وقد بيَّن أن الفلسفة تُحاذي التحليل النفسي ، والأعمال الأدبية تُساند الاستيطان ، كما بيَّن أن الكائن البشري مَحكوم بالنقص، وأنه يتوق إلى الاعتراف به ، وإن ذاته _ حتى في العزلة _ مصنوعة من العلاقات مع الآخرين . ووضَّح معنى السعادة من وجهة نظره : نحن سعداء لأننا نحب، ونحب لأننا لا نوجد من دون الحب، فسعادتنا تتوقف حصرًا على الآخرين ، الذين بيدهم أيضًا أدوات تدميرها .

     معَ بداية الثمانينيات، ابتعد تودوروف تدريجيًّا عن النقد الأدبي ، واتَّجهت اهتماماته نحو مجالات الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا وتاريخ الأفكار .

     تميَّزت مؤلفات تودوروف الفكرية بنزعة إنسانية قائمة على منظور نقدي ، يُناقش المسلَّمات ، ويغوص في أعماق الفكر ، ولا يَضرب على السطح . وقد دافعَ عن القيم الإنسانية في بُعدها العالمي الشامل ، مُخَالِفًا بذلك دُعاة " النسبية الثقافية " ( كلود ليفي شتراوس ) .

     لَم يقم تودوروف بتعظيم النموذج الغربي وتمجيده . فقد حملت أعماله نقدًا واضحًا ومُعارضًا لهيمنة المركز الغربي ، الذي يُدير ظهره للقيم والثوابت والحقوق والمبادئ الإنسانية ، التي يَزعم أنه حاميها وحارسها ورافع لوائها في أنحاء العالَم . فالغربُ يَضرب بالقيم الإنسانية عُرض الحائط ، كلما تصادمت مع مصالحه الوقتية ، وتعارضت مع مكتسباته المادية الآنية .

     وقد تنبَّه تودوروف لهذا الأمر ، وركَّز على نقد الحروب الاستعمارية الأوروبية في أكثر من كتاب ، ثُمَّ نَقَدَ _ لاحقًا _ الأنظمةَ الشمولية الدكتاتورية الغربية التي أفسدت النظامَ العالمي خلال النصف الأول من القرن العشرين .

     ومعَ بداية الألفية الجديدة ، وقف تودوروف ضد مشاريع الهيمنة الأمريكية، من خلال مجموعة من المؤلفات والكتابات .

     عُرف عن تودوروف ابتعاده عن الشأن السياسي الآني ، وحرصه على عدم الخوض في الأحداث السياسية الراهنة. ومعَ هذا، فقد عارضَ بشدة وبشكل علني سياسات الهيمنة الأمريكية، من منطلق أن " فرض الخير بالقوة أخطر من كل الشرور" .

     لذلك، عارضَ تودوروف تدخُّلَ حلف الأطلسي لتفتيت ما تبقى من يوغسلافيا عبر فرض استقلال كوسوفو عن صربيا عام 1999. ودانَ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 ، وندَّد بالتدخل الأطلسي في ليبيا عام 2011 بِحُجَّة نشر الديمقراطية .

     وقد فسَّر تودوروف النبرة النضالية غير المعهودة التي تميَّزت بها مواقفه تلك، في حوار أدلى به لمجلة " لوبوان " الفرنسية ، عام 2012 ، قائلاً : (( إننا ( في الغرب ) نشهد مُنذ عشرين سنة مَدًّا تبشيريًّا يتمثل في الزعم بأننا نستطيع نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، عبر فرضها بالقوة على الآخرين. وهذا، في نظري، أمر مُريب ومُثير للقلق )) .

     مِن أبرز مؤلفاته : شاعرية النثر ( 1971 ) . فتح أمريكا ( 1982 ) . حول التنوع الإنساني ( 1993) . الأمل والذاكرة ( 2000 ) . الحديقة المنقوصة ( 2002 ) .