27‏/04‏/2021

جورج هيغل وفلسفة التاريخ

 

جورج هيغل وفلسفة التاريخ

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

........


وُلِد الفيلسوف الألماني جورج هيغل ( 1770 _ 1831 ) في شتوتغارت في المنطقة الجنوبية الغربية من ألمانيا ، لعائلة تنتمي إلى البرجوازية الصغيرة . كان والده موظفًا في الدولة البروسية . وكانت أُمُّه ابنة مُحامٍ في المحكمة العليا .

دخل هيغل المدرسة في سن الثالثة . وحين دخل المدرسة اللاتينية في سن الخامسة ، كان بالفعل يعرف الأبجدية اللاتينية التي سبق أن علَّمته أُمُّه إياها . في سن السادسة ، التحقَ بمدرسة متقدمة في شتوتغارت . وفي فترة المراهقة كان هيغل قارئًا نهمًا ، وكان ينسخ مقاطع طويلة مِمَّا يَقرأ . وكانت أطروحة هيغل للتخرج من الثانوية بعنوان " حالة ركود الفن والمعرفة في تركيا " .

بعد أن أنهى هيغل دراساته الثانوية في مدينته الأصلية شتوتغارت ، انتقل عام 1788 إلى مدينة توبينغن، ودخل كلية الإلهيات الشهيرة. وهناك،درس التاريخ وفقه اللغة الألمانية والرياضيات بصحبة صديقه " هولدرلين" الذي سيصبح شاعرًا كبيرًا فيما بعد. وقد نشأت بينهما صداقة حميمة وعميقة، وصديقه الآخر " شيلنغ " الذي سيصبح فيلسوفًا. وكانوا يتشاركون الغرفة نفسها .

أتَمَّ هيغل تعليمَه في كلية توبينغر شتيفت ، وحصل على الشهادة اللاهوتية . ثُمَّ عمل مُدَرِّسًا خصوصيًّا مُدَّة ثلاث سنوات لدى أسرة أرستقراطية في برن . وفي تلك الفترة ، ألَّف كتابه الذي عُرِف فيما بعد باسم " حياة يسوع " . وكان عنوانه الأصلي " إيجابيات الدين المسيحي " .

توتَّرت علاقته بالأسرة التي كان يعمل لديها ، فعرض عليه صديقه "هولدرلين" العمل مُدَرِّسًا عند أُسرة أخرى في فرانكفورت.وفي تلك الفترة بالذات كان لهولدرلين تأثير كبير على فكر هيغل .

أثناء عمله في فرانكفورت ، كتب هيغل مقالات مِثل:" شذرات عن الدين والحب "، و "روح المسيحية ومصيرها " . ولَم تُنشَر هذه الأعمال في حياته . ومقال آخر بعنوان "أقدم نظام للمثالية الألمانية " الذي يُعتقد أنه كتبه عام 1797 ، لكنه لَم يُنشَر إلا عام 1926 .

في عام 1801 ، انتقلَ هيغل إلى يينا ( تبعد 300 كم عن فرانكفورت ) بتشجيع من صديقه "شيلنغ" الذي كان بروفيسورًا في جامعة المدينة . عمل هيغل في الجامعة مُحَاضِرًا مُتعاونًا ( بدون راتب ) بعد أن قَدَّمَ أطروحة دكتوراة في علم الفلك . وفي تلك السنة ، نشر هيغل كتابه الأول" الفرق بين فيخته وشيلنغ في النظام الفلسفي". وكان هيغل يحاضر عن المنطق والميتافيزيقا، وشاركَ في تقديم فصلَيْن دراسيين مع صديقه شيلنغ .

في عام 1805 ، قامت الجامعة بترقية هيغل إلى منصب بروفيسور ( لكن دون راتب ) ، بعد أن أرسل هيغل رسالة إلى وزير الثقافة غوته ، احتجَّ فيها على ترقية الجامعة لخصمه فرايز جاكوب فريدريش . كذلك حاولَ هيغل التَّوَسُّط ليحظى بمنصب في الجامعة الناشئة ( جامعة هايدلبرغ )، لكنه لَم يُفلِح . في حين أن خصمه " فرايز " قد عُيِّنَ في تلك الجامعة أستاذًا دائمًا براتب كامل .

ساءت أوضاع هيغل المالية ، واضْطُر إلى الإسراع في إنجاز الكتاب الذي سَيُقدِّم فيه نظامه الفلسفي . وبينما كان يضع اللمسات الأخيرة لكتابه " ظواهرية الروح " ، غزا نابليون بروسيا في أكتوبر 1806 . ولَم يستطع هيغل إخفاء إعجابه بنابليون واحترامه له .

يُعتبَر هيغل أحد أهم الفلاسفة الألمان ، ويُنظَر إليه على أنه أهم مُؤسِّسي المثالية الألمانية في الفلسفة في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي . طَوَّرَ المنهجَ الجدلي الذي أثبت من خلاله أن سير التاريخ والأفكار يتم بوجود الأطروحة ثم نقيضها ثم التوليف بينهما.وكان هيغل آخر بُناة المشاريع الفلسفية الكبرى في العصر الحديث . وكان لفلسفته أثر عميق على معظم الفلسفات المعاصرة . يمكن وصف فكر هيغل بأنه بناء وتطوير داخل نطاق التقاليد الأفلاطونية التي تشمل أرِسْطو وكانت وغَيرهما . وما يُميِّز هؤلاء الفلاسفة أنهم يعتبرون الحرية والجبر الذاتي كلاهما حقيقي ، وله آثار وجودية هامة للروح أو العقل . هذا التركيز على فكرة الحرية جعل أفلاطون يأتي بفكرة أن الروح لها وجود أسمى أو أكمل من وجود الكائنات الجامدة .

كان مشروع هيغل الفلسفي الرئيسي هو أن يأخذ التناقضات والتوترات في المجتمع والثقافة والفلسفة ، ويضعها في سياق وَحدة عقلانية شاملة . وقد سَمَّى هذه العملية " الفكرة المطْلقة " ، أو " المعرفة المطْلقة " . وطِبقًا لهيغل ، إن الخاصية الرئيسية في هذه الوَحدة أنها تتطوَّر وتظهر على شكل التناقض والسَّلْب . ويكون للتناقض والإنكار طبيعة حركية دائمة في كل مجال من مجالات الحقيقة : الوعي . التاريخ . الفلسفة . الفن . الطبيعة . المجتمع . وهذه الجدلية هي ما تُؤدِّي إلى تطوير أعمق حتى الوصول إلى وَحدة " عقلانية " تتضمَّن تلك التناقضات كمراحل وأجزاء ثانوية ضمن كُل تطوُّري أشمل . وهذا الكُل عقلي، لأن العقل وَحْدَه هو القادر على تفهُّم كُل هذه المراحل والأجزاء الثانوية كخطوات في عملية الإدراك. وقد اعتبرتْ فلسفةُ هيغل أن الميِّزة الأساسية للإنسان هي " الوعي بالذات "، وأن هذه السِّمة " تجعله قادرًا على الارتداد إلى ذاته ، وهي نفسها جوهر الفكر الذي يعني الانعكاس أو الارتداد". واستعملَ هيغل مفهوم "الوعي" لتأسيس فلسفة شمولية للتاريخ الذي هو المنتوج الأهم للعقل الإنساني .