04‏/04‏/2021

جان جينيه والتخلي عن الجريمة

 

جان جينيه والتخلي عن الجريمة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.............

     وُلد الأديب الفرنسي جان جينيه ( 1910 _ 1986 ) في باريس ، لأبوين لَم يعرفهما . وحمل لقب أُمِّه غابريلا جينيه التي تخلَّت عنه عند ولادته.وأصبح تحت وصاية قسم المساعدات العامة . وهي وكالة حكومية ، ولعله أمضى معظم طفولته في مَيتم أو معهد خاص. ولكننا عمليًّا لا نعرف شيئًا عنه في سنواته الست الأولى . وفي عمر السادسة أو السابعة أُرسِل إلى منظمة مورفان في فرنسا ، لينشأ تحت رعاية عائلة فلاحية .

     تميَّز جينيه في مؤلفاته بأسلوب مميَّز وغني ، حيث واجه في أعماله قضايا الإنسان أمام الشر والألم والشبقية من خلال شخصياته الخيالية ، التي تحمل تناقضات من خلال تصرفاتها وانفعالاتها  ومشاعرها داخل عوالم " جحيمية " يُبدِع خيال الكاتب في وصفها .

     تحوَّلت حياة جينيه إلى ظاهرة اجتماعية، إلى نوع من الخرافة. أو الأسطورة مِمَّا صعَّد ردود الأفعال النقدية تجاهها ، وبخاصة في فرنسا في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين .

     وفي رأي سارتر : (( إن شعور الطفل جينيه بالفراغ الغريب، والمعاناة، والإحساس العميق بالعَوَز وعدم الاستقرار ، لِكَوْنه طفلاً غير شرعي . وخاصة عندما كان يعيش في مجتمع ريفي تعتمد قِيَمه على ملكية الأرض والإرث الشرعي )) .

     وفي العاشرة من عُمره أَطلقَ مجموعة من الكبار على جينيه كلمة " لص ". كانت تجربة صاعقة جعلته يدرك فجأة أنها من" طبيعته الشريرة "، وزاد من مأساة تلك التجربة قَبوله إدانة الآخرين له، وتسليمه بقبول ما يراه العالَم " إنه شخص لا بد أن يكون رديئًا ". وتوجَّه تدريجيًّا إلى ممارسة الشر والجريمة والقيام بعدة سرقات.وخلال الفترة(1933_ 1942) عاشَ جينيه حياة الفقر والتشرد، متنقلاً في عدة بلدان أوروبية، وأمضى فترات متكررة في السجن ، وألقت به مغامراته إلى الإجرام. مارسَ السرقة ، وباع نفسه من أجل البقاء ، واتصلَ بأصحاب السوابق والساقطات والقَتَلة، الذين وظَّفهم بعد ذلك نماذج لشخصياته، وامتلأت حياته بالأحداث وتجارب السجن ، وأخذت تُلقي بظلالها عليه .

     بدأ الكتابة ، وأنتج معظم أعماله في زنزانة السجن . وبشكل خاص " الرَّجل الذي حُكم بالإعدام "،وهي قصيدته الطويلة التي نشرت عام 1942. وروايته الأولى " سيِّدتنا ذات الأزهار" التي نُشِرت أول مرة في مونت كارلو على نفقة شخص غير معروف .

     كان كوكتو أول مَن اكتشف جينيه، وأصبح مُعْجَبًا بأعماله الأدبية . وفي عام 1942 ، التقى جينيه سارتر ، وتوطَّدت صداقة طويلة بينهما مبنية على عشق الحرية والاحترام المتبادل . ولولا المساعدة الأدبية والفكرية من سارتر ، فإن جينيه ما كان ليُحقِّق نجاحه السريع والأمن المالي النسبي الذي بدأ يتمتع به في الخمسينيات .

     وفي عام 1948 ، حُكِم عليه بالسجن مدى الحياة، لأنه اقترف عدة جرائم سرقة ولعدم إمكان إصلاحه . ولكن بتدخل من صحيفة " النضال " ومجموعة من الكُتَّاب يقودهم كوكتو وسارتر مُنِح العفو الرئاسي . وبعد إطلاق سراحه من السجن عام 1948 ، قرَّر جينيه التخلي عن الجريمة تمامًا .

     وفي عام 1970 ، انتقل جينيه إلى الولايات المتحدة متحدثًا باسم السُّود في كل مكان ضد العنصرية البيضاء . وفي الأول من أيار 1970 ألقى خطابًا حادًّا ضد الحكومة الأمريكية في حَرَم جامعة ييل .

     كتب جينيه وطَبع معظم أعماله الشعرية والنثرية خلال الفترة ( 1944 _ 1956 ) ، ونشر سيرته الذاتية بعنوان "يوميات لص". كما نشر عِدَّة مسرحيات ، من أبرزها"الخادمات"( 1947)، و " جرس الموت" ( 1948 ) .

     بدأ جينيه الكتابة في عُمر الثانية والثلاثين، أو الثالثة والثلاثين، تَحَدِّيًا ضد نزيل سجن آخر، الذي كتب القصائد ، وحاول أن يُبرهِن بها على موهبته للسُّجناء الذين كانوا يحتقرونه .

     وثقافته الأدبية الوحيدة مستمدة من روايات شعبية ، وقصص بوليسية حصل عليها من مكتبات السجن. وقد يكون تعلَّمَ نظم الشِّعر من رينيه بوكسويل ، الشاعر الشعبي الذي كان جينيه يُساعده.