25‏/04‏/2021

جورج مور والنزعة الحدسية

 

جورج مور والنزعة الحدسية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.............


وُلد الفيلسوف البريطاني جورج إدوارد مور ( 1873 _ 1958 )في لندن لأسرة متوسطة. كان أبوه طبيبًا متقاعدًا .

أثَّر مور في كثير من الفلاسفة البريطانيين المعاصرين ، رغم إقلاله من الكتابة. ودافعَ عن نظريات الفِطرة السليمة ، وشجَّع على دراسة اللغة العادية أداة للفلسفة .

تلقى تعليمه في كلية دولويتش . وفي عام 1892 ، التحق بكلية ترينتي في جامعة كامبردج لدراسة العلوم الأخلاقية . وأصبح مُدَرِّسًا للفلسفة العقلية والمنطق في جامعة كامبردج ( 1925_ 1939 ).ولمدة ثلاثين عامًا تقريبًا، كان يُحرِّر مجلة العقل، وهي مجلة فلسفية. مِن أبرز مؤلفاته: " مبادئ عِلم الأخلاق " ( 1903 )، وطرح فيه مفهوم مغالطة المذهب الطبيعي .

والمذهب الطبيعي مذهب يَرُدُّ الأشياء عامةً إلى الطبيعة وحدها ، ففي ضوئها يقوم بتفسير الظواهر كُلَّها مُستبعدًا كُل مُؤثِّر يُجاوز عالَم الطبيعة . فالحياة الأخلاقية مثلاً في تصوُّره امتداد للحياة البيولوجية ، والمثل الأعلى تعبير عن حاجات الفرد وغرائزه. وسلوك الإنسان ومصيره عامة رهينا التأثر بعاملين طبيعيين هُما : الوراثة والبيئة . ويقع هذا المذهب تحت تأثير نظرية داروين التي تُؤكِّد انتماء الإنسان كُلِّية إلى نظام الطبيعة ، وتنفي صلته بعالَم ما وراء الطبيعة .

والمذهبُ الطبيعي في الأدب يهدف إلى معالجة الموضوعات،وتسجيل الحالات الجديرة بالدراسة طبقًا للقوانين العلمية، التي تحكم الإنسان ، وتُكسِبه أنواع سُلوكه وأفعاله للوصول إلى الحقيقة . يُعتبَر مور أحد مُؤسِّسي التقليد التحليلي في الفلسفة . وقادَ مسيرة الابتعاد عن المثالية في الفلسفة البريطانية، وأصبح معروفًا تمامًا بتأييده لمفاهيم الحِس السليم ، ومساهماته في الأخلاق ، ونظرية المعرفة ، والميتافيزيقا ، و " شخصيته الاستثنائية وشخصيته الأخلاقية " .

عُرف مور بالدفاع عن الأخلاق غير الطبيعية، وتأكيده على الفِطرة السليمة في الأسلوب الفلسفي. وقد كان محط إعجاب بين الفلاسفة الآخرين. ولكن مور _ على عكس زميله برتراند راسل _ غير معروف في الغالب اليوم خارج الفلسفة الأكاديمية . مع أنه يُقال إن تأثيره على راسل أكبر من تأثير راسل عليه. تشتهر مقالات مور بأسلوبها الواضح والسَّلِس ، ومنهجيتها القائمة على حل المشكلات الفلسفية. وكان مور ينتقد الفلسفة الحديثة ، لاعتقاده أنها تتناقض بشكل صارخ مع التطورات الدراماتيكية في العلوم الطبيعية منذ عصر النهضة .

أكَّد مور أن الْحُجَج الفلسفية يمكن أن تُعاني من الارتباك بين استخدام مصطلح في حُجَّة مُعيَّنة وتعريف هذا المصطلح في جميع الْحُجَج . وسَمَّى هذا الارتباك المغالطة الطبيعية .

على سبيل المثال ، قد يدَّعي أحدهم أنه إذا كان لشيء ما خصائص مُعيَّنة ، فإن هذا الشيء "جيِّد". وقد يُجادل آخرون بأن الأمور " السَّارة " هي أشياء " جيِّدة ". وقد يقول البعض إن الأشياء " المعقدة " هي أشياء " جيِّدة " . يُؤكِّد مور أنه حتى لو كانت هذه الحجج صحيحة ، فإنها لا تُقدِّم تعريفات لمصطلح " جيِّد " .

كان أحد أهم إنجازات مور في تطوُّره الفلسفي هو ابتعاده عن المثالية التي هيمنت على الفلسفة البريطانية ، ودفاعه عن ما اعتبره " حِسًّا ". وفي مقالته " الدفاع عن الحِس المشترك " ( 1925)، جادلَ ضد المثالية والشكوك تجاه العالَم الخارجي .

حاول مور كشف أسس التحليل الأخلاقي ومشكلاته . ووَفْق مور فإن المشكلة الرئيسية في قضية الأخلاق هي مشكلة تحليل " الخير " وتحديده. فكيف نعتبر شيئًا ما خَيْرًا ، وشيئًا آخر شَرًّا؟. وما هي الأشياء الخيِّرة ؟ .

يرى مور أن " الخير " فكرة بسيطة لا أجزاء لها ، ولا يمكن تحليلها وتفتيتها إلى أجزاء . فالخير صفة بسيطة ، وكل تعريف له هو مغالطة طبيعية ، لأن كل تعريف له هو صفة " لا طبيعية ". فالخير لا يُحلَّل ، بل يُدرَك بالحدس ، لذلك يُعتبَر مور مؤسس النَّزعة الحدسية في علم الأخلاق .