20‏/04‏/2021

جورج سانتيانا وأنواع الوجود

 

جورج سانتَيَانا وأنواع الوجود

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

...........

     وُلد الفيلسوف الإسباني جورج سانتَيَانا ( 1863 _ 1952 ) في مدريد . وكان والده موظفًا بسيطًا .

     رَحل سانتيانا مع والدته إلى بوسطن في الولايات المتحدة عام 1872 ، ودرس في المدرسة اللاتينية هناك، ثم في جامعة هارفارد التي تخرَّج فيها بتفوق عام 1886 . بعد عامين قضاهما في جامعة برلين،عاد إلى هارفارد لاستكمال الدكتوراة وصار عضوًا في هيئتها التدريسية عام 1889.

     لقد نشأ وتعلمَ في الولايات المتحدة مِن عُمر الثامنة ، ويُعرِّف نفسه على أنه أمريكي ، مع أنه كان يملك جواز سفر إسبانيًّا صالِحًا ، وكان مواطنًا إسبانيًّا أيضًا طوال حياته .

     كتب باللغة الإنجليزية ، ويُعتبَر بصفة عامة رَجل الخطابات الأمريكي.وفي سن الثامنة والأربعين غادر سانتيانا منصبه في هارفارد ، وعاد إلى أوروبا بشكل دائم . ولَم يرجع إلى أمريكا إطلاقًا .

     لَم تأسره زخرفة الحياة الأمريكية، ولَم ينقطع عن زيارة إسبانيا وبعض دول أوربا والشرق. ومع تفوقه في التدريس والتأليف والعمل مع أقرانه ، إلا أن الولايات المتحدة ، ونيوإنجلند ( معقل التَّطهرية ) بوجه خاص ، كانت أبعد ما تكون عن طبيعته وفكره .

     وفي أوج نجاحه في حياته الأكاديمية، وبعد وفاة والدته في أثناء زيارة قاما بها لإسبانيا، وعلى الرغم من العروض المغرية من جامعته ، قرَّر البقاء في أوروبا والتخلي عن الولايات المتحدة نهائيًّا، كما رفض أيضًا عرضًا للعمل في جامعة أكسفورد ، وتفرَّغ للتأمُّل والتأليف، واستقر في روما بَدْءًا من عام 1924 .

     كانت الفلسفة النظرية محور فِكر سانتيانا في حقبة ما بين الحربين العالميتين ، وكان كتابه       " الرَّيبية والإيمان الروحي " إنجازًا كبيرًا من حيث الدقة في الصَّنعة والعُمق في التحليل، وتعبيرًا عن فكر سانتيانا أكثر من أي كتاب آخر ، وبداية لمرحلة النضج في فلسفته . شرح فيه رؤيته حول التوصل إلى الإيمان عن طريق الحِس . وقد طوَّر هذه الأفكار في كتابه الأهم الذي يتكوَّن من أربعة مجلدات " أنواع الوجود"( 1928 _ 1940 )،وهو دراسة في الأنطولوجيا ( علم الوجود)، ويأخذ بيد قارئه، بلغة سهلة جذابة، عبر موضوعات كانت تُربك قُرَّاء غَيره من الفلاسفة.وهو يحذو حَذْو أرِسْطو في التركيز على الدور الرئيسي للمادة ( الطبيعة )، وكَوْنها سابقة على كل شيء ، وعليها يقوم الإيمان الروحي أو الحِسِّي .

     ويُركِّز أيضًا على كَون المعرفة قائمة على فرضية وجود الروح ، إذ إن من الممكن التعالي عن الأمور المادية والوصول إلى حالة تأملية في أي من الماهيات والتحرر من قيودها ، وهذا ما يُسمِّيه   " الحياة الروحية " . وربما كانت هذه النظرية مركزية أيضًا ، لا في فلسفة سانتَيانا فَحَسْب ، بل على صعيد حياته الشخصية أيضًا ، ومن هنا كان عزوفه عن مظاهر الحياة المادية .

     كتب سانتَيانا رواية واحدة هي " البيوريتاني الأخير " ( 1935 ) ، حازت على رضى النُّقاد، وسيرته الذاتية في " أشخاص وأمكنة " في ثلاثة مجلدات ( 1944 _ 1953 ) ، وتحليلاً لدور الإنسان وللتناقضات في المجتمع الأمريكي في " الهيمنة والقوة " ( 1951 ) .

     وكان يعمل في ترجمة شعر الإيطالي لورِنزو دي مديتشي ، عند وفاته ( بسرطان المعدة ) في روما ، حيث دُفِن في مقبرتها الإسبانية .

     رأى سانتَيانا أن الحقيقة مُطْلقة ، إلا أن آفاق الإنسان المحدودة تُشوِّهها، وقال بنسبية الخير والشر، وفقًا لطبيعة الأشخاص،وبكَوْن الفلسفة فَنًّا للتعبير عن الرؤى في القضايا الإنسانية الكبرى. وقد اتَّخذ من المادية الجدلية مذهبًا فلسفيًّا له . وكان معتزلاً للعالَم الواقعي ، ويعيش في عالَمه الخاص ( عالَمه المثالي ) .

     حصل على درجة فخرية من جامعة وسكنسون عام 1911 . وحصل على وسام بنسون من الجمعية الملكية للآداب ( 1925 )