30‏/04‏/2021

جوزيف روديارد كبلينغ وتأييد الاستعمار

 

جوزيف روديارد كبلينغ وتأييد الاستعمار

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

............

     وُلد الأديب البريطاني جوزيف روديارد كِبلينغ ( 1865_ 1936) في بومباي بالهند ، التي كانت آنذاك جُزءًا من الإمبراطورية البريطانية ، وكان والده فنَّانًا وعالِمًا . وقد تعهَّد الخدم الهنود كبلينغ بالرعاية ، فدرس على أيديهم اللغة الهندوستانية ( وهي تسمية قديمة للغة الأردية ، كان يستخدمها الإنجليز خاصةً ) ، ثم درس اللغة الإنجليزية .

     وعندما بلغ الخامسة ، أرسله أبواه إلى المدرسة في هامبشاير بإنجلترا ، وعاشَ مع وصيٍّ عامله بقسوة بالغة أثَّرت في الطفل سلبًا ، وقد عبَّر كبلينغ عن تجارب طفولته التعيسة في بعض قصصه .

     وفي سن الثانية عشرة التحق بكلية الخدمات المتحدة في ديفون بإنجلترا . وكانت هذه المدرسة قد أُنشئت بشكل خاص لتعليم أبناء الضباط العسكريين ، الذين لَم يكونوا قادرين على الالتحاق بالمؤسسات التعليمية ذات التكاليف المرتفعة .

     وكتب كبلينغ عن هذه المدرسة في مجموعة قصصية بعنوان " ستولكي وشركاه " ( 1899 ). وقد تحمَّل التخويف والنظام الصارم في المدرسة ، وأقام صداقات ، وطَوَّرَ قدراته الأدبية . وفيما بعد اعتبرَ كبلينغ هذه المدرسة نموذجًا لتدريب قادة المستقبل البريطانيين .

     وعندما بلغ سن السابعة عشرة ، رفضَ عرض والديه لإلحاقه بالجامعة ، وعادَ إلى الهند، وعمل مُوظفًا في صحيفة الجازيت التي كانت تصدر في لاهور ( في باكستان الآن ) . وعلى الرغم من ضغوط الوظيفة ومتاعبها، بدأ كبلينغ في كتابة القصائد والقصص القصيرة . ونشر العديد من أعماله الأدبية في الجريدة التي يعمل فيها.

     وفي عام 1889 ، سافرَ إلى إنجلترا للعمل مراسلاً للجريدة ، وبعد وصوله بوقت قصير نشرت جريدة التايمز اللندنية ذات الشُّهرة العالمية في ذلك الوقت نقدًا امتدحت فيه كتاباته . وقد كان هذا النقد أول وأهم اعتراف به ككاتب . وفي عام 1892 ، انتقلَ إلى الولايات المتحدة ، وكتب هناك روايةً بالاشتراك مع صديقه الأمريكي بالستير . لكنَّ كتابهما لَم يَعرف طريقَ النجاح .

     وفي نفْس العام تزوَّج كبلينغ مِن أخت صديقه بالستير . وعاش الزوجان في فيرمونت إلى أن انتقلا إلى إنجلترا سنة 1896 . يُعتبَر كبلينغ من أهم كُتَّاب القصة القصيرة ، وتُعَدُّ قصص الأطفال التي كتبها من كلاسيكيات الأدب العالمي . وتبرز في رواياته موهبته السردية القائمة على التقاط اللحظة ، والتصوير الفني الدقيق . وقد شملت موهبته الأدبية النثر والشِّعر معًا .

     تتناول معظم أعمال كبلينغ الأولى عَظَمة الإمبراطورية البريطانية،والإشادة بالجنود البريطانيين، وتصوير عُمَّال الحكومة كأبطال ، ووصفهم بأنهم ناشرو العدل والازدهار والحضارة في البلاد البعيدة ، وتمجيد النَّزعة الاستعمارية التي كانت تُمثِّل العقيدة السياسية لبريطانيا . وهذه المبادئ تتجلى في مجموعاته القصصية : حكايات بسيطة من التلال ( 1888 )، جنود ثلاثة (1888) ، وقصص أخرى( 1889).وقد استغل مهارته الأدبية ومعرفته بالهند لجعل كتاباته مُقنعة ومتماسكة.

     كتب كبلينغ أول رواية له : " الضوء الذي خبا " (1890) بعد عودته إلى إنجلترا من الهند بوقت قصير. ولَم يَنَلْ هذا الكتاب شُهرةً كبيرة، لكنه أظهر أن كبلينغ قادر على الكتابة بتعاطف عن قضايا لا علاقة لها بالإمبراطورية البريطانية . والروايةُ تتحدث عن جندي فنَّان شاب ، يُواجِه العمى المتوقَّع،وفقدان حُب امرأة.ويُقْدِم على الانتحار عن طريق تعريض نفْسه لنيران العدو عَمْدًا.

     وحقَّق كبلينغ شهرةً عالمية ، وكسب جمهورًا كبيرًا مِن القُرَّاء بقصصه التي كتبها للأطفال . وأشهر مجموعاته القصصية على الإطلاق كتاب الأدغال(1894) الذي يصف مغامرات ماوكلي ، الطفل الهندي الذي يضيع في الأدغال ، ويعيش مع عائلة من الذئاب ، وبعد مرور السنوات ، يعود ليعيش مع البشر . وقد جعل كبلينغ الأدغال تبدو عالَمًا سياسيًّا واجتماعيًّا متكاملاً .

     تعرَّض كبلينغ لحملة من الرفض والكراهية ، وساءت سُمعته ، وصارَ شخصًا غير مرغوب فيه، لأن الكثيرين أخذوا يُعارضون الاستعمار ورموزه ، وبدأت شهرة هذا الكاتب تنطفئ بين النُّقاد بعد عام 1910 . لقد خسر الكثير من شعبيته بسبب تأييده للتَّوسُّع الاستعماري البريطاني . وعارضه آخرون بسبب وقوفه ضد منح المرأة حق التصويت .

     بقي كبلينغ يكتب إلى ثلاثينيات القرن العشرين ، ولكن بوتيرة أقل ، ودون نجاح يُذكَر . وقد تُوُفِّيَ عن عمر يناهز السبعين عامًا ، ولَم يتمكن من استعادة شعبيته التي حقَّقها في شبابه . وقد أُحرِق جُثمانه ، ودُفن رماد جثته في رُكن الشعراء .

     يُعتبَر كبلينغ أصغر فائز بجائزة نوبل للآداب ( 1907 ) . وأول كاتب باللغة الإنجليزية يحصل عليها .

     مِن أبرز أعماله الأدبية : النور الذي خبا ( 1890) ، كتاب الأدغال ( 1894) ، البِحَار السبعة ( 1896) ، القادة الشجعان ( 1897) ، عمل اليوم ( 1898) .