22‏/04‏/2021

جورج صاند وكثرة الفضائح

 

جورج صاند وكثرة الفضائح

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

...........

     وُلِدت الروائية الفرنسية جورج صاند ( 1804 _ 1876 ) في باريس لعائلة أرستقراطية . اسمها الحقيقي هو : أورور دوبان .

     كان والدها ضابطًا في عهد الإمبراطورية ، واختار زوجته من الطبقة الشعبية ، فتزوَّجها سِرًّا، وعاش في صراع حتى وافته المنية عام 1808، الأمر الذي ولَّد لدى طِفلته شُعورًا بالاختناق، وكان السبب في تمرُّدها ، كما وصفته في ما بعد عند الحديث عن طفولتها .

     تَلَقَّت تعليمها في نوهان ، جنوب غرب فرنسا ، وعاشت في كنف جدتها، ثم أُدخِلت دَيْرًا في باريس ( 1817_ 1820 ) . وعادت بعدها إلى نوهان، وتزوَّجت عام 1822 ، ورُزِقَت طِفلين ، ولكن سُرعان ما انفصلت عن زوجها ، لتعيش حياتَها بحرية كاملة ، مُثيرة فضائح في علاقاتها مع بعض المشاهير ، كالشاعر ألفرد دي موسيه ، والموسيقار شوبان .

     ووسط أزمات نفسية قاسية ، كانت تبحث عن طريقها ، فوجدته مع الكاتب جول صندو ، الذي أوحى لها باسمهار المستعار ، وكتبا معًا رواية " روز وبلانش " . 

     شهد عام 1832 بداية نتاج أدبي زاخر ، إذ كتبت صاند روايتَها " إنديانا " . ثُمَّ " فالنتين "   ( 1832) ، و " ليليا " ( 1833 ) . وقد وصفت صاند في هذه الروايات الهوى الذي عصف بها ومشاعرها ، وما كانت تحمله من تمرُّد على الأحكام المسبقة التي كان يُطلقها المجتمع .

     ثُمَّ سلكت اتجاهًا آخر ، متأثرة بتصوف وإنسانية الأديب القس لامنيه والاشتراكي لورو ، فحملت روايات هذه المرحلة نفحات اشتراكية وصوفية ، مِنها : " موبرا " ( 1837) ، و" رفيق درب في جَولة فرنسا"( 1840 )، و" كونسويلو " ( 1842 )، و" طَحَّان أنجيبو " ( 1845) ، و " خطيئة السيد أنطوان " ( 1847 ) .

     عندما استقرَّت في نوهان ، أولت اهتمامًا بالقرويين ، ووصفت حياتَهم في رواياتها : " بِركة شيطانية " ( 1846 )، و " فاديت الصغيرة " ( 1849 ) ، و " عازفو المِزمار " ( 1853) .

     ثُمَّ انصرفت إلى تدوين ذكرياتها في " قصة حياتي " ( 1854) ، إلا أنها عادت من جديد عام 1861 إلى الرواية الخيالية والعاطفية في " المركيز فيلمير " .

     حاولت_ في نهاية حياتها_ أن تُحقِّق حُلمها الإنساني في نوهان ، فاتَّجهت نحو الأعمال الخيرية، ووجد القرويون فيها ( سَيِّدة نوهان الطيبة ) .

     أبدعت صاند في كتابة الرواية المثالية ، التي كانت ترجمةً لمشاعرها وأفكارها وآرائها. وأرادت عند تغيير موقفها الأدبي من الرومانسية ( الإبداعية ) إلى الاشتراكية والإنسانية أن تسير على خُطى الشاعرين لامارتين وهوغو ، وتكون الناطقة باسم الشرائح الشعبية .

     لَم تكتب في إطار الفن للفن ، أو في إطار الواقعية الداعية للتشاؤم ، بل كانت كتاباتها هادفة مُدافعة عن شريعة القلب ، وعن الواقع الأمثل الذي يُقدِّم صورة جميلة متألقة .

     وقد زَخْرَفَت روايتها " بِركة شيطانية " _ على سبيل المثال _ بمشاعر وجدت أرضيتها لدى أهل القرى وسط طبيعة هادئة ومناخ عَطِر ، وهي تحكي قصة الأرمل جيرمان وأطفاله الثلاثة ، الذي فكَّر في الزواج ثانيةً بعد إلحاح قريبه. وفي طريقه لرؤية أرملة تسكن في الجوار ، طُلِبَ منه أن يصطحب ابنة أرملة فقيرة تُدعى ماري ، كما وجد على طريقه أيضًا بيير الصغير ، وعندما أسدل الليل ستاره تاه الثلاثة في غياهبه حول بِركة شيطانية قِيل إنها مسحورة . وتابع جيرمان طريقَه عند بزوغ الفجر، وشاهد الأرملة فنفر من الزينة والبهرجة التي أحاطت نفسها بها، فقارنها بماري الصغيرة التي سحرته بهدوئها وطيبتها وعنايتها ببيير الصغير ، وربطته بها عاطفة صادقة بسيطة ، فقرَّر أن لا يقترن بزوجة سِواها .

     وفي روايتها " عازفو المِزمار " ، تصف صاند أثر الموسيقى وسُلطانها في النُّفوس البسيطة .

     كانت صاند على قناعة بأن القرويين يَسْتَشِفُّون الأمور ويَفهمونها أكثر مِمَّا يتوقعه المرء. كما مَيَّزت الحطَّابين ، ووصفتهم بأنهم صادقون مُتعاونون وأصحاب وُد ، رغم خُشونة مهنتهم .

     تتميَّز كتابات صاند بالعاطفة المفرِطة ، وبِمَيْل أسلوبها إلى التفخيم المبالَغ فيه . وكانت حياتها حافلةً بالنشاط الفكري والدعوة للحركات النسائية بوجه خاص ، وقد أثارت دهشة معاصريها عندما ارتدت أزياء رجالية ، ودخَّنت السيجار . وقد تعرَّفت على كبار الكُتَّاب في عصرها .

     كانت صاند ابنة الثورة الفرنسية . تَمَثَّلَ فيها كُل ما في الثورة مِن تحرُّر وانطلاق وتفاؤل واستبشار ، وتطلع نحو المستقبل . وكان أسلوبها سهلاً لا تَكَلُّف فيه .